بسبب الغيرة القاتلة.. طفلة تقتل شقيقتها الصغرى لتفوقها في الدراسة

الضحية
الضحية

عويس الطحاوي

 عندما عادت الأم من زيارتها للطبيب، وجدت ابنتها الصغيرة «ريتاج» غارقة في دمائها، وفي جسدها عدة طعنات غائرة، الأمر كان أشبه بساحة حرب دخلتها الصغيرة وخرجت منها مهزومة، وهزيمتها كانت قاسية، دماء في كل ناحية، وطعنات شقت جسدها شقًا. كارثة حلت بالبيت الهادئ بساكنيه، واليوم صراخ وعويل، دموع وحسرات. لكن لم تكن وحدها الجريمة هي الغريبة، ولم تكن حتى الطريقة التي تمت بها هي الأغرب، بل الأكثر بشاعة وغرابة عندما تعرف من القاتل؟!، تفاصيل تلك الواقعة البشعة التي شهدتها إحدى قرى مركز الواسطى بمحافظة بني سويف ترويها السطور التالية.

في قرية أبويط، تلك القرية البسيطة، كانت هناك أسرة صغيرة مكونة من رجل وزوجته وثلاثة أبناء، الأب يعمل في المنطقة الصناعية شرق بني سويف، وزوجته تعمل أخصائية اجتماعية في إحدى مدارس القرية، والأبناء الثلاثة هم: «سما» صاحبة الـ ١٥ عامًا، و»ريتاج» صاحبة الـ ٩ سنوات، وأصغرهم «عبد الرحمن» ابن أربع سنوات. 

هذه الأسرة الصغيرة كانت تهتم بالتعليم، وكان رب الأسرة وزوجته أكثر ما يهمهما رعاية الأطفال، لذلك كان يعتنيان بهما في مذاكرة دروسهم، إلى جانب حثهم على حفظ القرآن ودراسة علومه. لكن على كل هذا الاهتمام، كانت الفتاة الكبيرة، سما، أول فرحة البيت، لا تهتم بالتعليم ولا تهتم بحفظ القرآن، على عكس شقيقتها الصغرى، التي كانت دؤوبة تهتم بدروسها وتحرص دائما على حفظ القرآن، واستطاعت وهي في هذا السن الصغيرة أن تنتهي من حفظ عشرة أجزاء كاملة من كتاب الله، ودخلت مؤخرًا في مسابقة استطاعت أن تجتازها وتحصل على المركز الأول، مما جعل لها مكانة خاصة في قلب أبيها وأمها، وهذه المكانة الخاصة كانت سببًا في كارثة حلت بهذا البيت.

الغيرة القاتلة

الدلال كله كان لـ «ريتاج» دونًا عن شقيقتها الكبرى «سما»، طلباتها مجابة، وكلمتها مسموعة، ولطف المعاملة وحسن الحديث كان للصغيرة، أما «سما» فكانوا كثيرًا ما يتجاهلونها، لا يعتبرون لها كلمة، ولا يلقون لها بالا، وكانوا كثيرًا - وغايتهم في هذا تقويمها - ما يقارنوها بشقيقتها الصغرى، ويقولون لها أنها أفضل منها، وأنها أذكى منها، خصوصا بعد أن استطاعت الصغيرة أن تحفظ عشرة أجزاء من كتاب الله في حين «سما» لم تكن تحفظ حتى نصفهم.

كان غرض الأب وزوجته من هذه التصرفات أن يجعلا الكبيرة تشعر بالغيرة، تجتهد على غرار شقيقتها، تهتم بدروسها، وتهتم بحفظ كتاب الله، لكن «سما» كانت تنظر للأمر بشكل مختلف، كانت الشقيقة ترى فيما يفعله والداها أنه تميزًا وعنصرية، وأنهما - أي الوالدين - يحبان «ريتاج» عنها، وأنهما لا يحبونها. وهذه الأفكار التي اجتاحت عقل الصغيرة اختمرت حتى بات في ذهنها أنها مكروهة في البيت، وأن كل الحب والدلال لشقيقتها دونها، لذلك عملت النفس الأمارة بالسوء أعمالها في داخل «سما» حتى أعمت الغيرة عينيها وصارت تكرهها ولا تتحدث أو تتعامل معها، وكثيرًا ما كانت تهم بضربها.

هذه التصرفات التي كانت تصدر من «سما» وجدت نتيجتها تأديبًا من قبل أبويها، وكلما عوقبت على تصرفاتها هذه كلما غُل قلبها وأصابها الحقد أكثر وأكثر ناحية شقيقتها. حتى رأت أن هذه الأمور ستنتهي فور أن تتخلص من شقيقتها، وأن قتلها بمثابة الخروج من دائرة تلك المعاملة السيئة التي فرضها عليها والداها، وهو ما كان.

قابيل وهابيل

عرفنا من قصة قابيل وهابيل كيف كانت الغيرة سببًا في القتل، وكيف أنها تعمي القلوب، وهو ما حدث مع «سما» عندما تملكت الغيرة منها، وأخذت تتحسس الفرصة التي فيها تتخلص من شقيقتها الصغرى. هذه الفرصة كانت في هذا اليوم المشؤوم.

خرج في الصباح الزوج على عمله كعادته، وأيقظت الأم أولادها الثلاثة وأعدت لهم طعام الإفطار، وجلست معهم حتى الظهيرة، وبعد أن انتهت من أعمال البيت والمطبخ وتحضير الطعام، قالت لابنتها الكبيرة «سما» أنها ستذهب للطبيب، ونصحتها أن تعتني بإخوتها، وأن والدها في طريقه للعودة، وأنها لن تتأخر عنهم.

خرجت الأم من هنا، ودخلت «سما» المطبخ من هنا، ليس لكي تحضر لإخواتها الطعام، بل لتأتي بـ «السكين»، أخذته وخرجت من المطبخ بينما كان «عبد الرحمن» شقيقها الصغير يلعب في الصالة، لكنها لم تنظر إليه، أو بالأحرى، لم تكن القاتلة الصغيرة تعرف أنه يراها. ودخلت وفي يدها السكين على شقيقتها «ريتاج» في غرفتها بينما كانت نائمة، وطعنتها أكثر من ٤ طعنات في صدرها وأنحاء متفرقة من جسدها، طعنات جعلت الصغيرة ترحل دون أي مقاومة منها، تنزف دمًا دون أن تصرخ، ربما يعود ذلك لصدمتها في شقيقتها التي قتلتها، تلك الصدمة التي كانت أكبر بكثير من أي وجع تصرخ منه. ورحلت المسكينة في صمت حتى دون أن تصرخ، وكيف تصرخ وقاتلتها شقيقتها الكبرى.

بعد ساعة أو أكثر عادت الأم، ووجدت ابنتها الصغيرة «ريتاج» وهي غارقة في دمائها، وروحها قد صعدت لبارئها، فأطلقت الصرخات تلو الصرخات وشقت حزنًا عليها الثياب، فهب الجيران على صوتها لنجدتها، أخذتها أمها ومعها من تطوع من الجيران بالذهاب معها إلى مستشفى الواسطى. وهناك أبلغها الطبيب أن ابنتها «ريتاج» قد فارقت الحياة.

اعتراف

كان عم الطفلة ممن كانوا مع الجيران وقت أن دخلوا على الأم وهي تصرخ، وعندما رأى ابنة أخيه على هذا الوضع وذهب بها إلى المستشفى وأبلغوه هناك أن الطفلة توفيت، خرج على الفور إلى قسم الشرطة، وقدم بلاغا للعقيد حسام لؤى مأمور مركز الواسطى بالجريمة، على الفور انتقل العقيد احمد البدوى مفتش مباحث مركز الواسطى يرافقه الرائد محمد محروس رئيس مباحث المركز ومعاونوه النقباء محمد الجبالى وشريف عبد المعبود إلى مستشفى الواسطى  لمناظرة جثمان المجنى عليها، وتبين لهم أن بالجثة عدة طعنات متفرقة، عليه تم إخطار اللواء منصور الدغيدى مدير إدارة البحث الجنائى بالمديرية، وعرض الإخطار على اللواء أسامة حلمى مساعد وزير الداخلية لأمن بنى سويف، الذي بدوره أمر بتشكيل فريق من ضباط المباحث تحت إشراف العميد محسن شريط رئيس المباحث الجنائية بالمديرية، وانتقلوا إلى منزل المجنى عليها.

انتشر ضباط المباحث فى أرجاء القرية للتحرى والفحص عن سبب الطعنات التي تعرضت لها الطفلة وأودت بحياتها، وبمناقشة الأم قالت؛ إنها تركت أولادها الثلاثة بالمنزل وذهبت إلى عيادة طبيب بالقرية لإعادة الكشف الطبى، متيقنة أن والدهم في طريقه للعودة إلى المنزل، لكنه تأخر في شغله هذا اليوم وعندما عادت وجدت ابنتها غارقة فى دمائها، فأسرعت بها الى المستشفى لإنقاذ حياتها، ولم تعرف من الذي أودى بحياة ابنتها.

في الحقيقة لم يكن عند الأم أكثر مما قالته، ولكن الصغير «عبد الرحمن» كان عنده تفاصيل تلك الواقعة، وبسؤاله من قبل جهات التحقيق قال؛ إن شقيقته الكبرى «سما» قد أحضرت سكينا من المطبخ ودخلت غرفة «ريتاج» وأنها هي التي طعنتها، وعندما واجهت جهات التحقيق «سما» اعترفت بأنها طعنت شقيقتها عدة طعنات لغيرتها منها، كون والدها ووالدتها يميزانها عنها فى كل شيء، وذلك لحفظها ما يقرب من عشرة أجزاء من القرآن، عليه تحرر محضر بالاعترافات والتحريات، وبعرضه على عبد المعز ربيع وكيل النيابة، وبرئاسة إسلام حسنين رئيس النيابة  الذى باشر التحقيقات تحت إشراف المستشار مصطفى المتناوى المحامى العام لنيابات بنى سويف، قرر تشريح جثة المجنى عليها ودفنها عقب التشريح، وحبس شقيقتها أربعة أيام على ذمة التحقيقات.

أقرأ أيضأ l بعد حكم الإعدام.. القصة الكاملة لقضية مقتل المذيعة شيماء جمال