الطيب: التقدم العلمي والتطور التقني لم يعد قادرا على وقف التدهور الخلقي

الإمام الأكبر
الإمام الأكبر

- فلاسفة «التنوير» خسروا رهانهم حين أكدوا أن التقدم العلمي والتقني كفيل بأن يجعل السلام العالمي يسير في ركاب التحضر

- الخطر الداهم الآن لا يأتي من اختلاف الأديان، بقدر ما يأتي من «الإلحاد»

- إدماج الأديان في دين واحد هي فكرة مدمرة للأديان وهو خيال عبثي لا يقول به عاقل ولا يقبله مؤمن أيا كان دينه

قال فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الأربعاء، إن التقدم العلمى والفلسفى، والتطور التقنى والاجتماعى، الذى هو عنوان حضارة اليوم، لم يعد مؤهلا ولا قادرا على وقف التدهور الخلقى والإنسانى، مشيرا إلى أن فلاسفة «التنوير» قد خسروا رهانهم حين أكدوا على أن هذا التقدم العلمى والتقنى كفيل بأن يجعل السلام العالمى يسير فى ركاب التحضر رأسا برأس وقدما بقدم.

جاء ذلك فى كلمة الإمام خلال افتتاح أعمال المؤتمر السابع لزعماء الأديان العالمية والتقليدية، تحت عنوان "دور قادة الأديان العالمية والتقليدية فى التنمية الروحية والاجتماعية للبشرية فى فترة ما بعد وباء كوفيد-19"، بحضور الرئيس الكازاخى وعدد كبير من قيادات الأديان على مستوى العالم.

وأشار الإمام الأكبر إلى أنه مع اعترافنا بأن الحضارة الغربية قد حققت للإنسانية فى القرنين الماضيين قفزات واسعة، وإنجازات عملية هائلة فى مجالات العلم والصناعة والطب والتعليم والفن والثقافة وثورة المواصلات والاتصالات وعلوم الفضاء وغير ذلك، إلا أن اضمحلال الجانب الروحى، وغياب البعد الخلقى من مسيرة الإنسان المعاصر، وسخريته من رسالات السماء عن عمد وسبق إصرار، قد فرغ هذه الحضارة من أية قيمة حقيقية تذكر لها.

ونوه شيخ الأزهر بأن علماء الأديان يقع على عاتقهم دور محورى فى التصدى لهذا السقوط الحضارى، يتمثل فى إحياء رسالات السماء، وتعليم ما تزخر به هذه الرسالات من أخلاق وفضائل، لإصلاح مسيرة الناس، وبعث الروح فى جسدها الميت، وذلك على الرغم من وجود عوائق كبرى، لا يستهان بها، قد تحول دون القيام بهذا الدور على النحو الصحيح، وأولها غياب «الانفتاح» أو الحوار الحقيقى المتبادل بين علماء الأديان أنفسهم، وصنع «سلام» دائم بينهم أولا قبل مطالبة الناس بصنعه فيما بينهم، إذ فاقد الشيء لا يعطيه كما يقول المثل الحكيم.

وشدد الإمام الأكبر على أن السلام بين الشعوب هو فرع عن السلام بين الأديان، وأن «الأخوة الدينية» هى باعثة «الأخوة الإنسانية العالمية» وصانعتها، لافتا إلى أن البداية الصحيحة هى بعث هذه الأخوة بين علماء الأديان ورجالها؛ بحسبانهم أقدر الناس على تشخيص العلل والأمراض الخلقية والاجتماعية وكيفية علاج الأديان لها، مطالبا بأن نكون على يقين من أن الخطر الداهم الآن لا يأتى من اختلاف الأديان، بقدر ما يأتى من «الإلحاد»، وما يتولد عنه من فلسفات تقدس «المادة» وتتعبد بأدرانها، وتستهين بالأديان وتعدها هزوا ولعبا.

وبين الإمام الأكبر أنه حين يدعو إلى أولية صنع السلام بين علماء الأديان ورموزها الأخوة الإنسانية؛ فإنه لا يعنى مطلقا الدعوة إلى إدماج الأديان فى دين واحد، فمثل هذا النداء لا يقول به عاقل ولا يقبله مؤمن أيا كان دينه، فهى فكرة مدمرة للأديان، ومجتثة لها من الجذور، وهى فى أفضل أوصافها خيال عبثى غير قابل للتصور، فضلا عن التحقق، فقد قضى الله أن يجعل لكل شرعة ومنهاجا!! وما اقصده هو الدعوة إلى العمل الجاد من أجل تعزيز المشترك الإنسانى بين الأديان وبعث قيم التعارف والاحترام المتبادل بين الناس، لافتا إلى أن ما يقصده فى هذا الأمر هو الدعوة إلى العمل الجاد من أجل تعزيز المشترك الإنسانى بين الأديان وبعث قيم التعارف والاحترام المتبادل بين الناس.

ودعا شيخ الأزهر لانعقاد لقاء خاص برموز الأديان يتدارسون فيه، بصراحة ووضوح تامين: ماذا عليهم وماذا على غيرهم من القادة والسياسيين وكبار الاقتصاديين، من الواجبات والمسؤوليات حيال الكوارث الاخلاقية والطبيعية، والتى باتت تهدد مستقبل البشرية بأكملها، موضحا أن انعقاد هذا اللقاء بين قادة الأديان المختلفة فى الغرب والشرق، لن يكون بالأمر الصعب أو المستحيل، حيث حدث من قبل فى لقاء وثيقة الأخوة الإنسانية بين فضيلته وقداسة البابا فرنسيس.