النشر المصري في مهب الريح

 النشر المصرى  فى مهب الريح
النشر المصرى فى مهب الريح

هل يختفي الكتاب الورقي؟ سؤال ظل مطروحا لسنوات، والإجابة الغالبة كانت تصب في خانة بقائه لأننا نحب ملمس الورق ورائحته ومتعلقون به. فدائمًا ما نعتقد أن مشاعرنا وتفضيلاتنا الشخصية هما الفيصل. لم يخطر ببال معظمنا أن الكتاب الورقي قد يصير مهددًا بالاختفاء لندرة الورق وغلاء المواد الأخرى الداخلة في صناعته، وهو ما نعاني منه حاليًا على نحو غير مسبوق يهدد بالقضاء على قطاع النشر في مصر.


صحيح أن أزمة الورق عالمية، إلّا أنها أكثر حدة في مصر في ظل ارتفاع سعر الدولار وصعوبة الاستيراد وتوقف شحنات مستوردة بالفعل في الجمارك بسبب عدم توافر العملة الصعبة لاستلامها.


قد يتساءل البعض: ألا يوجد بديل محلي للورق المستورد؟ والجواب أن حتى الورق الجيد المصنع محليًا نحتاج لاستيراد المواد الخام اللازمة لصناعته، والبدائل المتاحة ليست بالجودة الكافية. وهناك شحنات من الورق المستورد متوقفة في الجمارك بسبب عدم توفر العملة الصعبة لاستلامها. 


والآن في ظل الارتفاع الهائل في سعر طن الورق، في حال توفره، اضطر الناشرون إلى رفع أسعار الكتب بدرجة تهدد بعدم الإقبال عليها، وهو ارتفاع قابل للزيادة كلما ارتفع سعر الورق أكثر.
هكذا قد لا يجد بعض الناشرين أمامهم حلًا سوى الخروج من سوق النشر نهائيًا.

ومن يسعى للمقاومة والاستمرار رغم الصعوبات والعقبات، عليه اللجوء إلى حلول مؤقتة وغير عملية على المدى الطويل، مثل الاكتفاء بالنشر الإلكتروني لفترة وطرح أعمالهم المنشورة إلكترونيا على المنصات والتطبيقات المخصصة لذلك، أو الاكتفاء بالطباعة عند الطلب، أي طبع عدد محدود من نسخ الكتاب الواحد تلبية للطلب عليه، وعند نفادها إعادة طبع كمية محدودة أخرى. وقد بدأت بعض دور النشر بالفعل في تطبيق هذين الحلين المؤقتين على أمل تحسن الظروف قريبًا.


هناك مَن يرى أن الأزمة الحالية، وإن مثلت خسارة فادحة، إلّا أن جانبها الإيجابي الوحيد قد يتمثل في أن المنشور من عناوين سيقتصر على الأفضل والأجود، لكنني أرى أن هذا ضرب من التفاؤل الشديد، فالأدق أنه في هذه الحالة، ستكون الغلبة للعناوين مضمونة المكسب، أي الأعمال الأعلى مبيعًا، بغض النظر عن جودتها من عدمه. وستعاني أجناس أدبية بعينها من صعوبة مضاعفة في النشر، وأقصد بهذا الشعر والقصة والقصيرة.


أخيرًا، من المهم التأكيد على أن دعم صناعة النشر ليس رفاهية ولا هو أمر الغرض منه فقط الحفاظ على التأثير الثقافي المصري أو ما يُطلِق عليه البعض «القوة الناعمة»، لكنه بالأساس حفاظ على صناعة أساسية لطالما لعبت دورًا مهمًا في الاقتصاد المصري.

‎اقرأ أيضا | مطالب بإصدار نشرة الأرقام القياسية لقطاع التشييد والبناء بشكل دوري