«الميتافيرس».. يغزو عالم الفن.. تفاصيل

الميتافيرس وعالم الفن
الميتافيرس وعالم الفن

ريزان العرباوي

بالأمس القريب كان يزال مصطلح "الميتافيرس" في المهد ومجرد فكرة قد تحدث أو لا تحدث, لكن بعد أن بات مواكبة الثورة التكنولوجية ضرورة عصرية حتمية، حتى أصبح التنافس جليا في شتى المجالات، سعيا وبقوة لحجز مكانا ضمن العالم الافتراضي, لتقديم مساحات افتراضية تمكن المستخدمين من التفاعل بكفاءة وحرية داخل تلك المساحات, كل ما عليك ارتداء نظارة ثلاثية الأبعاد واختيار شخصية افتراضية شبيهة لنا، أو ما يطلق عليها "أفاتار"، لتكون سفيرك داخل العالم الافتراضى, الذي تمكن من تغيير بعض المفاهيم، ومنها مفهوم التعاطي مع الفن بشتى مجالاته, وعلى ما يبدو أنه مع دخول عالم الميتافيرس سيتم توديع بعض الحفلات الغنائية التقليدية, فبعد إعلان المطرب اللبناني راغب علامة عن اقامة حفل افتراضى في عالم "الميتافيرس", من خلال تجربة فريدة من نوعها لأول مرة في الوطن العربي، يظهر تساؤل عن مدى هيمنة الذكاء الاصطناعي على الفن، سواء سينما أو دراما أو موسيقى, وهل من الممكن أن يحل محل الفنان نفسه؟, ومدى قبول الجمهور المصري للتجربة؟.

يرى خبراء "الميتافيرس" أن محاولة ادماج الفن - خاصة الحفلات الغنائية - بعالم “الميتافيرس” يعتبر عصر جديد من الترفيه اللامركزي يتيح حضور الحفلات الغنائية، حتى في المنزل، والسماح للجمهور بالتفاعل المباشر مع المشاهير، لدرجة تمكنه من خلق الأجواء بنفسه, وهو بمثابة القفزة الأكبر في عالم الترفيه, وبالرغم من أن الفكرة لا تزال معقدة لدى البعض، إلا أن هناك تفاعل من الفنانين, ليشهد عالم “الميتافيرس” دخول مشاهير العرب تباعا, ووفقا لتصريح حبيب شميس مؤسس شركة “MetaBoundless”، والمسئول عن حفلات المستقبل التي تنطلق افتراضيا في عالم “الميتافيرس”, حيث أشار إلى أنهم لم يبذلوا جهدا كبيرا لإقناع المشاهير العرب لتوقيع عقودهم لحفلات افتراضية، فالأمر بات أسهل من السابق، خاصة مع شرح آلية استفادة الجمهور من هذه الحفلات عبر إشراكهم, فلا حدود للخيال في حفلات "الميتافيرس"، وأهم شيء القدرة على تحفيز الجمهور بحبه للفنان.

وأكد أن الاهتمام بتقنية التشفير "إن. إف. تي"، أو الرموز غير قابلة للإستبدال, التي قد تزودنا بوسيلة موثوقة لتتبع ملكية السلع الرقمية, وكيفية التعامل في العالم الافتراضي مستقبلا, وتمنح التقنية الأشخاص إمكانية إثبات ملكية أصل رقمي لصورة أو مقطع فيديو أو رسم أو تغريدة أو مقطع موسيقي, بحيث يمكنهم تحقيق الدخل من الملكية أو الحق في الامتلاك.

من جانبه, نشر راغب علامة صورة الـ”أفاتار” الخاص به، وعلق على الحفل قائلا: “حلمي دائما أن أكون قادرا على التواصل والأداء المباشر معكم في أي مكان وأي وقت ولكل الأجيال, وبعد أشهر من العمل على مشروع تقنية الـ(ميتافيرس), أصبح العمل اليوم حقيقة مع شركة (MetaBoundless) التي قامت بتحقيق هذا الحلم لإطلاق أول أداء افتراضي في الوطن العربي من خلال حفلات المستقبل بشكل جديد”.

واستطرد: “أخيرا بإمكاني أن أشارككم اليوم المشروع الذي عملت عليه خلال الأشهر الماضية, ولأن المحبة والنجاح والتطور يجمعنا, حان الوقت كي تستمتعوا بهذا العمل التقني والمختلف”.

وفي سياق متصل, اعترف النجم اللبناني بصعوبة فهم التكنولوجيا الجديدة بقوله: “لا أخفي عليكم حتى الآن لا أفهم كثيرا هذه التقنية, ولا أزال في بداية الطريق, كما كنا في بداية ظهور الإنترنت”, وجاء ذلك خلال مقابلة تلفزيونية, وتابع: “نقوم بعمل موسيقى داخل العالم الافتراضي, وسنرى كيف تبدو الأغانى التي أحبها الناس في هذا العالم, ولا يمكننا أن نبقى متفرجين أمام التطور التكنولوجي, فأنا من الأشخاص المؤمنين بالتطور, لذك حرصت على تطوير نفسي خلال 40 عاما من الغناء، واليوم وصلنا لمرحلة الغناء من خلال العالم الافتراضي, سعيد جدا أن أكون أول الفنانين لخوض هذه التجربة ولدي ثقة كبيرة بتقديم عمل مميز جدير بالجمهور العربي، خصوصا جيل الشباب الذي ينتظر منا مواكبة التطور, وأنا على يقين أنها ستكسر حاجز الخوف لدى كثير من الفنانين للإقبال على هذا المجال الذي يحتاج إلى جرأة”.

وأشار إلى أنه اختار بالفعل الشخصية الخاصة به “أفاتار” التي سيشارك من خلالها بالحفل. 

كذلك عرض المطرب المغربي سعد لمجرد - الذي يشارك علامة الحفل - لقطات من تجهيزاته عبر صفحته الخاص على موقع التواصل الاجتماعي, معلنا سعادته مشاركة راغب في حفل مختلف ومميز, وأضاف أن الموسيقى والأغاني التي ستقدم في الحفل ستكون بطريقة جديدة ومستقبلية وملائمة لأجواء الحفل الافتراضي في عالم “ميتافيرس”.

وكانت المطربة اللبنانية نانسي عجرم طرحت أغنيتها الأخيرة “صح صح” مع الدي جي العالمي مارشميلو, وأعلنت عن إطلاق الأغنية في حفل افتراضي في عالم “ميتافيرس”, بتذاكر من العملات الرقمية, وذلك لأول مرة عربيا أيضا.

كما كان لمحمد حماقي تجربة من خلال المشاركة ضمن سلسلة حفلات “موجة الصوت” الافتراضية التي أطلقها مطورو لعبة “فورتنايت”، حيث شارك بإستعراض موسيقي يتضمن أغنية “ليلة العمر”.

وخلال شهررمضان الماضي قدمت حنان مطاوع تجربة درامية مختلفة تطرقت لأول مرة لهذا العالم الافتراضي، وما ينتج عن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا, وذلك من خلال مسلسل “وجوه”، الذي انقسم إلى قصتين, الأولى بعنوان “وش تالت” من 15 حلقة, والثانية بعنوان “ميتافيرس” جسدت حنان من خلالها صراع نفسي لشخصية “فريدة” التي أدمنت استخدام “الميتافيرس”، ذلك الجهاز الذي جعلها تعيش حياة حالمة عكس حياتها على أرض الواقع في إطار الدراما النفسية, حول استغلال البعض للواقع الافتراضي للسيطرة على المقربين منهم.

بعض أفلام السينما العالمية تنبأت أيضا بظهور العوالم الافتراضية في المستقبل، منها على سبيل المثال فيلم “Gamer” إنتاج عام 2009, وبطولة جيرارد باتلر وأمبر فليتان, والذي يعتبر واحد من الأفلام المبكرة نسبيا التي سلطت الضوء على الجانب المظلم من تكنولوجيا العالم الافتراضي، والتي بدأت إرهاصاتها في نهاية العقد الأول من الألفية, مع التقدم الملحوظ في ألعاب الفيديو والبدء في انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وبناء عدة منصات للألعاب الافتراضية التي كانت شهيرة آنذاك، مثل منصة “Second Life”.

هناك أيضا فيلم آخر تناول نفس الأمر، هو “”Ready Player  الذي تدور أحداثه عام 2045, حيث يعيش مجموعة من الشباب في منطقة مكتظة بالسكان ومليئة بالواقع المأساوي والحياة الكئيبة في إحدى مدن ولاية أوهايو, لذلك يلجأ هؤلاء الشباب للهروب من واقعهم والدخول إلى العالم الافتراضي من خلال منصة يطلق عليها اسم “الواحة” التي تتيح للجميع فرصة قضاء وقت ممتع مليء بالترفيه والتسلية, وتقمص شخصيات مختلفة والذهاب إلى أي مكان وفعل أي شيء.

رفض المنتج وليد منصور ومنظم الحفلات, الفكرة وتطبيقها على أرض الواقع, ويقول: “الأصل في الحفل الغنائي التفاعل المباشر بين الفنان والجمهور، لذلك لا أرى أنها فكرة مقبولة بالنسبة لي كرجل منظم للحفلات ومتخصص في هذا المجال, وحتى وإن تم تطبيقها من قبل بعض الجهات الأخرى لا أعتقد انها ستستمر لعدم تحقيقها للتأثير المطلوب، فهي تقضي على روح الفنان ومفهوم الحفلات الغنائية وتأثيرها, قد تكون مؤثرة في حالة استخدام تقنية (الهولوجرام) التي تعمل على اعادة احياء أعمال المطربين الراحلين وهو مطلوب, لكن أن ينظم (إيفنت) كامل بطريقة افتراضية لفنان حي يرزق فكرة مثيرة للسخرية, وأعتقد أننا أمام تطور مرعب للتكنولوجيا يعمل على خلق واقع بديل للواقع الإنساني يحول البشر إلى آلات ويخل بالعلاقات الاجتماعية التفاعلية”.

وربط منصور بين الفكرة والقضاء على طاقة الإبداع الإنساني وإلغاء المشاعر.

وتابع: “إننا نعيش ضربا من ضربات التحكم الآلي الذي يجب مقاومته, ولا أرى بديلا عن الحفلات الغنائية وتفاعل الجمهور مع مطربه المفضل سوى أرض الواقع”.

بينما ترى الناقدة علا الشافعي أننا أصبحنا نترقب المستقبل بكثير من الخوف والرعب في ظل هيمنة العوالم الإفتراضية, مؤكدة أهمية مواكبة لغة العصر، فالتطور التكنولوجي - بشكل أو بآخر - في صالح الفن, وتقول علا: “من المهم أن يستغل صناع الفن الثورة الرقمية الهائلة وتوظيفها لخدمة الفن بشكل معين لا يخل بالطبيعة البشرية, والتكنولوجيا مهمة جدا لإحداث تطور على مستوى الصورة والصوت والمنتاج وإنجاز بعض المهام التي تستغرق شهور من الإعداد والتحضير, لكن أن يتم الاستغناء بالتبعية عن بعض الأشخاص وخسارتهم لوظيفتهم لإستبدال الطاقات البشرية بالذكاء الإصطناعي فهو غير مقبول, ويقضي على فكرة الأنسنة وطبيعة الفن الذي كان دائما – ولايزال - مهتما بالإنسان وإبداعه الذي يخلق التفرد والتميز, ولنكن متفقين أن ما يحدث من تطور هائل في هذا المجال هو تطور مرعب مع الإستخدام المفرط للتكنولوجيا, لأنها تأخذ من روح العمل الفني, ولا استبعد مع مؤشرات الوضع الراهن أن يتحول الفن على المدى البعيد إلى فن رقمي افتراضي، وإن كنت لا أتمنى الوصل لتلك المرحلة، لأنه مؤشر خطير معناه تراجع وتقلص العلاقات الإنسانية في شتى مجالات الحياة, كما أنها ستصعب من مهمة الخيال السينمائي, مما قد يفقد مصطلح الخيال العلمي معناه فبعض التقنيات الحديثة قد تفقد قيمتها أمام الأعلى حداثة”.

وتضيف: “نفس الأمر ينطبق على الحفلات الغنائية، ففكرة تحول الحفل إلى افتراضي، والمطرب إلى (أفاتار)، فكرة غير مقبولة، وبالنسبة لي ولشريحة كبيرة من الجمهور، لأن أساسها خداع العين, بالإضافة إلى طبيعة الحفلات الغنائية والأجواء التفاعلية بين الجمهور والمطرب, لكن مدى قابليتها فهي مسألة نسبية تختلف من جيل لآخر، فقد تكون مستحبة لدى جيل الشباب الذى نشأ على ثقافة الانفتاح والتعامل مع التكنولوجيا، وفي المقابل هناك جيل يريد أن يحافظ على المفاهيم الخاصة بالإنسانية، لذلك من الصعب الحكم على الفكرة قبل تطبيقها بشكل عملي، حتى يتم قياس مدى القبول من الرفض، ودون إصدار أحكام مسبقة”.   

أقرأ أيضأ l مؤتمر لقادة الجامعات الإسلامية بمدينة المعرفة بتقنية الميتافيرس