الملك تشارلز الثالث.. صاحب الفهم المنصف للإسلام على كرسي العرش البريطاني

الملك تشارلز وزوجته مع الإمام الأكبر فى الأزهر
الملك تشارلز وزوجته مع الإمام الأكبر فى الأزهر

تقرير يكتبهحازم عبده

بات الأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا يوم السبت الماضي- رسمياً- ملكاً خلفاً لوالدته التى رحلت يوم الخميس الثامن من سبتمبر الجارى بعد 96 عاماً من العمر منها 70 عاماً قضتها على كرسى العرش البريطاني، مسجلة فترة هى الأطول فى تاريخ تلك العائلة الحاكمة.

 تولت الملكة إليزابيث الثانية عرش بريطانيا عام 1952، وكان رئيس الوزراء البريطانى آنذاك هو ونستون تشرشل، وشهدت فترة حكمها تكليف نحو 16 رئيسا لوزراء بريطانيا، كان آخرها ليز تراس، رئيسة وزراء بريطانيا الحالية، والتى تولت منصبها يوم الإثنين 5 سبتمبر الجاري.

 

اتسم الأمير «الملك» تشارلز فيليب آرثر جورج،  المولود فى 14 نوفمبر عام 1948، وحين بلغ الثالثة من عمره، توفى جده الملك جورج السادس، وتوجت والدته الملكة إليزابيث الثانية فى عام 1952، وأصبح ولياً للعهد. اتسم بمواقفه المنفتحة  المدافعة عن الدين الإسلامى ومبادئه وتعاليمه، فالإسلام هو الديانة الثانية فى بريطانيا بعد المسيحية، حيث يقدر عدد المسلمين هناك بنحو 5 ملايين مسلم، وقد أصر دوماً على مواقفه الطيبة تجاه الإسلام والمسلمين، وسجل العديد من الشهادات المنصفة للدين الحنيف فى محاضراته ولقاءاته

وجاءت إحدى أهم شهادات الأمير تشارلز المنصفة للإسلام فى محاضرة بمركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية العام 1993، حملت عنوان: «الإسلام والغرب»، وأكد فيها «أن الإسلام يمكن أن يعلمنا طريقةً للتفاهم والعيش فى العالم، فالإسلام يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، والدين والعلم، والعقل والمادة».

الإسلام والبيئة

وفى  محاضرة أخرى حملت عنوان: «الإسلام والبيئة» ألقاها فى جامعة أكسفورد البريطانية، دعا إلى اتباع مبادئ الإسلام الروحانية من أجل حماية البيئة، وقال: «إن العالم يواجه العديد من المشاكل ذات الصلة بالبيئة والتغير المناخي، وإن الحل لهذه المشاكل هو ما يدعو إليه الإسلام ومبادئه»، موضحا أن النظرة العامة والتوجهات تجاه هذه المشاكل تعمل على عكس التعاليم الدينية لكل فرد فى العالم وفى مقدمتها تعاليم الإسلام.

وفى أكثر من مناسبة، دعا تشارلز إلى ضرورة تعزيز الفهم الصحيح للإسلام، الذى يعانى حالياً الكثير من التشويه فى الغرب، كما أعلن رغبته فى تعلم اللغة العربية، من أجل إجراء دراسة عميقة عن الإسلام والقرآن الكريم.

وفى 1994، أصبح الأمير تشارلز الحاكم الأعلى للكنيسة فى إنجلترا، فألقى خطاباً، شدد فيه على أهمية العلاقة بين الإسلام والغرب، وطالب بأن تتغلب أوروبا على انحيازها ضد الإسلام وعاداته وقوانينه، ودافع عن الدين الإسلامى باعتباره دينا سماويا، وقال: «إن التطرف ليس من الدين الإسلامى فى شيء، فالتطرف لا يرتبط بالإسلام أكثر من ارتباطه بالديانات الأخرى، ومن بينها المسيحية».

ومن مآثره كلمته التى ألقاها عام 2010 بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيس مركز الدراسات الإسلامية فى جامعة أكسفورد والذى يعود الفضل فى إنشائه إلى العاهل السعودى الراحل خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز،  وكشفت المحاضرة عن معرفة عميقة للملك تشارلز عن جوهر الإسلام جعلته منصفاً فى موقفه من الإسلام.

فقال الملك تشارلز فى تلك المحاضرة «جهودنا فى العالم الصناعى اليوم لا تنبثق حتماً من حبنا للبحث عن الحكمة، ولكنها تتركز فى الرغبة للحصول على أكبر عائد مادى وهذه الحقيقة تتجاهل تعاليم روحية مثل تعاليم الإسلام الذى يؤكد على أن الجانب الحيوانى من حاجتنا كبشر لا يشكل حقيقة ما نحن عليه، ومما أعرفه عن القرآن أنه يصف مراراً وتكراراً العالم الطبيعى على أنه صناعة أنتجتها قوة توحيدية راعية، والقرآن يقدم رؤية تكاملية للكون تشمل الدين والعلم والعقل والمادة جميعاً».

القضية الفلسطينية والحرب على العراق

ومن مواقف وأفكار الملك تشارلز الثالث تجاه الإسلام ما رصده الكاتب البريطانى روبرت جوبسون فى كتابه «تشارلز فى السبعين.. الأفكار، الآمال، الأحلام» (Charles at Seventy- Thoughts, Hopes & Dreams)، ومن ضمنها حرب العراق، والقضية الفلسطينية، ونظرته للإسلام والمسلمين.

معارضة الحرب ضد العراق

  كان  الملك تشارلز معارضاً شرساً لمشاركة بلاده فى الحرب على العراق.

واعتبر تشارلز أن الرئيس الأميركى جورج بوش «يفتقد إلى الذكاء»، وأنه لا يرى أى أدلة كافية تبرر غزو العراق.

ويصف جوبسون فى كتابه اللقاءات الأسبوعية التى كانت تجمع رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير بالملكة، للحديث عن التحضير لحرب العراق، بـ«ساحة معركة حقيقية بين الأمير تشارلز وتونى بلير»، وينقل الكتاب عن مقربين من الأمير أنه «كان بدون شك يعبّر بقوة عن اعتراضه على الحرب».

الحل العادل للقضية الفلسطينية 

ينقل كتاب «تشارلز فى السبعين» عن عدد من أصدقاء تشارلز المقربين أنه ردد أكثر من مرة «تخلصوا من السم، حينها سوف تتخلصون من السبب الرئيس لكل هذا الإرهاب المحيط بنا». ويرى الكاتب أن الفكرة الأساسية لتشارلز تقوم على أن حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية سيؤدى إلى تغيير حقيقى فى الوضع فى الشرق الأوسط.

وحسب نفس المصدر، فإن الملك تشارلز يرى أن «الصراع الإسرائيلى الفلسطينى هو السبب الأساسى للعداء وللسموم المكبوتة فى جميع أنحاء العالم».

وبحسب الكتاب فإن الملك تشارلز أبدى اهتماماً كبيراً بالتعرف على الإسلام والتعمق فى حضارته. وحسب الكاتب جوبسون، فإن تشارلز «شغوف بالإسلام، وقد سبق أن قرأ القرآن، ودرس اللغة العربية»، وكان يتعمد أن يوقع الرسائل التى كان يوجهها للزعماء العرب باللغة العربية.

 وقد رفض الملك تشارلز قرار فرنسا بحظر النقاب فى الفضاء العالم، ورأى أن الأمر يتناقض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.

 كما أشاد الملك تشارلز حين كان ولياً للعهد بتضحيات العاملين المسلمين فى القطاع الصحي، فى أبلغ رد على اتهام اليمين المتشدد للمسلمين فى ذلك الوقت فى رمضان 2020، بنشر كورونا.

و قال «إنه يهنئ مسلمى بريطانيا ودول «الكومنولث» بمناسبة حلول شهر رمضان الذى يحل هذا العام وسط تفشى الوباء، وفى ظل قيود صارمة على التنقل وإقامة الشعائر».  

 وأضاف أن مسلمين بريطانيين كثيرين سيقضون هذا الشهر وهم يرابطون فى الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء فى المستشفيات، أو بصدد القيام بمهمات أخرى ضرورية، كما أكد أيضا أنه يعلم بأن عددا من الموظفين وذوى الخبرة فى قطاع الصحة، سواء من الأطباء والممرضين المسلمين، فقدوا حياتهم فى المعركة ضد الفيروس.

لقاء الرئيس السيسى والملك تشارلز عام 2021 فى الاتحادية 

حرص الأمير «الملك» تشارلز فى أول زيارة له لمصر، بعد غياب لمدة 15 عاماً  فى نوفمبر عام 2021، على لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى للاستماع لرؤيته حول التعاون بين البلدين والقضايا المشتركة.

واستقبل الرئيس السيسى وقرينته السيدة انتصار السيسي، الملك تشارلز وزوجته دوقة كورنوول، كاميلا، فى قصر الاتحادية الرئاسي.

وأعرب الرئيس السيسى عن تطلعه «لأن تمثل هذه الزيارة محطة جديدة داعمة للعلاقات التاريخية بين البلدين، آخذاً فى الاعتبار ما تمثله دوماً الزيارات الملكية البريطانية من علامات بارزة تظل ماثلة فى الذاكرة السياسية والشعبية لكلٍ من مصر وبريطانيا».

وعبر تشارلز عن سعادته بزيارته لمصر مجددًا، وحرصه على زيارتها فى إطار الجولة الرسمية الأولى له خارج البلاد بالإنابة عن الملكة منذ بدء جائحة كورونا.

3 زيارات للملك تشارلز للأزهر الشريف

زار الملك تشارلز الأزهر الشريف فى مارس 1995، والتقى فضيلة الإمام الأكبر الأسبق الشيخ جاد الحق على جاد الحق الذى أهداه نسخة مترجمة بالإنجليزية لمعانى القرآن الكريم، وفى ذات الزيارة التقى بمفتى الديار الأسبق وقتها الدكتور محمد سيد طنطاوي، وأهداه نسخة من التفسير الوسيط للقرآن الكريم.

وزار تشارلز الأزهر عام 2006 فى عهد الإمام الأكبر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى ووقتها كان شيخ الأزهر الحالى الدكتور أحمد الطيب رئيساً لجامعة الأزهر، وألقى تشارلز محاضرة فى قاعة الإمام محمد عبده وتم منحه درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة الأزهر، كما قام فى نوفمبر 2021 بزيارة ثانية للأزهر الشريف التقى خلالها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب الذى قال فى تدوينه له  «سعدت بلقاء الأمير تشارلز بالجامع الأزهر ووجدت فيه قائداً يتحلى بالحكمة والمسؤولية وصوتاً غربياً منصفاً فى حديثه عن الإسلام والمسلمين».

العمارة الإسلامية  طريق تشارلز لمعرفة  الإسلام 

كان ملفتاً هذا الاهتمام من الملك تشارلز منذ أن كان ولياً للعهد بمعرفة الإسلام وقد كشف عن سر هذا الاهتمام فى جوابه على سؤال وجهه له مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور مصطفى الفقى عام 2006 خلال حضوره افتتاح الجامعة البريطانية فى مصر والتى كان الدكتور الفقى الرئيس المؤسس لها فى سنواتها الأول، ويومها سأله الأمير فى حضور قرينته كاميلا عن سبب اهتمامه المتزايد بالإسلام ديناً وثقافة فقال له: «إن الأمر بدأ من خلال اهتمامه بالعمارة الإٍسلامية وشغفه الشديد بالمآذن والقباب وروعة القصور الإسلامية فضلاً عن البهاء الذى يحيط بالمساجد فى العالم الإٍسلامى وخارجه»، ودار الحديث بينهما يومها حول الطرزات المختلفة فى العمارة الغربية والشرقية على السواء، وكيف أن العمارة الإسلامية تحديداً تملك ملامح معينة تركت تأثيرها فى مناطق كثيرة من العالم، لعل أبرزها جنوب إسبانيا؛ حيث الطراز الأندلسى الإسلامى لا يزال مؤثراً حتى اليوم.