مينا إبراهيم يحول منزله إلى متحف مفتوحl «حى شبرا».. يستعيد أجمل الذكريات

مينا مع زوار المتحف
مينا مع زوار المتحف

علا نافع

أحمد حلمى اتجوز عايدة، كتب كتابه الشيخ رمضان، جابوا الشمع من العطار، رقصت لهم فيكتورياب، أغنية بسيطة يعشقها كل شبراوى، يغنيها فى الأفراح ويدندها فى الحفلات الخاصة، يتفاخر بتاريخ شارعه العريق، فكل زاوية وجدار يحتضن قصة عن عظمته، لا يخلو عقار ومبنى من سكن أحد المشاهير بدءًا من الوالى محمد على الذى اختاره ليبنى على أرضه قصره الفخم، ومن ثم أمر الأعيان والأمراء ببناء قصور لهم فى ضاحية شبرا، حتى الدراويش والفنانين أبوا أن يتركوا شارعهم بعد الشهرة والثراء.

ولم يكن مينا إبراهيم سوى واحد من مريدى الحى الشهير، فقد وُلد ونشأ هناك، وعشق حاراته وأزقته الضيقة، كنائسه ومساجده، وملامح أهله المليئة بالحب والشجن، وبالأخص المطربة العالمية داليدا التى فُتن بها، وبعد أن سافر إلى ألمانيا لم يزده البُعد إلا حبًا وهيامًا لحى شبرا.

وحين عاد إلى مصر قرّر أن يقيم مشروعًا لتوثيق تاريخ الحى أطلق عليه اأرشيف شبراب، ولم يقف عند هذا الحد بل قرر تحويل منزل عائلته القديم إلى متحف مفتوح يكون بمثابة شاهد عيان على تلاحم أهل شبرا، والتغيرات المستمرة التى مرت عليه، فبات البيت قبلة لكل الباحثين وعشاق الأصالة والتاريخ سواء من المصريين أو الأجانب.

ومع بداية رحلته فى التوثيق لم يجد مينا سوى أبحاث باللغة الإنجليزية تناولت المنطقة، فقرر أن يتعمق فى دراسته اعتمادًا على الجمعيات الخيرية الدينية وتلاها بحواراته مع جيرانه وأسرته عن رغبته فى توثيق كل شبر وواقعة بشبرا. وفور إعلانه عن دورة تدريبية حول التاريخ الشفوى بشرط أن يكون الملتحق من سكان المناطق الشعبية، انضم إليه أكثر من 14 باحثًا باتوا هم أساس مشروع اأرشيف شبراب.. فى زاوية ضيقة بشارع المنتزه، يقف متحف شبرا بعزة وشموخ، بيت قديم يتخطى عمره المئة عام لكنه احتضن أجيالًا عدة.. كل ركن من أركانه كان شاهدًا على الأحداث والتغيرات التى مرت بها شبرا ومصر عمومًا.. أدواره الثلاثة تعطرت بنسيم التضحية والشهادة، كما كانت بمثابة حضن واسع لكل زوارها سواء من المسلمين أو المسيحيين.

على مقربة صغيرة منه، يوجد منزل الفنانة العالمية اداليداب، وتحديدًا فى العقار رقم 11 كأنه يستمد منه العون والمؤازرة، فخطوات ايولانداب أواداليداب الصغيرة مازالت محفورة على الأرضية الرطبة، قبل أن تتركه وتجذبها أضواء الشهرة، حتى عادت إليه مرة أخرى فى حقبة الثمانينيات فى زيارة سريعة لتغنى أغنيتها الأشهر احلوة يا بلدىب، وتلقى استقبالًا حارًا من جيرانها وأصدقائها الشبراوية.

قضى مينا عدة سنوات فى تجميع كل ما يخص الشارع سواء من صور فوتوغرافية أو حكايات مختلفة من أهلها ومريديها، فهذا الحى له خصوصية تختلف عن باقى أحياء مصر، خاصة منذ توافد السكان عليه مع دخول الترام إلى شوارعه فى القرن العشرين.

يقول مينا: بعد دراستى لعلم الأنثروبولجيا أو علم الإنسان والتعمق فيه، قررت تحويل بيت عائلتى لمركز بحثى فى 2019، معتمدًا على رسالة الدكتوراه الخاصة بى ونشرى لأوراق بحثية عن شبرا فى مجلات علمية عالمية، كما لاحظت أثناء إقامتى فى مدرسة صيفية بإيطاليا ظاهرة المتاحف المفتوحة التى تقوم على تأريخ المنطقة أو محلاتها المختلفة بالصور أو حتى السجلات المكتوبة، وهذا ما حفزنى لإطلاق مشروع اأرشيف شبراب، مؤكدًا أنه اعتمد فى مشروعه على بعض الوثائق القديمة الخاصة بشركة الترام إضافة إلى الأفلام والروايات التى وضعت تصورًا للمنطقة والتاريخ الشفهى المرتبط بها.

وعن اعتماده على أهل شبرا فى رحلة التوثيق تلك، قال: اعتمدنا على ربط الأرشيف الشخصى والعائلى بأرشيف الشارع عمومًا فالتاريخ يبدأ من المنزل، فجدرانه وأثاثه تحمل بين طياتها وقائع وأحداثًا تاريخية مرتبطة بتاريخ الوطن ككل، ومنها معرفتى أن بعض دور السينما الصيفية كانت مكشوفة فكان الأهالى الذين تطل بيوتهم عليها يتعمدون دعوة أصدقائهم لمشاهدة الأفلام ليلة كل خميس، لكن المؤسف تناقص أعداد تلك السينمات من 17 دارًا إلى واحدة فقط!

وعن تاريخ شبرا يقول: قبل توافد السكان على الحى كان عبارة عن ضاحية على شاطئ النيل يصعب الوصول إليها، لكن مع اختيار الوالى محمد على لها كى ينشئ فيها قصره الخاص حتى طالها الزحف العمرانى خاصة بعد شق شارع مستقيم من قصر عابدين إليه فضلًا عن زراعة أشجار المانجو والجميز على جانبيه، وشق الترعة البولاقية لرى الأشجار والأراضى المحيطة بقصره، مضيفًا أن الأعيان والأمراء سارعوا بسكن الحى وبناء قصور خاصة.

ويشير مينا إلى أنه مع دخول الترام إلى الحى فى بداية القرن العشرين جعله مقرًا لاحتضان عمال الترام والمزارعين بالإضافة إلى خدم الأمراء وهذا ساهم فى تغيير التركيبة السكانية وجعلها منطقة حضارية بعد أن كان حيًا ريفيًا فقط.

أقرأ أيضأ l متحف الحضاري: راهب مصري ساعد «شامبليون» في اكتشاف رموز حجر رشيد