رئيس المشروع القومى للشاى: نجحنا فى زراعة 30 نوعاً وسبب مجهول وراء التوقف

د. مرتضى خاطر خلال حواره مع «الأخبار»
د. مرتضى خاطر خلال حواره مع «الأخبار»

10 آلاف جنيه تكلفة زراعة الفدان ونحتاج 40 ألف فدان للاحتياج المحلى


مصر فى منطقة حزام الشاى وأفضل الأراضى من العريش إلى المنيا


أناشد الرئيس السيسى إحياء المشروع ونمتلك خبرات قادرة على الإنتاج

«تعالى اشرب شاى» هى الجملة الأشهر فى مصر، فمن يشاهد إعلانات الشاى فى التليفزيون وأكواب الشاى الممتلئة فى المقاهى، يعتقد أن مصر من الدول المنتجة الممتلئة بأشجار الشاى، لكن الحقيقة أن بلادنا لا تزرع ورقة شاى واحدة..

تفاجأنا خلال الأيام الماضية بتصريحات حول ارتفاع فاتورة استيراد الشاى ونقص مخزونه نتيجة تداعيات الأزمة العالمية الراهنة مما أثار قلق المصريين حول مشروبهم الرسمى، الأرقام تكشف أننا نستورد شايا سنويا بقيمة مليار و33 مليون دولار وسيرتفع هذا المبلغ إلى 5 مليارات دولار فى 2025، حيث تأتى مصر فى المراكز الأولى ضمن قائمة أكثر شعوب العالم استهلاكا للشاى بنصيب كيلو ونصف لكل مواطن وتم اعتبار الشاى ضمن قائمة أهم الواردات المصرية من السلع الغذائية غير المعمرة..

الكثيرون يعتقدون أنه لايمكن زراعة الشاى فى مصر، ولكن الحقيقة أن مصر كانت تمتلك مشروعاً قومياً لزراعة الشاى فى تسعينيات القرن الماضى والقائمون عليه كانوا أساتذة الزراعة والبحوث الزراعية، وأنفقت ملايين الجنيهات على هذا المشروع، ولكن بعد سنوات من البحث والتجارب التى أثبتت نجاح زارعة الشاى فى مصر وصلاحية التربة لزراعته فى محافظات تم تحديدها وبطرق علمية، تقرر فجأة وقف تمويل المشروع واستبعاد القائمين عليه وإغلاقه مع سبق الإصرار و الترصد وتم تقييد القضية ضد مجهول فى عصر الرئيس الأسبق مبارك..

«الأخبار» حملت كل التساؤلات حول زراعة الشاى إلى د.مرتضى خاطر رئيس المشروع القومى لزراعة الشاى الذى تم إغلاقه فى التسعينيات وهو أيضا رئيس بحوث متفرغ بقسم بحوث النباتات الطبية والعطرية بمعهد بحوث البساتين التابع لوزراة الزراعة وفى مكتبه العريق التقينا به، ورغم سنوات عمره التى تجاوزت السبعين إلا أنه لايزال يحتفظ بذاكرة قوية وعقل نشط وبداخل عينيه بريق لأحلام يتمنى تحقيقها لمصر يمتلكها شاب فى العشرين.

فى البداية.. كيف بدأت فكرة المشروع القومى لزراعة الشاى ولماذا توقف؟

مصر كانت فى الماضى تستورد الشاى الهندى مقابل القطن طويل التيلة ثم تدهور إنتاجنا من القطن وأصبحنا نستورد أطنان الشاى من كينيا بالدولار نظرا لارتفاع أسعار الشاى الهندى ومنذ عام 1986 وأنا أحلم بزراعة الشاى فى مصر لتقليل الفجوة الاستيرادية وتوفير العملة الصعبة وكان الدكتور يوسف والى أستاذى فى الجامعة قبل أن يصبح وزيرا للزراعة وبحكم معرفتى به اقترحت عليه إجراء تجارب زراعة الشاى فى مصر فى بداية التسعينيات وبالفعل وافق وبدأنا طلب الحصول على بذور الشاى من مختلف الدول المنتجة له، وفوجئنا أن البذور التى تم إرسالها لنا ميتة وغير صالحة للزراعة وتم الأمر عن قصد بل تم إرسالها مع بيانات طرق زراعة خاطئة لتضليلنا وكأننا «تلامذة» لا نعلم شيئا عن الزراعة، وأحد الخبراء الأجانب أخبرنى وقتها أن الحصول على بذور صالحة للزراعة من الدول المنتجة لن يكون أمرا سهلا نظرا لحرص تلك الدول على عدم منافستها فى زراعة سلعة استراتيجية مثل الشاى ولايزال حتى اليوم الحصول على شتلات أو بذور الشاى أمرا صعبا.

كيف حصلتم على الشتلات؟

فى عام 1996 وافق الجانب الأمريكى على زيارة خبراء مصريين لمزارع الشاى فى الولايات المتحدة وهناك قمنا بدراسة التجربة الأمريكية لزراعة الشاى وطرق حصاده الحديثة وتصنيعه وهناك حصلنا على شتلات أو عُقل من الشاى وجلبناها الى القاهرة لبداية التجارب وبدأنا فى اتباع الخطوات العلمية فى الزراعة وواجهتنا فى البداية مشكلة أن الشاى لابد أن تتم زراعته فى تربة حامضية وهى لا تتوافر فى مصر ذات طبيعة الأرض القلوية وبدأت الأمراض تظهر على أوراق الشاى وكاد المشروع أن يفشل لكن مع البحث والتجارب وإجراء معالجات بسيطة لتعديل حموضة التربة واستخدام الأحماض العضوية فى مياه الرى بالتنقيط وجدنا الشاى يزدهر وينمو بكثافة دون أمراض خاصة فى التربة الرملية ، وكانت تلك نواة المشروع القومى لزراعة الشاى ونجح الأمر نجاحا مبهرا بعدها تم الاتفاق مع شركة أمريكية لجلب 30 نوعا من أنواع الشاى لتجربة زراعتها ونجحت زراعتها جميعا فى منطقة بهتيم وشاهد وزير الزراعة نجاح التجربة بنفسه ثم فوجئت بعدها بقرار وقف تمويل المشروع القومى لزراعة الشاى وإنهاء عمل الشركة الأمريكية وتم ترك نباتات الشاى دون عناية وماتت فى النهاية.

ما هى الأسباب الحقيقية وراء غلق المشروع؟

لا أعلم الأسباب الحقيقية وراء الأمر حتى اليوم وما هى الضغوط التى تمت ممارستها لوقف المشروع فقد كنت مجرد مسئول وباحث بالوزراة وقد قام أحد كبار مستوردى الشاى بالاتصال بى لمعرفة هل توقفنا عن زراعة الشاى أم لا وكان سعيدا بتوقفه، فى النهاية تم غلق المشروع وتم تقييد القضية ضد مجهول.

البعض يردد أن استيراد الشاى من الخارج أقل تكلفة من زراعته ما رأيك؟

من يرددون ذلك بلا علم أو لأهداف أخرى والحقيقة أن تكلفة زراعة الشاى فى مصر ستوفر مليارات الدولات التى ينفقها المصريون على الاستيراد كل عام وتكاليف زراعة الفدان الواحد فى السنة لا تتجاوز 10 آلاف جنيه بأسعارهذه الأيام وتشمل الأسمدة والجمع والعمالة وتعديل حامضية التربة والمياه وغيرها، وتصل إنتاجية الفدان الواحد إلى حوالى 2 طن أوراق شاى جافة بمتوسط سعر 100 ألف جنيه للطن الأمر الذى قد يحقق اكتفاء ذاتياً لمصر من زراعة الشاى بل وتحقيق أرباح كبرى حيث يصل أقصى إنتاج للأشجار المزروعة بعد 3 سنوات من زراعتها.

ما هى المساحة التى نحتاجها لتحقيق الاكتفاء الذاتى؟

نحتاج وفق الدراسات إلى 40 ألف فدان فقط وهى مساحة كافية لتلبية احتياجات مصر من الشاى خاصة أن الشاى لا يحتاج فى زراعته إلى تهيئة الجو الخارجى أو الصوب بل إنه يزرع فى الأرض مباشرة بمجرد تعديل قلوية التربة ومياه الرى.

وماذا عن الجودة ومذاق الشاى الذى تمت زراعته فى مصر؟

المشروع القومى لزراعة الشاى كان يضم خيرة خبراء الزراعة والبحوث فى مصر وبعضهم على قيد الحياة وقد قدموا مجهودات قيمة وصادقة من أجل الحصول على نتائج مبشرة ولم يتركوا أمرا إلا وتم بحثه وقد قام الدكتور أبوالفتوح محمد بمعهد تكنولوجيا الأغذية بدراسة جودة ومذاق الشاى المصرى وأثبتت أن إنتاج مصر من الشاى يقارب فى جودته المواصفات العالمية بشكل يفتح مجال التصدير فى حال التوسع فى زراعته وسجل ذلك فى رسالة بحثية نال عنها درجة الدكتوراة.

هناك من يردد أن مناخ مصر غير مناسب لزراعة الشاى؟

قام معهد بحوث المناخ بعمل أبحاث عن هذا الأمر وخلص الباحثون إلى أن مناخ مصر مناسب لمختلف أنواع الشاى وتقع مصر بين خطى عرض 22 و32 درجة شمالا وهو ما يعنى أن مصر تقع فى منطقة حزام الشاى وتصلح لزراعته بجودة عالية بداية من أراضى محافظات العريش وصولا إلى المنيا.

بعد أكثر من 20 عاما من توقف المشروع كيف يمكن إحياؤه من جديد؟

لابد أولاً من إرادة سياسية قوية وقد شاهدنا تلك الإرادة فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى بعد 30 يونيو حيث قام بالتوسع فى زراعة القمح لتحقيق الاكتفاء الذاتى منه والتوسع فى الزراعات الاستراتيجية وتبطين الترع وترشيد المياه لذلك أدعو الرئيس إلى إعادة إحياء مشروع زراعة الشاى على أن يكون تحت إشراف رئاسة الجمهورية والجهات المعنية مع دخول القطاع الخاص مجال الاستثمار الزراعى فى الشاى وفتح مصانع إنتاج وتجفيف الشاى والتعبئة وهى من الصناعات كثيفة العمالة وهناك دول نجحت فى الأمر قبل عدة سنوات وتعتبر تركيا الدولة الأكثر استهلاكا للشاى فى العالم وقد تحولت خلال سنوات قليلة من دولة مستهلكة فقط إلى دولة منتجة حتى أصبح 90% من استهلاك الشاى فى تركيا منتجا تركيا 100%، كما أن كينيا التى نقوم باستيراد الشاى منها تعانى اليوم من آثار التغيرات المناخية وقلة المياه وهو ما سيترتب عليه ضعف الإنتاج وفى المستقبل القريب سترتفع أسعار الشاى بشكل كبير وهو أمر ينذر بضرورة الاستعداد بالبحث عن مصادر بديلة لسلعة استراتيجية هى من صميم عادات المصريين.

د. خالد سالم الخبير الدولى يجيب:«هل يمكن زراعة مزاج المصريين؟»

أحد القامات العلمية المهاجرة بالخارج، والخبير الدولى فى زراعة المحاصيل..

إنه د. خالد سالم أستاذ بيوتكنولوجيا النباتات الحاصل على دكتوراة فى تربية النبات والوراثة من ألمانيا، والذى كتب لنا أنه على رغم أن مصر تعتبر أكبر مستهلك للشاى فى العالم العربى ومن أعلى المعدلات عالميا بالنسبة لنصيب الفرد حيث يبلغ سنويا حوالى واحد ونصف كيلوجرام، فلماذا لا نزرع مزاج المصريين؟.

إلا أن هذه التساؤلات تحتاج إلى توضيح علمى حيث أن جميع التقارير العلمية توضح أن الموطن الطبيعى لنبات الشاى على طول الحدود بين بورما غربا والصين شرقا الى منطقة سيبانج شرقا وجنوبا خلال تلال بورما وتايلاند وفيتنام .

ومحور من الشرق الى الغرب من 95 درجة الى 12 درجة على خطوط الطول، ومحور من الشمال من بورما على خط عرض 29 درجة مارا بمنطقة يونان وتونكين وتايلاند ولاوس وأمان حتى خط عرض 11 درجة.

كما تتم زراعة الشاى حاليا فى مناطق ما بين تركيا وجورجيا عند خط عرض 42 شمالا والأرجنتين على خط عرض 33 جنوبا وتقع مصر بين خطى عرض 22 و32 درجة شمالا وهو ما يعنى أن مصر تقع فى منطقة حزام الشاى.

وننتقل إلى أنواع التربة المناسبة لزراعة الشاى حيث ينمو نبات الشاى فى أنواع مختلفة من التربة تتراوح ما بين الرملية الطميية والطينية الثقيلة بحيث تكون جيدة الصرف وفى ظروف تربة حامضية تتراوح ما بين 4، pH 5.5 ويمكن إجراء المعاملات الزراعية المناسبة واللازمة لتهيئة ظروف التربة المصرية لنمو نبات الشاى وذلك بتعديل حموضة التربة لتصل الى المعدل الملائم لكثافة النمو للشاى.

ورغم ذلك اعترض البعض على زراعة الشاى  فى مصر بحجة أن الشاى يحتاج إلى تربة حامضية ما بين 4.5 إلى 5.5 ph وأن تربة الأراضى المصرية قلوية ph 7 ولكن آخر البحوث التى أجريت فى هذا الشأن أظهرت أن نمو الشاى ينجح فى الأراضى التى درجة الـ ph لها ما بين 5.4 إلى 7 درجات وقد سقطت الحجة القائلة بعدم صلاحية التربة المصرية لزراعة الشاي.

وعلى هذا الأساس يمكن زراعة الشاى فى مصر بنجاح، خاصة وأن مصر غنية بالكفاءات الفنية والعلمية الزراعية ويقتضى الأمر فى هذا الشأن تضافر الجهود فى جميع الجهات البحثية والتنفيذية فى الكليات والمعاهد الزراعية ومراكز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة ومركز بحوث الصحراء والمركز القومى للبحوث وجميع الجهات المعنية فى هذا الشأن ..

مع ملاحظة إنه تم إجراء تجارب لزراعة الشاى فى مصر منذ حوالى عشر سنوات فى وزارة الزراعة بمركز البحوث الزراعية (النباتات الطبية والعطرية) وذلك بمحطات التجارب فى بهتيم وقها بالقليوبية بذلت فيها مجهودات قيمة وصادقة وكذلك بالقطاع الخاص بمحافظة الشرقية وأعطت المؤشرات الأولية نتائج مبشرة بالنسبة للنمو الخضرى.

ورغم إمكانية ذلك إلا أن هناك عددا من الملاحظات.

وأكد أن من الملاحظات أن زراعة الشاى فى مصر بدلا من استيراده لتوفير عملة صعبة يعد من الامور الهامة لأنه سيكون على حساب محاصيل استراتيجية أخرى لضيق المساحة، وأنه يمكن زراعة أى نبات فى المناخ الزراعى المصرى ولكن فى المناطق المستصلحة حديثا وذلك لان لدينا عجزا فى المحاصيل الاستراتيجية الهامة.

إقرأ أيضاً|خبير : الشاي والبن والكاكو بحاجة لظروف جوية لا تتوفر بمصر