..ليسوا ربانيين كما يدعون، ولا يتصفون بالتدين الوسطى الآمن الحميد؛ فمنذ متى يتحول ائمة الضلال والفتنة أصحاب دعاوى القتل ونشر الفوضى إلى جماعة مسلمة تهدف إلى إصلاح اجتماعى وسياسى واقتصادى وكل مظاهر الحياة من منظور إسلامى شامل؛ فإذا كان حسن البنا هو أول من وضع بذرة الإرهاب في العالم فإن سيد قطب ومن بعده يوسف القرضاوى هما الثمرة الخبيثة التي نضجت على شجرة لم تنبت إلا نكدًا وإرهابًا وتدميرًا وسفكًا للدماء، ولكن بعد أن اجتثها المصريون من فوق الأرض في 30 يونيو ما لها من قرار ولا استقرار.
في الماضي كان سيد قطب هو الثمرة التي نضجت لتفرز لنا الإرهابيين المتأسلمين من جماعة الجهاد والتكفير والهجرة وغيرهما من التيارات الأصولية على كل شكل ولون، وبعده استلم الراية السوداء القرضاوى صاحب كرة الثلج التي تضخمت لتفرز لنا فتاوى القتل والاغتيالات لا لرجال إنفاذ القانون فقط ورجال القضاء ولكن للآمنين من المواطنين الذين نحن في نظره وغيره من شيوخ الفتنة والضلال مشركين يجوز اغتيالهم وقتلهم؛لأننا ببساطة خرجنا على الفاشية الدينية هؤلاء كهنة الظلام في ثورة من أعظم الثورات في التاريخ القديم والحديث والمعاصر.
المشهد كان مرتبًا له بعناية شديدة من جماعات الإسلام السياسي تتزعمها الإرهابية سبقت أفهام هؤلاء الشباب الذين خرجوا في 25 يناير 2011، في فورة تطالب بـ عيش حرية وعدالة اجتماعية، فورة شباب بريء قُضي عليها في اليوم الثالث من جماعة إرهابية وجدتها فرصة لن تتكرر لتحقيق مصالحها الخبيثة والوصول إلى سدة الحكم؛ المشهد وكما رأيناه بأم أعيننا هو عودة مفتي الفتنة والقتل وسفك الدماء يوسف القرضاوي من الدوحة إلى عاصمة العرب مصر واستقبال عصابة الإخوان والتابعين لهم من كل تيارات الإسلام السياسي والمخدوعين من المواطنين وكأنه قائد هذه الثورة أو الفورة كما أحب أن أسميها، في اللحظة التي رأينا فيها هذا المشهد أدرك الجميع أن ثورة الشباب في 25 يناير انتهت إلى غير رجعة، كما انتهت أيضًا في تونس وقتها بعودة راشد الغنوشي – الذي يتم التحقيق معه الآن في عدة تهم - واستقبال الآلاف له في المطار؛ مخطئ من يظن أن المقارنة بعيدة بين عودة القرضاوي في مصر بعد 25 يناير2011، وعودة «آية الله الخميني» من باريس إلى إيران بعد الثورة ضد نظام الشاه في أول فبراير سنة 1979، عاد «الخميني» لا ليقيم دولة دينية فاشية مستبدة فقط – رغم أن ثورة مهسا أميني تهز مؤسسة النظام الفاشيستي الآن ونتمناها إرهاصًا لثورة ضد الحكم الديني ونظام الملالي وبداية لحكم مدني حقيقي– وإنما ليحكم ويتحكم في مصائر العباد والبلاد، أيضًا عاد القرضاوي في 2011، ليجعلها ثورة إسلامية بعد غياب ثلاثين عامًا؛ فما نادى به القرضاوي من إلغاء قانون الطوارئ، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإطلاق الحريات العامة، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من التكنوقراط، وإلغاء دستور 1971، ما هو إلا من قبيل الخداع الاستراتيجي، ورأينا ولم نسمع خطة التمكين لاتباعهم في جميع مفاصل الدولة، وراح الشيخ التكفيريين يغدو ويروح بين الدوحة ومصر على مدار عامين تقريبًا، كان ينفذ مشروعًا إخوانيًا؛ فمن يقرأ كتابه «ملامح سيرة ومسيرة» يكتشف فيه دون عناء إعجابه الشديد بالثورة الإيرانية؛ حيث يقول في صفحة من صفحاته نصًا؛ «فالشيعي المتدين يجب أن يرتبط بمرجع ديني، يفتيه ويرشده في الملمات، ويعطيه (الخمس) الواجب على كل شيعي، وهو بمثابة (ضريبة على صافي الدخل) بنسبة 20% بعد اقتطاع النفقات اللازمة للشخص ولمن يعوله. وهذه الضريبة يفترض أن تؤدى للإمام المعصوم. أما وهو غائب، فإنها تعطى لمن ينوب عن الإمام من العلماء والمراجع الدينية. فهذه قوة مادية مالية تشد أزر مشايخ الشيعة، وتغنيهم عن وظائف الدولة التي قد تتحكم فيهم، وتقيد حركتهم بسبب وظيفتهم. وهو ما وقع فيه أهل السنة، حيث صاروا موظفين في الدولة، ورزقهم بيد السلطة، حتى أكبر مناصبهم مثل شيخ الأزهر والمفتي ورئيس القضاء الشرعي وأمثالهم، كلهم موظفون عند الحكومة، هي التي توليهم، وهي التي تعزلهم إن شاءت، وهي التي توسع لهم أو تقتر عليهم».
ويتساءل القطري شيخ الفتنة والدم والمنظر الأول للإرهابية في موضع آخر من كتابه؛ «لماذا نجح علماء الشيعة في قيادة ثورة ناجحة في إيران، ولم ينجح علماء السنة في إقامة ثورة مماثلة في بلاد السنة؟، هل هذا عجز في طبيعة المذهب السني نفسه أو هو عجز في علماء السنة أنفسهم»؟!، فالتقارب الإخواني الإيراني ليس بجديد؛ ألم يقل الهضيبي يومًا، «علينا أن نعمل على المتفق بيننا وننحي جانبًا الاختلافات المذهبية».
الغريب للذين يعتقدون أن القرضاوي الشيخ الذي فقد ظله – مستعيرًا عبارة الدكتور رفعت سيد أحمد – والذي كان حتى وفاته مدرج على قوائم الإرهاب في مصر والسعودية والامارات والبحرين، من المجددين المجتهدين في الإسلام وهو في حقيقة الأمر عاش حياته متأرجحًا ما بين فتوى المدح وفتوى القتل؛ فعندما انتقلت المؤامرة إلى سوريا عام 2011، انتهز القرضاوي الفرصة، وأفتى بقتل الرئيس بشّار الأسد، بل وأفتى بجواز تدخّل حلف شمال الأطلسي «الناتو» لقتل الرئيس بشّار، رغم أن القرضاوي زار سوريا عام 2006، ومدح الرئيس بشار الأسد، وقال: «زيارتنا لسوريا طبيعية لنتحدث مع الرئيس بشار الأسد، ونرى ما يجب أن يفعله قادة الأمة، فتحية إلى الشعب السوري وتحيتنا إلى القائد بشار الأسد.. سوريا هي التي وقفت لأمريكا وقالت «لا»، لذلك قننوا لها القوانين من أجل عقوبتها، ولكن إن شاء الله ستظل سوريا مرفوعة الرأس قوية الأساس»، ثم أشاد بحزب الله وقال: «قاد حزب الله في لبنان حربًا، كان بحمد الله هو المُنتصر فيها، على ما يُسمى القوة التي لا تُقهَر والشوكة التي لا تُكسر، وقد كُسرت هذه الشوكة أمام حزب الله ومَن أيده»، ثم يسب حزب الله ويصفه بـ «حزب الشيطان»، ولأنه شيخ طائفي أفتى بقتل الرئيس الليبي «معمر القذافي»، والمفترض أنه من «أهل السنة»، فقال «من استطاع أن يقتل القذافي فليقتله ومن يتمكن من ضربه بالنار فليفعل، ليريح الناس والأمة من شر هذا الرجل المجنون»، ثم قال مؤكدًا أن دم القذافي في رقبته، أي رقبة القرضاوي، وقتل حلف «الناتو» بالفعل القذافي، كما طلب القرضاوي، الذي زار ليبيا عام 2003، وقابل القذافي، ومدحه، وأشاد بنشر القذافي للإسلام في ليبيا، وتناسى وقتها مأساة إخفاء وقتل الإمام «موسى الصدر» عام 1978، وكذلك راح يمدح «صدام حسين»، وهو الذي أفتى بكفره عندما غزا «الكويت»، وهو الذي حرض على قتل الشيخ محمد سعيد البوطي، حيث سئل عن حكم المتعاونين مع النظام السوري، فأجاب بوجوب قتالهم، ثم خرج الشيخ الطائفي في مارس 2013، بعد مقتل الشيخ البوطي ينفض يده ويتساءل في براءة الأطفال عن من قتل الشيخ البوطي؟، وذكر حينها: «أن أهل السنة وإن اختلفوا لا يتقاتلون»!
لقد كشف ذلك الوهابي نفسه عندما حرض على اقتحام السجون، وأباح العمليات الانتحارية، واستهداف رجال إنفاذ القانون، كما فند ذلك المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء المصرية في العام 2020.
ذات يوم قال الشاعر الغنائي الراحل: «إنني حزين أن يوجد إنسان واحد، لا جماعة منظمة، يصنع الموت للناس ويحترف الدعوة للتخريب والتدمير، وإن قلبي ليقطر حزنًا إذ كانت هذه الجماعة ترتكب جرائمها باسم الإسلام، وتجد من يصدقون دعواهم»، وكأن الرجل قاصدًا بالمعنى إمام التكفيريين يوسف القرضاوي.