آية محمد عبد المقصود
بعد أنتهاء فعاليات الدورة الـ29 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجربي والمعاصر، تحت رعاية وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلاني، وبرئاسة د. جمال ياقوت، والذي أقيمت فعالياته من 1 إلى 8 سبتمبر الجاري، وهي الدورة التي حملت اسم الفنان المسرحي العالمي بيتر بروك الذي عرف بالكثير من التجارب الإخراجية المتميزة، والتي تصنف كمراجع في عالم المسرح.
شهدت الدورة الـ29 من المهرجان عدد محدود من العروض المسرحية مقارنة بالدورات السابقة، وعلى الرغم من المجهودات الكثيرة التي بذلت لإنجاح هذه الدورة، إلا إن الاقبال الجماهيري لم يكن كالسنوات السابقة، بالإضافة لقلة الندوات، حيث ضمت الفعاليات عرضان من مصر، و5 عروض عربية، وأخرى لنوادي المسرح التجريبي، والعروض القصيرة، وهو نشاط مستحدث هذا العام، فضلا عن عدد من الورش التدريبة، وكذلك مسابقة النصوص التجريبية.
الكاتب والمخرج إبراهيم الحسيني تحدث عن الدورة الأخيرة من المهرجان قائلا: “مهرجان المسرح التجريبي يمثل لنا كمسرحيين نافذة على جديد المشهد المسرحي في العالم، وننتظره كل عام بشوق، هذا ما تربينا عليه منذ الدورات الأولى، لكن الأمر اختلف الآن عن ذي قبل”، وأشار الحسيني: “تقلصت أعداد العروض، وقل الاقبال الجماهيري بشكل ملحوظ، وانحصرت العروض داخل المسارح الإيطالية المغلقة فقط، ورأينا قبل ذلك عروض التجريبي وهي تقدم في فضاءات مغايرة تماما، مثل سفح الأهرامات والحدائق العامة، بعيدة عن الشكل التقليدي للمسرح، لكن الآن أصبحت العروض تقليدية في معظمها، وهو ما دعا البعض للتساؤل عن ضرورة اختيارها، هذا بخلاف عدد الندوات مقارنة بما مضى والتي جاءت أقل كثيرا، وكل شيء أصبح أقل في الكم والكيف، وقد يكون مبرر ذلك تقلص الميزانية، أو إن ميزانية المهرجان التي تقدر بمليون جنيه أغلبها يذهب للجوائز على حساب التنظيم، وأنا ضد فكرة الجوائز المادية في الأساس، فيمكننا الاستفادة من هذه الأموال في تحسين شكل المهرجان”.
ويضيف: “لكن في المجمل صناع المهرجان لديهم نوايا طيبة لتقديم الأفضل، مثلا قدموا عدد أكبر من المطبوعات هذا العام، واستحدثوا قسم للعروض القصيرة، ويكفي أيضا أنهم أستطاعوا إعادة المهرجان إلى النور بعد سنوات من التوقف، وبالفعل نحتاج لسنوات حتى يستعيد المهرجان عافيته”.
الدورة الأخيرة شهدت تكريم عدد كبير من القامات المسرحية العالمية الذين أثروا الساحة المسرحية العالمية بالتجارب الفنية الملهمة، وعلى رأسهم الفنان الأنور الشعافي مؤسس لمركز “الفنون الدرامية” من تونس، ومن السعودية كُرم الكاتب والمخرج فهد ردة الحارثي، ومن مصر اسم الراحل الدكتور كمال عيد أستاذ التمثيل والإخراج بأكديمية الفنون، وأيضا المخرج الفنان انتصار عبد الفتاح الحاصل على العديد من الجوائز المحلية والدولية، ومن كندا الفنان والمخرج دومنيك شامبين الذي أخرج العديد من العروض المسرحية بالإنجليزية والفرنسية.
كما أقيمت عدد من الندوات الفكرية خلال فعاليات المهرجان، أهمها ندوة بعنوان تشمل 4 محاور، الأول مناقشة كتاب “تأملات في فينوميولوجيا المسرح” تأليف عبد الناصر حنفي، وأدار الجلسة الناقد أحمد خميس ومداخلات من د. محمد سمير الخطيب أستاذ المسرح بجامعة عين شمس، وعدد من الباحثين والأساتذة المتخصصين في المسرح والبلدان المختلفة، والمحور الثاني كانت ندوة بعنوان “أثر التكنولوجيا على فئيات الكتابة المسرحية المعاصرة”، بحضور عدد كبير من نقاد وكتاب المسرح العربي، وأدار اللقاء د. رضا الجاسم من العراق، وتحدث بها د. محمد حسين حبيب عن رسالة بحثية بعنوان “الشخصية الدرامية بين الرقمية المسرحية والسايبورغ السينمائية”، ود. هايل على المذابي عن رسالة بحثية “تحولات تكنولوجيا وأثرها في صناعة النص المسرحي قراءة في تجربة تطبيقات الذكاء الإصطناعي نظام GPT2)) نموذجا، حضرها عدد من الباحثين والأساتذة المخصصين في المسرح من بلدان عربية مختلفة”.
كما أقيم ندوة بعنوان “نظرية العرض المسرحي والمستجدات التكنولوجية الرقمية المعاصرة” أدار الجلسة د. عبد الواحد بن ياسر من المغرب، وتحدث بالندوة د. عبد الكريم الحجراوي من مصر عن رسالة بحثية بعنوان “بنية خطاب الارسال وتشكلات التلقي في المسرح المعاصر”، ود. مشهور مصطفى من لبنان عن رسالة بحثية بعنوان “التكنولوجيا الرقمية الحديثة في التجريب المسرحي وأثرها على مستويات التلقي وإنتاج المعنى”، ود. عامر صباح نوري من العراق عن “الأداء التكنولوجي في العرض المسرحي المعاصر”.
كما أقيمت جلسات علمية، الأولى بعنوان “الواقع الإفتراضي وانعكاساته في أداء الممثل المسرحي”، أدار الجلسة د. محمد زعيمة، وقد وقف ضيوف المهرجان دقيقة حداد على أرواح ضحايا حريق بني سويف الأليم الذي تزامن في هذا اليوم.
وجمعت هذه الجلسة عدد من الباحثين، قدموا خلالها أبحاثا علمية مسرحية حول “الواقع الإفتراضي وانعكاساته في أداء الممثل المسرحي وتوظيف الصورة الرقمية في العرض بين الفعل الدرامي الوسائطية وخطاب الأجساد المهجنة في الفنون الأدائية المعاصرة”.
بروتوكولات
شهد المهرجان أيضا توقيع بروتوكول بين الهيئة العربية للمسرح وإدارة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، إنطلاقا من تلاقي الإرادات والقناعات والعمل المشترك لتشكيل رأي عام مستنير من خلال المسرح، وإدراكا بأن الفن لغة إنسانية.
حيث شهد المهرجان وقوف الهيئة إلى جانبه عند عودته بعد التوقف من 2011 إلى 2016، من خلال دعم متعدد الأوجه لفعاليات المهرجان، حيث دعمت الهيئة تنظيم 5 ورش عام 2018، و4 ورش عام 2019، وهو العام الذي شهد أيضا توقيع اتفاقية إصدار “خزانة ذاكرة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي” ضمن إصدارات الهيئة العربية للمسرح، وقد تم جمع ورصد كبير لفعاليات الدورات منذ 1988، وتم العمل بإشراف المخرج عصام السيد مع فريق عمل خاص بالمهمة.
أما هذا العام - وضمن التفهمات مع رئيس المهرجان د. جمال ياقوت - فقد وسعت الهيئة رقعة دعمها لتشمل مكافأت أعضاء لجنة تحكيم المسابقة الكبرى، وأعضاء لجنة تحكيم العروض القصيرة، ودعم إصدارات المهرجان، إضافة لدعم الندوات البحثية والنقدية، وكذلك دعم الورش التي يشهدها المهرجان، إضافة لدعم نشر الرسائل العلمية الذي استحدث هذا العام.
وأكد إسماعيل عبد الله - الأمين العام للهيئة العربية للمسرح - إن الهيئة - التي تعمل بتوجيه من سمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي - حريصة على الدعم والتعاون والشراكة مع العمل الثقافي والمسرحي في مصر، وترى أن دعم مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي مهم من ناحية التنوع المعرفي الذي يشهده خاصة في هذه الدورة، كما أن هذا المهرجان كان ومازال نافذة واسعة لإيقاظ روح التجريب والتجديد في المسرح عربيا، وهو الأمر الذي ينسجم مع منظم عمل الهيئة “نحو مسرح جديد ومتجدد”.
وقدم إسماعيل التحية إلى وزارة الثقافة المصرية لجهودها من أجل إستمرار وتطوير المهرجان، ولرئيسه ومديره، لدفعهم روح التجديد والانتشار الوطني على إمتداد محافظات الجمهورية، وليعطي المهرجان مردوده الإبداعي لكل الجسد المسرحي المصري.
اقرأ أيضأ l المهرجان التجريبي يناقش «سطوة التكنولوجيا على فنون الأداء في المسرح المعاصر»