محاكمة مدير متحف اللوفر السابق بباريس

لصوص التاريخ لـ طمس الهوية.. سرقونا في 2011

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب: محمد طلعت

مساء يوم 28 يناير 2011 ملايين المصريين كانوا في الشوارع رغم اختلاف أسبابهم، فمنهم من طلب التغيير ومنهم من أراد الاستقرار، وآخرون كان كل همهم الحفاظ على كيان الدولة المصرية وعدم سقوطها، وما بين هؤلاء وهؤلاء كان هناك من يتربص بهذه البلد لا يريد لها مستقبلا، فأشعل الفوضى بواسطة أعوانه، أحرقوا أقسام الشرطة، أشعلوا المصالح الحكومية، فجروا السجون، هربوا المساجين، نشروا الرعب في كل مكان، جعلونا نعيش أيامًا سوداء، فأصبحت  شوارعنا مليئة بمن يحملون السلاح سواء كان للحماية أو للبلطجة.

ضبط قطع أثرية مسروقة فى أشهر متاحف أمريكا

كان الشعور العام بأن مستقبلنا يسرق في دوامة الفوضى التي خططوا لها في أجهزة مخابراتهم التي لم تستكف بمحاولات تدمير المستقبل بل أرادوا طمث الهوية المصرية من خلال سرقة تاريخنا، فشهدنا عمليات نهب وتدمير للمتاحف على مستوى الجمهورية، خطة كانت ممنهجة وليست سرقات فردية، من فعلها مدرب لكي يدمر ما لا يستطيع أن يحصل عليه فدمروا القطع الكبيرة وهربوا القطع الأصغر حجمًا ليكون ذلك العام هو سنة النكبة لمحاولة سرقة هويتنا وتاريخنا؛ آلاف القطع الأثرية التي تم تهريبها عبر الحدود بكل أنواعها.

 

كانت الآثار يتم نهبها من مخازنها ومن أماكن حفظها لكي تباع في امريكا وأوروبا بملايين الدولارات ولنا أن نعلم أن سيناء على سبيل المثال في تلك الأيام الصعبة التي عشناها في 2011 سرق منها أكثر من 800 قطعة أثرية من مختلف العصور الحضارية سواء كانت إسلامية أو فرعونية أو رومانية وهو ما أكدته لجان الجرد التي تم تشكيلها لمعرفة ما تم نهبه وما تم تدميره من تراثنا الأثري.

 

كانت حدودنا الشرقية هي النقطة الساخنة التي تم من خلالها  تهريب أكبر كمية من آثارنا المسروقة مستغلين حالة الفوضى العارمة التي ضربت ربوع الوطن، ومنها اقتحام الحدود الذي حدث في تلك الأيام السوداء لأن تلك الحدود ومن وراءها جميعنا نعرف أهدافهم ونعرف أنهم لا يريدون الخير لنا.

ولم تكن سيناء فقط هى المستهدفة من سرقة تاريخنا وحاضرنا وماضينا رغم أنها هى المطمع والهدف النهائي  لكل من لا يريد الخير لمصر،  لكن مخطط سرقة آثارنا كانت تتم في كل مكان فأي شبر من أرض مصر يستطيع أن يحكي عن الحضارة التي بدأت تاريخ الإنسانية، وأضاءت العالم ثم جاء بعدها التاريخ ليحكي عما فعله المصريون على مدار آلاف السنين، لذلك لم تكن مفاجأة أن نعلم أن متحف مثل متحف ملوى في محافظة المنيا على سبيل المثال كان من المتاحف التي تمت مهاجمتها وسرقوا منه 400 قطعة أثرية من مختلف العصور ودمروا مثلها في جريمة لن تسقط بالتقادم.

اقرأ أيضًا

«متحف اللوفر بباريس».. أكبر متحف فني في العالم | فيديو

كانت متاحفنا التي يتم الهجوم عليها بتنسيق كامل من أجهزة مخابرات معادية استخدمت فيها كل الأساليب، اذا استطاعوا سرقتها فعلوها وإذا فشلوا حرضوا الجهلاء ممن يدعون أن تلك الآثار الحضارية العظيمة أصنام يجب تدميرها فيدفعوهم لمهاجمتها مستغلين حالة الجهل والأمية التي يتمتع بها هؤلاء وإذا ذكرنا أمثلة على تلك المحاولات التي حدثت في تلك الفترة العصيبة من تاريخنا فستكون كثيرة جدا حتى أنهم مازالوا لوقتنا الحاضر يحاولون تدمير تاريخنا لكن يظل حماة الوطن لهم بالمرصاد ليصدوا تلك المحاولات العبثية.

ارقام كارثية
آلاف من القطع الأثرية التي سرقت في ذلك العام وتم بيعها وإذا رجعنا إلى صحف العالم في تلك الفترة سنعرف حجم الكارثة التي تمت على أرض المحروسة من تجار سرقة الحضارة، حيث بيعت تلك القطع الأثرية في أغلب دور المزادات حول العالم والتي من المفترض أنها لا تتعامل في القطع المهربة بسبب القوانين الدولية التي تحرم ذلك لكنهم فعلوها وكأنهم تخيلوا أن مصر لن تعود لتطالب بحقوقها وستغرق في الفوضى التي غرقت فيها بلاد أخرى لسنوات وسنوات.

هم تخيلوا ذلك لأنهم لا يعرفون المصريين الذين عندما تشتد بهم الأزمات والشدائد يتحدون، فلا تستطيع أن تفرق بين من كان يدعو للتغيير ومن كان يدعو للاستقرار فتلك عظمة مصر وشعبها الذي يشهد لهم التاريخ الذي يحاول هؤلاء المخربون المدفوع لهم من أجهزة وكيانات أجنبية أن يطمثوه فلنا أن نعلم أنه كل عام وفقا لإحصائيات رسمية كان يتم محاولة تهريب ما بين 2000 إلى 3000 قطعة أثرية من خلال عمليات التنقيب غير الشرعية التي تتم في أماكن كثيرة.

سرقة الآثار المصرية كان يتم عبر شبكات من المافيا اشتركت فيها جهات ومتاحف كانت تسرق وتقتني بصورة غير شرعية آثارنا المنهوبة ولنا في قضية التهريب الكبرى التي كشفت عنها الصحافة الفرنسية خلال الفترة الأخيرة مثالا لما كان يتم، فأحد أكبر المتورطين كان مديرًا لمتحف اللوفر بباريس جان لوك مارتينيز الذي كان سفيرًا لفرنسا للتعاون الدولي في مجال التراث.


أي أن ذلك الشخص الذي يظهر للعيان أنه شخصية مرموقة من المفترض أنه يحافظ على التراث وفقًا لوظيفته، كان من الذين يسرقون التراث ويغسلون أموال تلك السرقات من أجل أهدافهم الخاصة وهناك غيره كثيرون ستكشف عنهم الأيام، فمتاحف كثيرة حول العالم اشتركت في عمليات سرقة واقتناء آثار مصرية مهربة بطرق غير شرعية والقضايا التي كشفت حول العالم في ذلك الإطار كثيرة ومثال عليها قضية متحف متروبوليتان للفنون في ولاية نيويورك الأمريكية والذي تمت مصادرة عدد من قطع الآثار المصرية المهربة داخله.

 

مسؤولو  المتحف قالوا إنهم اشتروا القطع الأثرية بصورة قانونية قبل عدة سنوات لكن بدون أن يعرفوا المسار الذي اتخذته تلك القطع لمعرفة مدى قانونية هذا المسار، وهو الأمر الذي يفهم على أنهم قد حصلوا عليه من خلال عصابات تهريب الآثار، فهذه المتاحف التي من المفترض أنها عالمية وذات مصداقية في مجال حماية التراث ووفقا للقوانين الدولية التي تربط تلك المتاحف الدولية لم يكن من المفترض أن يتم عرض أي قطع مسروقة بل إن المعايير الأخلاقية التي تحكم المسألة كانت تستدعي إعادة القطع المهربة والتي تقدر بمئات الآلاف من الآثار المصرية التي تعرض في تلك المتاحف إلى مصر، فوقفا لأثريين مصريين هناك ما يزيد عن 100 الف قطعة أثرية للحضارة المصرية يتم عرضها وتخزينها في المتحف البريطاني على سبيل المثال تلك القطع إذا ما طبقنا القوانين الدولية فكان يجب أن تعود إلى المصدر الذي أتت منه وهو مصر.

هدم التراث
فتلك القضية على سبيل المثال كشفت عن السرقات التي قد تمت خلال الفترة العصيبة التي عشناها في 2012 أيام حكم الجماعة الإرهابية للبلاد وهى الفترة الصعبة والتي تشهد تراجع الاهتمام بالآثار والتراث المصري وتشهد على ذلك قضية الإضرار بالهرم الأكبر والتي تمت خلال حكم المعزول وجماعته للبلاد وقبل ثلاثة أشهر من ثورة 30 يونيو، وهى القضية التي سنعرضها تفصيليًا خلال هذا الملف، فهؤلاء ومن يدعمونهم قد أفتوا بأن تلك الآثار هى أصنام وفتاواهم موجودة لمن يريد الرجوع إليها، فعلى مدار السنوات كان هؤلاء ومن على شاكلتهم يحاولون تدمير الحضارة لأنهم لا يعرفون قيمتها وجرائمهم التي تمت خلال هذه السنوات شاهد على ما فعلوه وعلى ما زالوا يفعلونه حتى هذه اللحظة من محاولات لهدم التراث وتدمير ما يمكنهم من تدميره أو تهريبه إذا ما دعتهم الحاجة للحصول على المال والتمويل الذي من خلاله يحاولون تدمير مستقبل مصر وحاضرها وماضيها العريق منفذين أجندات مشبوهة لأجهزة وكيانات لاتريد الخير لمصر لكنهم لايعرفون أن هذه البلاد حماة يدافعون عن الوطن ويعملون على استعادة آثارنا المنهوبة من خلال تعاون أجهزة الدولة المختلفة لكي يستردوا ما تمت سرقته في 2011 و2012 وهو الملف الذي تحركت فيه الدولة المصرية بكل ما أوتيت من قوة منذ 2014 لكي تسترد ما تم الاستيلاء عليه خلال الفوضى التي عشناها في تلك الفترات العصيبة.