ملف| لافتة «إزالة» تعيد عميد الأدب العربي الحياة | رُشِّحَ طه حسين لجائزة نوبل للآداب 14 مرة.. ولم يفز بها

عميد الأدب العربي طه حسين
عميد الأدب العربي طه حسين

يعد الدكتور طه حسين من أعمدة الفكر والثقافة المصرية والعربية، ومرجعا مهما فى الأدب العربي، وقد كرِّس طه حسين معظم مؤلفاته وأعمالَه الأدبية والفكرية للتحرُّر والانفتاح الثقافي، مع الاعتزاز بالموروثات الحضارية القيِّمة؛ عربيةً ومصريةً. وبطبيعة الحال، اصطدمت تجديديةُ أطروحاته وحداثيتُها ببعضِ الأفكار السائدة، فحصدت كبرى مُؤلَّفاته النصيبَ الأكبر من الهجوم الذي وصل إلى حدِّ رفع الدعاوى القضائية ضده. وعلى الرغم من ذلك، يبقى في الذاكرة: «في الأدب الجاهلي»، و«مستقبل الثقافة في مصر»، والعديد من عيون الكتب والروايات، فضلًا عن رائعته «الأيام» التي روى فيها سيرته الذاتية.
وامتلَكَ عميد الأدب العربي بَصِيرةً نافذة وإنْ حُرِم البصر، وقاد مشروعًا فكريًّا شاملًا، استحقَّ به لقبَ «عميد الأدب العربي»، وتحمَّل في سبيله النقد والمُصادَرة.
تزوّج طه حسين من السيّدة "سوزان بريسو" وهي فتاة فرنسية تنتمي إلى الديانة المسيحية، رُشِّحَ طه حسين لجائزة نوبل للآداب 14 مرة بين عامي 1959 و1964؛ إلا أنّه لم يحظَ بهذه الجائزة أبدًا، دُفِن طه حسين بعد وفاته بثلاثة أيام. وتحديدًا في 31 أكتوبر 1973. وأُرجِعَت الأسباب في تأخير الدفن إلى صعوبة وصول ابنته "أمنية" من الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصر والعمل على تنظيم وترتيب جنازة كبيرة تَفي حق عميد الأدب العربي "طه حسين".
و كان السبب فى فقد طه حسين بصره هو الجهل، حيث كان يعيش في أسرة بسيطة وأصيب في السادسة من عمره بمرض الرمد الصديدى في عينيه وعُولج عند حلاق القرية الأمر الذى جعله يعيش طوال حياته كفيفا، وعقب فقد طه حسين بصره تبدلت حياته فهذا الأمر حرمه من اللعب مع أصدقائه ممن هم في عمره وكذلك بدأ يستحى من الجلوس على الطعام ليأكل مع إخوته.
ورغم أن هذا الأمر كان قاسيا على طه حسين إلا أنه جلب إليه منحا كثيرة فقد تعلّم القرآن الكريم وحفظه وشغف إلى الاستماع إلى القصص وشاعر الربابة الذى يحكى السير الشعبية وبعد أن أتّم حفظ القرآن قرر أبوه أن يلتحق بالأزهر ليصبح شيخا حقيقيا مثل هؤلاء الذين يسمع عنهم ويراهم.
وبعد أن فرح طه حسين بالتحاقه بالأزهر لم يمهله القدر ليكمل فرحته فأخوه الذى كان سيرافقه في رحلته للدراسة الأزهرية أصابه مرض الكوليرا وقضى عليه وبقى على طه حسين أن يستكمل هذه الرحلة بمفرده.
وكانت حياة طه حسين شاقة بما يعانيه من فقد بصره ولم يؤنسه في رحلته غير أنه تعّلق بأبى العلاء المعّرى الذى تمنى أن يكون مثله فأقبل على دراسته ومعرفة أسرار حياته. 
يقول طه حسين عن المعرى في كتابه الأيام: «رحم الله أبا العلاء لقد ملأ نفس الفتى ضيقا بالحياة وبغضا لها وأيأسه من الخير وألقى في روعه أن الحياة جهد كلها ومشقة كلها وعناء كلها.
ورحل طه حسين عن دُنيانا في أكتوبر ١٩٧٣م عن عمرٍ ناهَزَ ٨٤ عامًا، قضاها معلِّمًا ومؤلِّفًا وصانعًا من صنَّاع النور
وحاز عميد الأدب العربي على العديد من الجوائز والتكريمات، حيث اضطلع طه حسين خلال تلك الحقبة، وفي السنوات التي أعقبتها بمسؤوليات مختلفة، وحاز مناصب وجوائز شتى، منها تمثيلة مصر في مؤتمر الحضارة المسيحية الإسلامية في مدينة فلورنسا بإيطاليا عام 1960، وانتخابه عضوا في المجلس الهندي المصري الثقافي، والإشراف على معهد الدراسات العربية العليا، واختياره عضوًا محكمًا في الهيئة الأدبية الطليانية والسويسرية؛ وهي هيئة عالمية على غرار الهيئة السويدية التي تمنح جائزة بوزان. ولقد رشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل، وفي عام 1964 منحته جامعة الجزائر الدكتوراه الفخرية، ومثلها فعلت جامعة بالرمو بصقلية الإيطالية، عام 1965.

وفي السنة نفسها ظفر طه حسين بقلادة النيل، إضافة إلى رئاسة مجمع اللغة العربية، وفي عام 1968 منحته جامعة مدريد شهادة الدكتوراه الفخرية، وفي عام 1971 رأس مجلس اتحاد المجامع اللغوية في العالم العربي، ورشح من جديد لنيل جائزة نوبل، وأقامت منظمة اليونسكو الدولية في اورغواي حفلاً تكريمياً أدبياً قل نظيره. وشغل طه حسين أيضا منصب وزير التربية والتعليم في مصر، وفي عام 1973 حاز على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

حكاية جائزة نوبل ..وطه حسين 

يعد طه حسين عميد الأدب العربي، ورائد حركة التنوير، وأحد أبرز من أثروا في الحركة الأدبية الحديثة في مصر وإفريقيا، وصاحب البصمة الكبرى في الثقافة العربية، وأحد أبرز أعلام التنوير في الفكر المصري والعربي، والذي استطاع أن يتحدى إعاقته البصرية ليحدث ضجة في مجال الأدب العربي.
ورغم الشهرة الكبيرة التي حققها طه حسين باعتباره رائد من رواد التنوير في الثقافة العربية، وأفريقيا، وأبرز من أثروا في تلك الثقافة، بكتاباته وأعماله الأدبية، إلا أن إعلان القائمون على جائزة نوبل بالكشف عن أسماء المرشحون للجائزة بعد مرور 50 عاما من سنة الترشح حمل مفاجأت عديدة تجاه عميد الأدب العربي، والذي وجد أنه تم ترشيحه لتلك الجائزة 14 مرة، الجائزة التي رحل عميد الأدب العربي دون أن يحصل عليها، وجد اسمه بين كشوف المرشحون لها 14 مرة، وهو ما فسر حالة الجدل المستمرة تجاه تلك الجائزة، خاصة في السلام والأدب، وظهر العديد من الأدباء الذين أمهلهم العمر للفوز بها، ومنهم من لم يمهله العمر للفوز بتلك الجائزة رغم أنه رشح لها عشرات المرات من بينهم طه حسين.
كان الترشح الأول لـعميد الأدب العربي طه حسين لجائزة نوبل كان عام 1949 ، من الدكتور أحمد لطفي السيد، عقب أزمة طه حسين وتخليه عن عمادة كلية الأداب بعد رفضه منح الدكتوراه الفخرية لعدد من أصحاب المواقف السياسية المثيرة للجدل، وهو العالم الذي قررت فيه اللجنة المسئولة عن الجائزة تأجيل الجائزة عام كامل لعدم توافر الشروط المطلوبة في أي من المرشحين، ثم أُعلن فوز الروائي الأميركي ويليام فوكنر بالجائزة لاحقًا.
كما أكد الدكتور محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر السابق، فإن الدكتور طه حسين كان أقرب المرشحين للفوز في تلك السنة، لكن يبدو أن اللجنة كانت تحاول تقديم الجائزة لفوكنر، فاضطرت لتأجيلها لعام آخر حتى يتم ترشيحه ومن ثم إعلان فوزه، أو أنها رفضت فوز طه حسين نفسه بعد علمها أو توقعها فوزه بالتصويت من قائمة المرشحين، بجانب أن هذا العام كان العام التالي لقيام دولة إسرائيل وشنها حربًا على الدول العربية قبل ذلك بعام واحد 1948، واحتياجها لطمس الهوية العربية في العالم وعدم ذكرها.
وفي العام التالي 1950، رشح البروفيسور الفرنسي برنارد جويان الدكتور طه حسين للفوز بالجائزة، وعمل الفرنسي كأستاذ للأدب الفرنسي في جامعة مارسيليا، وكان أحد المهتمين بالمنجز العلمي لطه حسين خاصة رسالتي طه حسين عن أبي العلاء المعري وابن خلدون، واعتبر أن طه حسين صاحب تأثير كبير في فهم الثقافة العربية التاريخية، لكن الفوز هذه المرة كان لصالح الفيلسوف الإنجليزي برتراند.
وفي المرة الثالثة تم ترشيح طه حسين عام 1951 لجائزة نوبل عن طريق أساتذة جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) التي كان لها حق الترشيح هذا العام، وخسر طه حسين الجائزة أمام المرشح السويدي بار لاغركفيست الذي ساعدته جنسيته السويدية كثيرًا لحسم مسألة فوزه، خاصة أن أعماله لم تترجم لأي لغة قبل فوزه بجائزة نوبل، وهو أمر كان مثار عجب كثيرين وقت إعلان فوزه.
وفي عام 1952 كان طه حسين على موعد لترشيح رابع من قبل المستشرق السويدي كارل زترستين الذي ترجم القرآن للسويدية، وكان له اهتمام كبير بتاريخ الفلسفة الإسلامية، وكان يقدر أعمال طه حسين كثيرا في هذا الجانب، لكنه تم حسم الجائزة لصالح الفرنسي فرنسوا مورياك، والذي كان وقتها مسار سخرية كبيرة، لكونه لم يكن من أعلام الأدب أو الفلسفة في وقته، ولم يكن له من إنجاز حقيقي يذكر.

توقف الترشح لـ طه حسين للحصول على جائزة نوبل لمدة 8 سنوات، حتى تم ترشيحه للمرة الخامسة عام 1961 من قبل السويدي جديد هو هيدبرج، وهو الشخص ذاته الذي رشح طه حسين مرتين أخريين أعوام 1961 و1962، إلا أنه في عام 1961 كانت المرة الاولى التي يحوز فيها طه حسين على ثلاث ترشيحات في عام واحد من قبل السويدي هيدبرج الذي رشحه في العام السابق، ومحمد خلف الله، أستاذ اللغة العربية بجامعة الإسكندرية، وهنريك صاموئيل نايبرج، الأكاديمي السويدي أحد أعضاء أكاديمية العلوم الملكية السويدية المسئولة عن اختيار الجائزة، إلا أنه ورغم تلك الترشيحات وارتفاه حظوظه لم يفز بالجائزة في هذا العام وذهبت للصربي إيفوأندريتش الذي تخلى عن جنسيته البوسنية لصالح الصربية إبان الحرب بين الدولتين.
وفي عام 1963 على يد المستشرق الفرنسي شارل بلا الذي كان واحدًا من المهتمين بالفلسفة الإسلامية، وخاصة الجاحظ، وكتب عنه عدة مؤلفات، وكان متقنًا للغة العربية، وعيِن أستاذًا للدراسات الشرقية في جامعة باريس، وكان هذا الترشيح الحادي عشر لـ طه حين، لكن الجائزة كانت من نصيب الشاعر اليوناني الشهير جيورجيوس سفريادس الذي عرف باسمه المستعار جيورجوس سفريس.
وفي عام 1963 من جديد للفوز بجائزة نوبل للأدب، والذي تم ترشيحه على يد البروفيسور السويسري سيزار دوبلير، أستاذ اللغات الشرقية بجامعة زيورخ السويسرية، والمستشرق الفرنسي ريجي بلاشير الذي ترجم القرآن للفرنسية وكانت له اهتمامات واسعة بالفلسفة والشعر الإسلامي، لكن الجائزة فاز بها الفرنسي جون بول سارتر الذي رفض استلامها وقال، إنه يرفض أن يتحول لمؤسسه وإن الجائزة قد تعيقه عن استكمال عمله.
والترشح الرابع عشر والأخير لعميد الأدب العربي للفوز بجائزة نوبل كان عام 1964 كان الترشح الأخير لطه حسين، كان على يد المستشرق الفرنسي شارل بلا للمرة الثانية، لكن الجائزة فاز بها السوفيتي ميخائيل شولوخوف الذي واجهته كثير من الصعوبات والجدل، خاصة حقيقة كتابته لروايته الشهيرة «الدون الهادئ» التي صاحبها الجدل حتى بعد وفاته بسبب ادعاء الكثيرين ملكيتهم الأصلية للنص لكن العديد من الدراسات والأبحاث زعمت بعد ذلك أنه من كتب الرواية بمقارنة باقي رواياته وأسلوبه، معها.
اقرأ أيضا | ملف| لافتة «إزالة» تعيد عميد الأدب العربي الحياة | الرئيس السيسي يأمر بعدم المساس