عمرو الخياط يكتب: للشعب جيـش يحميـه

عمرو الخياط
عمرو الخياط

فى مثل هذه الأيام.. تهب علينا رياح النصر.. وذكريات الفخر والعزة.. فى هذا الشهر العظيم كانت مصر على موعد مع النصر.. وإعادة الكبرياء لشعبها.. موعد قلب الموازين.. حينما انتفض المارد المصرى معلناً تحطيم جدار اليأس والهزيمة لنصر مبين.. ليرفع المصريون رؤوسهم للسماء فخورين.. مهللين باسم المولى عز وجل.. بفرحة النصر.
كان السادس من أكتوبر ٧٣ لحظة توحد مؤسسى تاريخية.. ارتكزت على قاعدة تماسك شعبى وأسطورى هو سر هذا الشعب العظيم.. المبنى على الإرادة وخوض التحدى إيماناً بالنصر.. وهى الإرادة التى من لم يدرك قيمتها أو يعجز عن فهم صلابتها.. فهو قاصر التفكير.. ولم يطَّلع على تاريخ هذا الوطن ولم يستوعب معدن المصريين.

هزيمة ٦٧ كانت استثناًء فى تاريخ العسكرية المصرية وقتها.. حاول النظام العالمى - فى ظلم واضح -  أن يروج لقناعة زائفة بأن مصر أصبحت جثة هامدة لطمس عقول المصريين.. فى الوقت ذاته.. زاد العدو المغتصب صلفاً وغروراً وتوهم أنه قادر على فرض فصل فى تاريخ مصر.. يغير الإرادة المصرية بلهجة غير مصرية.

مصر.. التى توحدت بعد الهزيمة الاستثنائية على قلب رجل واحد.. ولا صوت يعلو فوق صوت النصر القادم.. أعادت بناء الحقيقة.. وبدأت بقلمها تسطر التاريخ الحقيقى نحو النصر.. حتى جاء يوم العبور.. الذى بقدر ما كان انتصاراً لإرادة الدولة المصرية، بقدر ما كان هزيمة لمنظومة الصلف والاستعلاء الدولى.. فصنعت مصر وقتها الصدمة المبنية على إرادة أبنائها من القوات المسلحة، المستندة على توحد شعب كامل خلفها، لتبدأ «صدام» وهى كلمة السر لانطلاق طائرات السلاح الجوى المصرى نحو أهدافها فى قلب الضفة الشرقية.. قبل العبور للنصر الذى سطرته دماء أبناء مصر الذين حطموا خط بارليف ليحولوه إلى تراب تذروه الرياح، ومعها تتحطم الأسطورة الوهمية وتعلو الكلمة المصرية.. ويُعاد كتابة التاريخ لتصبح الهزيمة استثناء.. والنصر هو الواقع الدائم للمصريين، حتى فى أشد الظروف صعوبة وقتامة.. فنحن شعب عظيم تعلم أنه ليس هناك مستحيل.. وأن قوته فى توحده، وأن أبناءه لا يستطيع أحد أن يقهرهم على مدار التاريخ.. مؤثرون فى العالم وليسوا متأثرين به، يبنون مجدهم بأيديهم ولا ينتظرون من أحد مساعدة.. إنهم المصريون بناة النهضة وقلب التاريخ.

ونحن نستعيد أيام الفخر والعزة.. نجد لزاماً علينا أن نتذكر أن الإرادة المصرية رصيد تاريخى عظيم لا يفنى ولا يُستحدث من عدم.. ومن لم يستوعب ذلك، فهو الذى قرر أن يختار بنفسه الوهم.. الذى يصيغه ليضع نفسه بداخله.. دون أن يرى الحقيقة التى دائما ما تُذهل العالم.. وتحطم من تسوِّل له نفسه أن يقترب من نسيج هذا الشعب العظيم.

لم يستكن هذا الشعب نحو هذا النصر العظيم.. بينما تصور بعض أصحاب الوهم والخداع أن النصر الذى تحقق بجيش مصر العظيم لن يتكرر مرة أخرى.. ليأتى هذا الجيش العظيم مرة أخرى ويظهر فى المشهد السياسى.. ليُعيد الأمور لنصابها فى أعقاب الفوضى التى خلفتها أحداث يناير ٢٠١١.. ليُمسك بزمام الأمور بعد أن تصور من تصور أن مصر قد سقطت.. ولكنهم تناسوا أو لم يتذكروا أن وراء هذا الشعب جيشٌ عظيم.. عقيدته الوطن.. وولاؤه لشعبه، فحافظ على البلد من السقوط.. وتوحد أبناء الوطن وراء جيشهم مرة أخرى حينما استشعروا الخطورة التى تُحاك ضد وطنهم.. لتنفجر أكبر ثورة فى تاريخ العالم.. بفعل التوحد غير المسبوق لجميع أطياف هذا الشعب.. ويسجل التاريخ سطوراً جديدة لمجد وفخر هذا الوطن.. وتأتي ٣٠ يونيو التى لم تكن نزوة شعبية، بل كانت استدعاء لمخزون الإرادة والفطرة والغريزة المصرية، التى كانت عملية شاملة لإنقاذ الوطن.. مثلما كانت حرب ٦ أكتوبر عملية شاملة لتحويل الاستثناء إلى نصر مبين.. ومن لم يدرك حقيقة ٣٠ يونيو، هو ذاته من سبق له السير فى الجنازة الوهمية للدولة المصرية عام ٦٧.. ثم عاد مرة أخرى ليتوهم من جديد أن الجنازة فى أعقاب ٢٠١٢ ، متناسين أن هناك جيشاً قوياً فى هذا البلد لا يعرف الاستسلام.. ولا يمل من الانتصار حتى فى أحلك الظروف وأصعبها.

من لم يدرك قيمة الدولة المصرية لن يرحمه التاريخ.. فى السادس من أكتوبر كانت إرادة النصر.. وفى ٣٠ يونيو كانت معركة وجودية بين الدولة واللادولة.. فى كليهما كانت الإرادة المصرية.. وقبلها كان جيش مصر العظيم.. هو القاسم المشترك فى النصر فى كليهما.

الإرادة المصرية هى العنوان الرئيسى للشعب المصرى.. رصيدها كبير فى  التاريخ.. دفع أبناؤها من حياتهم ودمائهم التى سالت حباً فى هذا الوطن، ولا تزال هذه الإرادة مستمرة فى معركة التعمير فى كل بقعة من بقاع مصر.. من ربط أرض الشرق الشاهدة على الانتصارات المصرية بغربها لتشيد الأنفاق التى تربط بين الوادى بصحراء سيناء، ليتحول الحلم الذى طال.. لحقيقة كاملة ودافعة بأن التوحد لأطياف هذا الشعب، هو القادر على حمايتها، وأن هذا البلد لن يبنى مستقبله إلا بسواعده.. ومن خلفه جيش قوى قادر على حمايته.