تل أبيب تعيد قراءة ولاء أشرف مروان.. استخدم القذافى فى إرباك زامير وأصابه بحمى «ليلة البط»!

 الدكتور أشرف مروان
الدكتور أشرف مروان

«العريس» ألقى جهاز اتصال إسرائيليا فى النيل وأدار الموساد من القاهرة

يغلق الموساد كل باب ينفرج على علامات استفهام حول هوية الدكتور أشرف مروان؛ فلا مجال لجدال أو نقاش فى إسرائيل حول مدى ولاء صهر عبد الناصر للدولة العبرية.. من تل أبيب إلى هوليوود ولندن، حاولت رؤوس الأموال الموجَّهة اقتلاع أية فكرة تغاير هذا المفهوم، ورسَّخت للمعتقد الأحادى بأكثر من مؤلَّف، وسيل من الأعمال التسجيلية، حتى وصل الأمر إلى السينما.. كل شيء يمكن قبوله، إلا التشكيك فى ولاءات صاحب ألقاب «الملاك»، و«بابل»، و«العريس» لرئيس الموساد فى حينه تسيپى زامير.


جهاز الاتصال
رغم ذلك، ما برحت علامات الاستفهام مكانها، حتى تلقفها رئيس الموساد داڤيد بارنيع قبل أيام، حين وقف على باب مؤسسته الأمنية لفيف من قدامى المنتسبين إلى الموساد، ليطرحوا السؤال: لماذا «تأخر» تسيپى زامير فى الحصول على معلومات من «العميل المصرى» حول ساعة صفر أكتوبر 1973؟ ووشت صيغة السؤال وكأن زامير ومؤسسته كانا يديران مروان، وليس العكس. وتجاهل السؤال ذاته أن مهمة الكيميائى المصرى برمتها اقتصرت على «التأخير»، أو بالأحرى تأخير القيادة الإسرائيلية قدر الإمكان عن التعاطى مع قرار حرب يوم الغفران.


إذًا، ومن زاوية السؤال القديم الحديث المطروح على الموساد، يمكن بهدوء تحديد ولاءات مروان؛ فالرجل الذى فتح خزائن الأسرار المصرية، وتحدَّث من حنجرة السادات، وفقًا لوصف العقيد الإسرائيلى المتقاعد شيمعون ميندس، فرض على إسرائيل من البداية شروط «التأخير».

وأقنع زامير، حسب الكاتب الإسرائيلى يوسى ميلمان، بأنه ألقى جهاز الاتصال الذى أمده به الموساد فى مياه النيل، وآثر بدلًا من ذلك الحديث وجهًا لوجه «مع مشغليه» فى عواصم أوروبية. قبل ذلك، ووفقًا لما فرضه على الموساد، كان مروان يتصل بعد أيام من وصوله أوروبا برقم هاتف منزل سيدة يهودية بريطانية، رمز لها ميلمان بالحرف (س)، لتقوم بدورها فى إبلاغ ضابط مكتب الموساد فى العاصمة البريطانية المدعو «دوبي»، ويبدأ الأخير فى ترتيب لقاء مع الشخصية الإسرائيلية التى تعتزم لقاء مروان.


شقة خاصة
«التأخير» أيضًا، هيمن على ترتيب اللقاء الذى جرى عشية حرب أكتوبر بين مروان وزامير؛ ففى حين لم يترك الأول عنوانًا له فى باريس التى يتواجد بها، للحيلولة دون تسريع وتيرة عقد اللقاء، قذف فى أذن «دوبي» خلال اتصال هاتفى من العاصمة الفرنسية بكود سرِّى متفق عليه من البداية هو «المواد الكيميائية»، قاصدًا به إنذار بالحرب.

وطلب اللقاء فى شقة خاصة شمال لندن. وبينما كانت الرسالة واللقاء المترتب عليها مهمًا، لم يلمح «دوبي» فى عين رئيس الموساد شغفًا باللقاء، حسب الكاتب الإسرائيلى موشى شفيردي، واستجاب لطلب مروان إرجاء اللقاء حتى العاشرة مساءً، رغم وصول زامير فى ساعات الظهيرة. وتأجل الموعد للمرة الثانية، ولم يصل مروان إلا فى تمام الثانية عشرة، وعزا التأخير إلى إجراء اتصالات هاتفية بالقاهرة لمتابعة جديد «المواد الكيميائية».


ما لم ينتبه إليه زامير وحاشيته حينئذ هو أن مروان بادر فى هذه المرة وفى سابقة هى الأولى من نوعها بطلب لقاء رئيس الموساد خلافًا للمرات السابقة. الأكثر من ذلك أنه كان أكثر حرصاً على الإبلاغ بتوقيت حرب أكتوبر، وتحديده بتمام السادسة مساء اليوم ذاته؛ فضلًا عن تعمده تشتيت انتباه مشغليه بلقاء فى باريس مع الزعيم الليبى معمر القذافي، لدرجة أن لقاء الأخير جذب انتباه زامير أكثر من «المواد الكيميائية»!


بدلة أنيقة 
وفى كتابه الصادر تحت عنوان «فجأة اندلعت الحرب»، يتطرق الكاتب الإسرائيلى أڤيرام بركاى إلى اللقاء ذاته بتفصيل يعكس إلى حد كبير ولاءات مروان الحقيقية، ويقول: «دلف مروان البالغ من العمر 29 عامًا إلى الشقة مقر اللقاء. كان محنَّطًا فى بدلة أنيقة. اعتذر عن التأخير، وجلس قبالة زامير. بعد نصف ساعة من قدومه، تمدَّد فى مقعده الوثير.

وقال بحماس: «جئت للحديث معكم عن الحرب، وليس عن أى شيء آخر». قذف مروان بما لديه، وانطلق إلى الفندق، تاركًا زامير فى حالة من الشرود والقلق، ونهشه الارتباك وهو يتساءل فى نفسه: «ماذا نفعل؟ إذا أبلغت ما سمعته أذناى توًا، فسوف يؤثر الأمر وبشكل بعيد المدى على إسرائيل. ستعلو أصوات استدعاء الاحتياط، وتنطلق آلاف آليات النقل إلى الشوارع، ويهرع الجميع حال استدعائه من المنازل والمعابد. كل ذلك فى ذروة يوم الغفران. 


«وماذا لو كان مروان مخطئًا؟ لاسيما وأنه كان قد نقل العديد من الإنذارات بنشوب حرب. كان آخرها فى أبريل، وحدت بالجيش الإسرائيلى إلى إعلان حالة الاستنفار، وكلفت إسرائيل ما يربو على 60 مليون شيكل، تأهبًا لحرب لم تندلع؛ وإذا كان ذلك تحذيرًا كاذبًا هو الآخر، سنكتشف سقوطًا فى إصدار حديث من «ليلة البط» (استدعاء الاحتياط الخاطئ فى أبريل 1959).

ويقود الإنذار الكاذب، والارتباك الهائل الذى يفرض نفسه على كل بيت فى إسرائيل إلى حل الحكومة، التى أعلن قادتها فى برامجهم الانتخابية: «لم نكن فى وضع أفضل مما نحن عليه الآن».. لم يفطن الموساد وقائده، وكذلك كامل منظومة إسرائيل الأمنية أن مروان حرص من البداية على «تأخير» إعلان التعبئة العامة بين صفوف الجيش الإسرائيلى لمدة «6 ساعات».

وهى المدة ذاتها التى أشار إليها السادات «مشغِّل مروان الحقيقي» خلال خطاب النصر، وربما كان ذلك هو ما ساق العقيد الإسرائيلى المتقاعد إيلى ديكيل إلى طرح أسئلة تشكك فى ولاءات مروان لإسرائيل، ودارت فى مضمونها العام حول إحجام «بابل» عن إمداد إسرائيل بخارطة المواقع الاستراتيچية المصرية. 

اقرأ ايضا | أشرف مروان في مرمي نيران الموساد الإسرئيلي بفيلم «الملاك»