الهدف محاصرة وتحطيم الدب الروسى

خطــة أمريكية لإنهـاء الأزمة الأوكرانية

الأزمــة  الأوكرانية
الأزمــة الأوكرانية

دينا توفيق

إجبار الخصم على التوسع بتهور من أجل انفاده توازنه ومن ثم تدميره،، ليس مجرد تصور لما سيحدث ولكن حقيقة بات يعكسها الواقع الآن فى الحرب الروسية الأوكرانية؛ خطة صاغتها الولايات المتحدة ضد روسيا من أجل إنهاك قواها ومن ثم القضاء عليها،، وبعد مرور 7 أشهر على بدء الحرب يتردد السؤال متى ستنتهى وإلى أين ستصل؟ والإجابة جاءت من خلال تقرير منشور على موقع مؤسسة البحث والتطوير الأمريكية اراندب، التى ساهمت فى تطوير الاستراتيجية طويلة المدى مكنت واشنطن من الفوز فى الحرب الباردة بإجبار الاتحاد السوفيتى على استهلاك موارده الاقتصادية فى المواجهة الاستراتيجية؛ وكان هذا النموذج هو مصدر الإلهام للخطة الجديدة، الإفراط فى التوسع وعدم التوازن فى روسيا.

قبل بضعة أشهر، نفى الكرملين أن يكون لديه أى خطط لغزو أوكرانيا، لكنه فعل ذلك، ومؤخرًا نفى الكرملين أيضًا أن يكون لديه أى خطط للتعبئة، بينما أعلن الرئيس الروسى افلاديمير بوتينب الأسبوع الماضى بدء االتعبئة الجزئيةب لجنود الاحتياط العسكريين، لقد مرت شهور منذ أن ترددت عبارة اخارج المنحدرب فيما يتعلق بزعيم الكرملين، لم يتضمن خطابه الأخير للأمة أى أغصان زيتون إلى كييف، ولا كلمات للتصالح مع الولايات المتحدة أو للناتو، إلا أنها كانت مليئة بالتهديدات المناهضة للغرب ولأوكرانيا، إنه الآن فى عمق الحرب، لكنه يبدو مصممًا على تحقيق النصر فى كل من أوكرانيا وضد ما يسميه االغرب الجماعيب للثأر لكرامته، وإذا كان ذلك يتطلب تلويحا سريعا بالسيوف النووية ومئات الآلاف من جنود الاحتياط الروس، فليكن، لقد رفع المخاطر فى لعبة تزداد خطورة، تكمن مشكلة بوتين فى أن حرب أوكرانيا، منذ البداية، لم تسر وفقًا للخطة، أبدى الجيش الأوكراني، المدعوم بأسلحة غربية، مقاومة أكبر بكثير مما توقع الكرملين، لقد تعثر الجيش الروسي، وخلص الكرملين إلى أنه يحتاج إلى مزيد من القوات فى ساحة المعركة، ومن هنا جاءت االتعبئة الجزئيةب.

وفقًا لخبراء راند، تظل روسيا خصمًا قويًا للولايات المتحدة وسيتعين على الأخيرة وحلفائها اتباع استراتيجية مشتركة طويلة الأجل تستغل نقاط ضعف روسيا ومن ثم خلق حالة من عدم التوازن، ويقدر محللو راند أن أكبر نقاط ضعف روسيا هى ضعف اقتصادها، بسبب اعتمادها الشديد على صادرات النفط والغاز؛ حيث يمكن خفض الدخل من هذه الصادرات من خلال تشديد العقوبات وزيادة صادرات الطاقة للولايات المتحدة، ما قد يقيد ميزانية روسيا، وإنفاقها الدفاعي، ومن خلال تبنى سياسات توسع العرض العالمى وتخفض الأسعار العالمية، يمكن للولايات المتحدة أن تحد من الإيرادات الروسية، يؤدى القيام بذلك إلى القليل من التكلفة أو المخاطرة، وينتج عنه فوائد لاقتصاد الولايات المتحدة، ولا يحتاج إلى تأييد متعدد الأطراف.

والهدف هو إلزام أوروبا بتقليص استيرادها للغاز الطبيعى الروسي، واستبداله بالغاز المسال المنقول بحرًا من دول أخرى، إن زيادة قدرة أوروبا على استيراد الغاز من موردين بخلاف روسيا يمكن أن يوسع روسيا اقتصاديًا وأن يحمى أوروبا من الإكراه الروسى فى مجال الطاقة، تتحرك أوروبا ببطء فى هذا الاتجاه من خلال بناء مصانع إعادة تحويل الغاز الطبيعى المسال إلى غاز، ولكن لكى يكون هذا الخيار فعالًا، سيحتاج إلى أن تصبح أسواق الغاز المسال العالمية أكثر مرونة مما هى عليه الآن وسيحتاج إلى أن يصبح الغاز المسال أكثر تنافسية من حيث السعر مع الغاز الروسي،

بالإضافة إلى زعزعة استقرار الاقتصاد الروسى على المدى الطويل من خلال تشجيع هجرة العمالة الماهرة، وخاصة الشباب الروسى ذوى المستوى التعليمى العالي، وفى المجال الإيديولوجى والإعلامي، كان هناك هدف لإشعال الخلاف الداخلي، وفى نفس الوقت تقويض صورة روسيا فى الخـارج، وذلك باستبعادها مــــــن المحــــــــافـل الدولية ومقاطعة الأحـــــــــــــــــــــداث الرياضية الدولية التى تنظمها، ومع تسليح أوكرانيا سيمكن الولايات المتحدة من استغلال النقطة المركزية للضعف الخارجى لروسيا، ومن ثم وضعها تحت الضغط دون الانزلاق إلى صراع كبير، كما أن ترك معاهدة القوات النووية متوسطة المدى ونشر صواريخ نووية جديدة متوسطة المدى فى أوروبا موجهة إلى روسيا من شأنه أن يؤدى إلى احتمالات نجاح عالية، ولكنه سيشكل أيضًا مخاطر عالية، قد تدفع الولايات المتحدة روسيا إلى سباق تسلح مكلف عن طريق الخروج من نظام الحد من الأسلحة النووية، لكن من غير المرجح أن تفوق الفوائد التكاليف الأمريكية، من المحتمل أن تكون التكاليف المالية لسباق التسلح النووى مرتفعة بالنسبة للولايات المتحدة كما ستكون لروسيا، وربما أعلى، لكن التكاليف الأكثر خطورة ستكون سياسية واستراتيجية.

ووفقـًا لمجلة اCovertactionب، تصـف مؤسسة راند نفسها بأنها منظمة غير ربحية وغير حزبية، يتم تمويلها رسميًا من قبل وزارة الدفاع الأمريكية االبنتاجونب والجيش الأمريكى والقوات الجوية ووكالات الأمن القومى كالاستخبارات المركزية CIA وغيرها والوكالات فى البلدان الأخرى والمنظمات غير الحكومية القوية، وبالنظر إلى الوراء وبالتحديد خلال عهد الرئيس الأمريكى السابق اهارى ترومانب، بدأت الولايات المتحدة سياسة تحويل الأعداء إلى أصدقاء التحالف المهم فى زمن الحرب مع الاتحاد السوفيتى والأصدقاء إلى أعداء،

كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، التى تأسست عام 1947، الأداة السرية الرئيسية لهذه السياسة، حيث عملت عن كثب مع منظمة النازيين الجدد للقوميين الأوكرانيين (OUN) لتنفيذ أعمال لتخريب الدولة السوفيتية وتقسيمها وزعزعة استقرارها.. والآن الأزمة الأوكرانية اندلعت لتحقيق الأهداف نفسها؛ وهى إضعاف موسكو وإنهاكها، حيث إن هجوم كييف على منطقة دونباس هو فى نهاية المطاف يصب فى مصلحة الولايات المتحدة، حيث إن مواردها، بما فى ذلك صناعة الفحم المتطورة للغاية، وصناعة المعادن الحديدية، والكيماوية، والبناء، موارد الطاقة الهائلة، والزراعة المتنوعة، وشبكة النقل الكثيفة التى ايشتهيها رأس المال والتمويل العابر للحدود الوطنيةب، خارج أوكرانيا، تقع الأراضى الشاسعة لروسيا وثروة لا حصر لها من الطاقة والمعادن الاستراتيجية والموارد الأخرى التى تستدعى نظامًا رأسماليًا توسيعاً عالميًا وعسكريًا مثل الولايات المتحدة. 

لن تنتهى الأزمة الأوكرانية وستظل محاولات الولايات المتحدة مستمرة لتقويض الدب الروسى واستنزاف قواه ومحاصرته والقضاء عليه، هذا هو المستقبل الذى تم التخطيط له من قبل مؤسسة راند منذ 3 سنوات، مؤسسة الفكر الأكثر نفوذًا فى الدولة العميقة- وبعبارة أخرى المركز السرى للسلطة الحقيقية التى تسيطر عليها الأوليجاركية الاقتصادية والمالية والعسكرية - والتى تحدد الخيارات الاستراتيجية ليس فقط فى الولايات المتحدة، ولكن فى كل العالم الغربي، االخياراتب التى حددتها الخطة ليست فى الواقع أكثر من متغيرات من نفس استراتيجية الحرب، والتى ندفع ثمنها جميعًا مقابل التضحيات والمخاطر.

اقرأ أيضأ l السيسي: أزمة كورونا والحرب الروسية أثّرت على العالم أجمع