«ولدت بقلب ميت.. وإثمك باقِ بقاء الزمن»

بعد الحكم بإعدامه.. رسالة المحكمة لمغتصب طفلة كفر الشيخ

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كتبت: حبيبة جمال

وردة ندية ما لبثت أن تتفتح أوراقها لترى نور الحياة حتى قطفها ذئب بشري تجرد من الإنسانية وداس عليها بنعله حتى أطفأ شمعتها.. رجل أربعيني أغواه الشيطان ولعب برأسه، فسار يلهث وراء شهواته ونزواته الرخيصة، واغتصب طفلة في عمر أولاده وربما أحفاده، جريمة بشعة يشيب لها الولدان وتقشعر منها الأبدان.. طفلة لم يكن لها من ذنب ولم يكن لها من حول ولا قوة اغتصب براءتها واغتال أحلامها وجعلها تنجب طفلا سيحمل عارًا طوال حياته.. وأم دفنت فرحتها وحُرمت من رؤية طفلتها وهي عروس ترتدي الفستان الأبيض.. وأب منكسر لا يقوى على مواجهة عيون أهالي قريته، هذا باختصار ما حدث في محافظة كفر الشيخ.. في السطور التالية نسرد تفاصيل مأساوية وتجربة صعبة عاشتها الضحية وأسرتها.

نورهان، هو اسم الضحية، طفلة لم تكمل عامها الرابع عشر، تعيش مع أسرتها البسيطة في بيت ريفي صغير بإحدى قرى مركز سيدي سالم، بمحافظة كفر الشيخ، طفلة جميلة لديها أحلامها البسيطة التي نسجتها منذ صغرها، أرادت الالتحاق بالمدرسة

حتى تصبح ذات شأن في المجتمع، يفخر بها والدها العامل البسيط الذي كان يعمل كل ما في وسعه من أجل الإنفاق عليهم وتربيتهم تربية صالحة، كان يتاجر في الألبان، يشتري من جاره صبحي ويبيع هو للناس.. حياة هادئة كانت تعيشها تلك الأسرة البسيطة، ولكن في لحظة تغير كل شيء.

في أحد الأيام طلب والد نورهان منها أن تذهب لجارهم وتأخذ منه تلك الألبان، ولم يكن ذلك الأب المسكين يدري أن طفلته ستقع فريسة لذلك الذئب، فبمجرد وصولها لمنزله، انقض عليها كالذئب المفترس، وكأنه كان يخطط لذلك منذ فترة وما أن سنحت له الفرصة، حتى اعتدى عليها جنسيًا واضعا السكين على رقبتها، لك أن تتخيل هذا المشهد المأساوي، بالتأكيد سترى الخوف في عينيها والحيرة والتساؤلات ماذا يحدث بي؟، فهي طفلة لا تعرف الغدر، ستسمع صرخاتها وتوسلاتها بأن يتركها، ستسمع صدى صوتها وهي تدعي أن يأتي أحد وينقذها من بين براثنه، لكنه لم يرحم تلك التوسلات، ولم يرحم ضعف جسدها، ولم يتركها إلا بعدما أشبع رغبته الحيوانية، وهددها بالقتل إذا أبلغت أحدًا.

اقرأ أيضًا

الإعدام لعاطل اغتصب طفلة بكفر الشيخ  

خرجت الطفلة من عنده وتفاصيل ذلك اليوم محفورة برأسها، لم تجد مفرًا من أن تكتم ما حدث معها بداخلها، خوفا من القتل، ونتيجة هذا الخوف وصغر سنها جعلاها فريسة سهلة للمتهم حتى اعتدى عليها أكثر من مرة حتى حملت نورهان في جنين اخذ ينمو بين أحشائها دون أن تدري أو أن يدري أحد من أسرتها، فهي كانت من الحالات النادرة التي لم يظهر عليها علامات للحمل، وفي يوم شعرت الطفلة بألم شديد اعتقد الجميع أنها آلام الزائدة الدودية، ولكن كانت الصدمة حينما أخبرهم الطبيب أنها حامل بل وستلد، نظرات مليئة بالحيرة والصدمة تبادلها الأب والأم، كاد الأب أن يفقد عقله ويجن جنونه كيف ابنتي الطفلة حامل!، تماسك الأب قليلا حتى فاقت ابنته وأخبرته بالحقيقة المؤلمة، أن جارهم الذي لم يراع أنه أب وجد، ولم يصن حق الجيرة اعتدى عليها جنسيا، بدأت نورهان فصلا جديدا من حياتها المأساوية، تركت تعليمها خوفًا من نظرات زميلاتها، أصبحت أمًا وهي طفلة كانت بالأمس ترعاها والدتها، وبالأمس ايضا تلعب بالشارع، لم يكن أمام الأب سوى تحرير محضر يتهم فيه جارهم باغتصاب طفلته.

بلاغ
تلقى اللواء أشرف صلاح، مدير أمن كفر الشيخ – وقتها - إخطارًا من مأمور مركز شرطة سيدي سالم، يفيد بورود بلاغ من المدعو «أ»، فلاح، يقيم بقرية تابعة لمركز سيدي سالم، يتهم فيه المدعو «ص.إ»، 43 عامًا، ويقيم بالقرية بالاعتداء على ابنته البالغة من العمر 13 عامًا جنسيًا ما أدى إلى حملها سفاحًا منه وأنجبت رضيعًا.

وأكد الأب في بلاغه أنه فوجئ بشعور ابنته بآلام في بطنها، ووفق ذلك توجه بها إلى مستشفى سيدي سالم المركزي، وبتوقيع الكشف الطبي عليها تبين أنها آلام ولادة، وبسؤال ابنته أفصحت عن المشكو في حقه بالاعتداء عليها جنسيًا منذ 9 أشهر ماضية، وأوضح الأب أنه طوال تلك الفترة لم يظهر عليها آثار حمل، وكانت بصحة جيدة، وفوجئ بالطبيب يخبرهم بأنها حالة إعياء خاصة بآلام الولادة، بناء على البلاغ تم القبض على المتهم، لكنه أنكر وقتها معللا أنه هناك خلافات بينه و الأب فلذلك يتهمه بتلك الواقعة، تحرر محضر بالواقعة وتولت النيابة التحقيق، وأمرت بتوقيع الكشف الطبي على الفتاة وبعدها إجراء تحليل البصمة الوراثية والتي أثبتت أن المتهم هو والد الطفل، فتحولت القضية للمحكمة، حتى أسدلت الستار عليها، فقضت محكمة جنايات كفر الشيخ برئاسة المستشار مدحت أبوغنيم، وعضوية المستشارين محمد عبدالكريم، وعمرو الششتاوي، وبحضور محمد وائل سعيد، وكيل النيابة، ومجدي محمد غانم، سكرتير الجلسة، بإعدام المتهم.

جلسة الحكم
قبل النطق بالحكم على المتهم، وجه المستشار مدحت أبو غنيم رسالة للمتهم، قال: «يا صبحي ولدت بقلب ميت وإن انتظم نبضه وخفقانه، انتهكت جسد الطفلة نورهان، وارتشفت جسدها، وأنوثتها ومصصت روحها حتى الثمالة.. عشرة أعوام ارتحلت من الطفولة إلى الكهولة، أورثتها ثروة من الجروح والندوب ستحيا عليها».
وأضاف: «بذرت بذرك في الحرام، ولد من يعيرونه بإثم لم يقترفه وذنب لم يرتكبه، صغيرًا ولد بـ عارك وسيُكَّني بفسقك ما حيى، إن ضـربت بالقصاص عدلاً فاجتثثت من تربة البشر إثمك باقٍ بقاء الزمن».

أسرة الضحية
تواصلنا مع عم الضحية لنعرف رد فعله بعدما اقتصت المحكمة لابنتهم، فقال: «كان لدينا ثقة كبيرة جدا في العدالة، شعرنا بالفرحة من الحكم ولكن إذا انعدم المتهم ألف مرة فلن يداوي ذلك جراحنا».

وعن حال الطفلة، قال: «حالتها يرثى لها، فأحلامها تحطمت، أصبحت أمًا ولكنها لا تعرف كيف تتعامل مع طفلها، تركت التعليم ولا أمل في رجوعها إليه مرة أخرى، ستجلس في البيت حتى يأتي من يتزوجها، حاولنا ترك الطفل لأسرة والده ولكنهم رفضوا أخذه، ولا نعرف كيف سنتعامل معه، سيظل هو سببا للجرح الذي سينزف مدى الحياة، أملنا اليوم هو أن نعدي تلك المحنة، ولكن الحمدلله على الحكم الذي أثلج قلوبنا».