د. مجدى عاشور يكتب: إنسانية الإسلام

د. مجدى عاشور
د. مجدى عاشور

بقلم: د. مجدى عاشور

إن الحقيقةَ الواضحةَ تقول: «لولا الإنسانُ ما كانتِ الأديانُ»؛ إذ الإنسان ليس محورًا للأديان فحسب، وإنما هو محورٌ للكون كله، وهو المخلوق الذى كُتب عليه أن يتحمل ما لم يَرْضَ ما هو أشدُّ بأسًا فى الظاهر أن يتحمَّله، حيث قال اللهُ تعالى: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ». وفى هذا دليلٌ كافٍ على أن هذا المخلوقَ الذى لا يساوى نقطةً فى حيز المخلوقات الأخرى المذكورة فى تلك الآية، هو المنوط به التكليف والاستخلاف. وحتى يحقق ذلك الاستخلاف على الوجه المراد، سخَّر اللهُ له الكائناتِ كلَّها لخدمته، فقال عز وجل:«وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ».

وعندما نال الإنسانُ تلك المرتبةَ من التشريف، بنصِّ قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»؛ كان لزامًا عليه أن يأخذ حظَّه من التكليف بقدر ذلك التشريف؛ إذ قاعدة إدارة هذا الكون - إن صَحَّ التعبير - أن «التكليف بالتشريف»، وأنه كما تميَّز الإنسان بالكثير من المواهب والعطايا، لابد أن يقابله ما يساويه من الواجبات والمسئوليات؛ إذ «الغُنْم بالغُرْم».

ولهذه المعانى كلَّها نزلتِ التكاليف على ذلك الإنسان المُكَرَّم القوى العاقل دون غيره على وجه الأرض، وتوجهت إليه الأوامر ليؤديها والنواهى ليجتنبها، فقال تعالى: «وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ».

وحين جاءت الشرائع كلُّها، ومنها شريعة الإسلام، راعت خصائصَ ذلك الإنسان وهى مُدرِكةٌ للمهامِّ المنوطة به لعبادة الله وعمارة الكون وتزكية النفس، ومن ثَمَّ جاء التشريع هو الآخر بخصائصَ تتفق ومُكوَّنات هذا المخلوق الـمُكَلَّف، ومن أهم هذه الخصائص التى تحرص على الإنسان كإنسانٍ:
1- عدم تكليف الإنسان بما لا يقدر عليه، وهو ما نطلق عليه فى أصول الفقه «لا تكليف بما لا يُطاق». وهذا من الحقائق القرآنيَّة العجيبة التى اعتبرت إمكانات هذا الإنسان وأشفقت عليه من تحميله ما لا يُطِيق، فجاء المبدأ القرآنى بذلك، حيث قال سبحانه:«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» «البقرة:٢٦٨»، وقال تعالى: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا» «الطلاق:٧»… (يتبع)