وجوه عبقرية فى المعركة| بالابتكار واجهنا أنابيب جهنم والخط المنيع ونقص وقود الصواريخ

اللواء باقى زكى يوسف
اللواء باقى زكى يوسف

أهم ما يميز حرب أكتوبر هو أننا اعتنقنا فى تلك الفترة مبدأ دعم البحث العلمى واستخدام الابتكار المصرى والاستماع الى الأفكار الخلاقة بداية من أصغر جندى وأكبر رتبة عسكرية إلى باحث مبتدئ فى جامعة مصرية..

لقد كانت تلك المعركة بحق شاهدا على قدرة المصريين الابتكارية اللامحدودة لقد سبقنا عصرنا فى تلك الفترة عندما أدركنا أن قوة الجيوش والدول لا تكمن فقط فيما تمتلكه من أسلحة و أموال، وإنما بقدراتها على دعم الابتكار والعلم لخدمة الأداء الوطنى والعسكرى لذلك كان دائما يتم البحث عن الوجوه العبقرية فى كل مكان وهنا كان النصر، لقد حاز الجميع على الثقة..

وظل القائد والضابط والجندى فى خندق واحد وقد شاهدنا اقتراحات عديدة لتذليل عقبات فى المعركة يتم الأخذ بها ودراستها وتنفيذها رغم أنها خرجت من جنود أوضباط أصاغر وهذه الثقة والرغبة فى الانتصار لم تأت إلا من ملحمة عمل جماعى عملاق... وهناك مجموعة من الوجوه العبقرية خلال الحرب التى لولا أفكارها الخلاقة والمبدعة ما تحقق النصر بهذه الروعة ولولا الإيمان بهم والاستماع إليهم ما رأت تلك الأفكار النور وهو درس من دروس أكتوبر التى يجب أن نتعلمها.  

البداية كانت مع الوجه العبقرى الأول اللواء أركان حرب المهندس باقى زكى يوسف الذى قام بحل أحد المعضلات الكبرى فى عملية اقتحام خط بارليف تمثل حينها فى كيفية فتح ثغرات فى الرمال والأتربة التى لا تؤثر فيها الصواريخ وقنابل المدفعية لعبور ناقلات الجنود والمدرعات والدبابات إلى سيناء، وكانت فكرته هى فتح الثغرات المطلوبة فى السد الترابى بواسطة خراطيم المياه القوية وقد قال الخبراء السوفيت وقتها إن تدمير الخط يحتاج الى قنبلة نووية وقالوا إن اقتحام الساتر الترابى لقناة السويس وإقامة كبارى للعبور لابد أن تستغرق 48 ساعة لدى القوات التى تتمتع بأقصى كفاءة عسكرية ولديها المعدات التكنولوجية الحديثة، لكن العبقرية الهندسية المصرية التى بحثت وطورت الفكرة اختصرت هذا الزمن إلى 5 ساعات فقط  بعد أكثر من 300 تجربة عملية وعلمية! 

أما الوجه العبقرى الآخر فهو الضابط  ابراهيم شكيب الذى واجه معضلة عبور القناة بسبب مواسير النابالم أو أنابيب جهنم، التى خبأتها اسرائيل تحت سطح الأرض على جانب قناة السويس، ويسع كل منها 200‏‏ طن من النابالم والجازولين، وفى حالة اشتعالها سرعان ما تجعل من سطح الماء أتونًا طافيًا، يمكن أن تندلع منه ألسنة اللهب إلى ارتفاع متر، وترتفع درجة الحرارة إلى 700 درجة لتحرق القوارب والدبابات البرمائية  وهو ما يجعل العبور مستحيلا وكانت الاقتراحات أن يتم قصفها بالطائرات، أو تكوين قوة من قوات الصاعقة المصرية تقوم بعملية مباشرة على صهاريج النابالم بطول قناة السويس وتفجرها فى توقيت واحد..

وجاءت الفكرة العبقرية من البطل ابراهيم شكيب وهى «سد» فتحات تلك الأنابيب القادمة من الصهاريج، واقتراح أن تتولى مجموعة من قوات الضفادع البشرية بإغلاق تلك الفتحات بمادة لا تتحلل بالمياه وتكون مقاومة أيضًا للنابالم، ويكون ذلك «ليلة» الهجوم العسكرى، لكى لا يتم اكتشافها من قبل قوات العدو.

وهنا يظهر وجه عبقرى آخر وهو الرائد المهندس، أحمد مأمون، الذى استطاع فى فترة وجيزة اختراع مادة تتجمد فى مياه القناة، وأعطاها إلى قائد القوات البحرية المصرية فى سرية تامة، ثم تم تحويلها إلى الرئيس السادات، ليقرها رسميًا، وتم التكتم عليها، حتى الليلة التى سبقت العبور مباشرة، حين قامت الضفادع البشرية بسد فتحات المواسير، والبالغ عددها 360 فتحة.

أما المعضلة الكبرى التى واجهتنا فى حرب أكتوبر هى التوصل لطريقة لإبلاغ الأوامر والتعليمات العسكرية، وتبادل المعلومات والإخباريات بين القيادات والضباط دون أن يتم فك شفرتها من قبل العدو الإسرائيلى المتفوق فى التجسس الاليكترونى ويمتلك أحدث الأجهزة الأمريكية وقتها وهنا التفت قادة الجيش إلى الفكرة العجيبة الغريبة التى طرحها أحد الجنود البسطاء  لتبدو وكأنها شبه مستحيلة، بسبب إفراطها فى البساطة بطلها هو الجندى المصرى النوبى أحمد إدريس الذى قال لقائده: «اللغة النوبية» هى الحل.

تكون هى لغة الإرسال، يحاول العدو فك شفرتها، يجد نفسه أمام لغة بلا أبجدية موثقة” أو قاموس مكتوب. وأبلغ الفكرة لقادته الذين قالوا له: “هاتوا الصول ده” وقابله السادات واعتمد فكرته العبقرية التى نجحت نجاحا مبهرا فى تضليل العدو.

أما العبقرى الرابع فهو العالم المصرى محمود يوسف سعادة وقد لعب دورا مهما قبل بداية المعركة بشهور قليلة حيث ظهرت مشكلة كبرى تهدد قيام الحرب، وهى انتهاء صلاحية الوقود الخاص بصواريخ الدفاع الجوى “الروسية الصنع” والسوفيت امتنعوا عن تزويدنا به ردا على قرار السادات بطرد الخبراء ومعلوم أن هذا السلاح يقع عليه العاتق الأكبر فى حماية سماء مصر من الطيران الإسرائيلى

وكادت المعركة تتوقف لكن ابن مصر العبقرى العالم محمود يوسف سعادة نجح فى التوصل مع المسئولين فى معامل الجيش إلى الحل السحرى الذى أبهر السادات، وقرر بعده اتخاذ قرار الحرب، وتحديد موعدها بدقة، فقد أبلغه قائد كبير بالجيش أن المشكلة انتهت، ويمكن توافر الوقود اللازم خلال أيام. من خلال تكوين الوقود من نفس العناصر المستخدمة فيه والتى لم تنتهِ صلاحيتها بعد، والاستعانة بالمواد الخام المتوافر مثلها فى مصر لإعادة تصنيعه من جديد وهو ما حدث.

لقد كانت الخطة العملية العسكرية لعبور القناة تتضمن أبحاثا عديدة لعباقرة فى علوم كثيرة منها ابتكار أنواع من الكبارى صناعة مصرية، تقوم بحملها شاحنات ماركة نصر، وابتكار ستائر عائمة لحماية الكبارى من الألغام، وقاموا بابتكار وصناعة مادة الفلين لكى تحتفظ الكبارى بطفوها فوق سطح الماء، رغم ما يصيبها من قنابل طائرات العدو.

كما لعب علماء الفلك والظواهر الطبيعية المصريون دورا مهما  لدراسة حالة الجو والمد والجزر وحركة الرمال والقمر فوق القناة وسيناء طوال العام لتحديد أنسب الأوقات للهجوم والقتال وكذلك العلوم الجيولوجية والعلوم الهندسية والتكنولوجية الحديثة. لقد مارست القيادة العسكرية أثناء الإعداد للحرب فكرا تجريبيا خلاقا، يبحث عن الابتكار المصرى من خلال العديد من التجارب، واعتمدت ليس فقط على جهد العسكريين المصريين بل على فكرهم ومعارفهم وعلومهم وخبراتهم بالإضافة إلى جهد العشرات من عمالقة المهندسين فى كل الجامعات المصرية.

إقرأ أيضاً|رئيس جامعة القاهرة يهنيء القيادة السياسية والقوات المسلحة بانتصارات أكتوبر