رفعت الجلسة | خارج السرب

خارج السرب
خارج السرب

كان خلافاً بسيطاً مع زوجتى، هي تريدنى أن أخفف من عملي، ألا أبيت خارج المنزل، أن أترك معملى، وأجلس معها فى البيت.

 كثيراً ما تحدثت معي، تارة بنبرة هدوء ونصيحة، وتارة أخرى بدموع وحزن وعتاب، لكننى لم أتذكر يوما أنها تمردت ضدي، أو رفعت صوتها عند الحديث معي، بل كانت تتقبل وجهة نظري بهدوء، ثم تغادر إلى حجرتها، هذا لكونها خريجة نفس كليتي، وتعلم متطلبات عملي، إلى جانب أنها إبنة أستاذى ومعلمي.

لم أكن قادراً على الاستجابة لتوسلاتها وطلبها، أنا أدرك أن هذا حقها، وواجب علىَّ كزوج أن أجلس معها أوقاتاً كثيرة وأشبع رغباتها وأملأ فراغها، حاولت كثيراً لكنني اخترت العمل، وأغرقت نفسي في تفاصيل الجزئيات، كنت أحاول ومازلت في أن أصبح عالماً كبيراً، وأحصل على جائزة نوبل، هذا طموحى منذ صغري، وسأسعى إلى تحقيقه.

استمرت حياتنا هكذا، ارتضت زوجتي بعملي، ليس ذلك فقط، بل كانت توفر لى الهدوء ولا تزعجني بأي أمور فرعية، أدارت المنزل بامتياز، ومنحتني الحرية كاملة في المبيت خارج البيت، بل والسفر لأيام بعيداً عنها.

اجتزت خطوات كبيرة في عملي، سنوات وأنا مشغول عن البيت، وزوجتي تمنحني كل شيء أريده، حتى ابني كانت تعوض فراقي له، فلم أره يوماً يشتكي لغيابي، كان دائماً يربت على كتفي قائلاً «ربنا يوفقك يا بابا».

حتى جاء اليوم الذي تحصلت فيه على جائزة دولية، حضرت زوجتي مرتدية أفضل ثيابها، وكذلك ابني، جلسا في الصفوف الأولى، كانت الابتسامة والفرح يكسو وجههما، لم يتوقفا عن التصفيق طوال الاحتفالية.

ورغم كل هذه المظاهر المبهجة، كان هناك شيء يقلقني، كنت أرى في وجه زوجتى نبرة حزن رغم الابتسامة التي تكسوه، انتظرت حتى انتهى الحفل، أردت التحدث معها، لكنها بادرتني بطلب قائلة «أليس من حقنا أن نفرح، أين جائزتنا نحن ؟!»، أخبرتها أن هذا ما جهزت له، انطلقنا إلى أحد المطاعم الفاخرة، تناولنا أشهى الطعام.

خلال جلوسنا قدمت الشكر لزوجتي على تحملها وانشغالي المستمر عنها، أخبرتها أن هناك تحديات قادمة، لقد وافقت إحدى الجهات العلمية الدولية على تبني أفكاري، وهذا يتطلب سفري لأشهر كل عام إلى هذه المؤسسة، ابتسمت زوجتى ثم طلبت مني العودة إلى المنزل.

مر يومان والأمور بيننا على ما يرام، أنا في عملي منكب داخل المعمل، وهي تمارس حياتها الطبيعية في المنزل، فجأة وجدتها تطلب منى الجلوس للحديث معي، ثم بدأت تحكي.

قالت «أنت تعلم أن العقل كان السبب فى زواجنا، لم نعش قصة حب أو حتى نتقابل لنتحدث ويعبر كل منا عن شعوره قبل الارتباط، والدي كان أستاذك في المعمل، رشحك لي لإيمانه بمستقبلك، ولم أكن أرفض له رحمة الله عليه طلباً، وافقت بمجرد أن أثني عليك، فقد كان يملك رؤية ثاقبة، أخفيت تحفظاتي على الزواج، واحتراماً لوالدي أسقطتها من ذاكرتي.

وتابعت «تحدثت مع نفسي وأقنعتها أن الحب يأتي بعد الزواج، لكن حقيقة لم يحدث شىء، انشغلت بعملك وأعطيته كل شىء، تحاورت معك، اشتكيت من تجاهلك، كنت دائماً تطلب مني الصبر، 7 سنوات وأنا صابرة لكن الأمور كما هي، لذلك جاء الوقت الذى أطلب منك فيه الطلاق بهدوء، وأدعوك أن تذهب وتنطلق وتحقق حلمك كما تشاء، فأنا سيدة أبحث عن الاهتمام، وأنت عالم تخوض غمار العلم، فلا أريد أن أحملك همومي فيعيق طموحك عن تحقيق مستقبلك.

لم أستوعب ما قالته، كنت أشعر أنني في حلم، ما الذي تقوله هذه الزوجة الصالحة؟، أعلم أن ما ذكرته حقها، لكن لماذا الطلاق؟، ولماذا الإصرار عليه؟، حاولت أن أشرح لها، لكنها رفضت الاستماع إلي، حزمت حقائبها واصطحبت ابني إلى منزل أسرتها.

تواصلت معها، أدخلت الجميع للإصلاح بيننا، لكنها صممت على موقفها، وتمسكت بقرارها، لم يكن أمامي سوى الانصياع إلى إرادتها، فقد تذكرت صبرها على تجاهلي لها طوال السنوات الماضية، اخترت أن أستمر فى مسيرتي نحو هدفي، انفصلنا بهدوء لكن ما أريد أن أقوله أن انفصالنا كان يزينه الاحترام المتبادل.

اتفقنا على كل شىء بعيداً عن المحاكم، كل حقوقها منحتها لها، وكل حقوقي منحتنا إياها، الأموال التي تريدها ترسل إليها فى موعدها، وعلى الجانب الآخر تسمح لي برؤية واستضافة ابني في أي وقت أريده، نتبادل حتى الآن كل القرارات بشأن مصيره، كل خطوة تستشيرني فيها، مازالت صورتى قوية عند ابني، لم تشوهنى في عقله، أو تسعى للانتقام مني، مثلما تفعل الكثيرات من السيدات.

نهاية ما أريد أن اعترف به، أنني خسرت هذه الزوجة الصالحة، تمنيت ألا يحدث الانفصال بيننا، أفتقدها فى كل مكان أذهب إليه، لكن هذه كانت إرادة الله، ويكفينى أن الاحترام بيننا مازال قائماً، وهذا أكثر شىء يجعلني اطمئن على ابني وهو فى حضانتها وتحت رعايتها.

إقرأ أيضاً|سعاد صالح: لا أوافق أن يكون مفتاح شقة الزوجية مع أم الزوج