الموسيقيون اجتمعوا على الإختلاف.. لماذا يحب المصريون على الحجار وحمو بيكا ؟!

 حمو بيكا وعلى الحجار
حمو بيكا وعلى الحجار

ندى محسن

في ظل انتشار موسيقى المهرجانات وسيطرتها على الساحة الغنائية في الآونة الأخيرة،  وإقبال الجمهور على حضور حفلات مؤدييها مثل حمو بيكا، حسن شاكوش، عمر كمال، وغيرهم... تشهد في المقابل حفلات الموسيقار القدير عمر خيرت حضوراً جماهيرياً كبيراً وتفاعلاً قوياً من جميع الفئات العُمرية التي تدندن موسيقاه الفريدة، آخرها حفله ضمن ختام مهرجان القلعة للموسيقى والغناء، الذي حضره قرابة ال 20 ألف مُستمع... فأصبح المزاج المصري مترنحاً بين هذا وذاك... في السطور التالية يُجيب عدد من الموسيقيين عن سؤال لماذا يحب المصريون على الحجار وحمو بيكا؟، كما يتحدثون عن إمكانية التحكم في المذاق الفني وتوجيهه.

في البداية يقول الموسيقار منير الوسيمي: “نشهد انقساما لدى ذائقة الجماهير، فمثلما نرى حضورا كبيرا ولافتا لحفلات الموسيقار الكبير عمر خيرت، والمطربين مدحت صالح، علي الحجار، هاني شاكر، وغيرهم، تشهد أيضاً حفلات حمو بيكا، وشاكوش حضور جماهيري كبير، وأرى أنها ظاهرة جيدة، لإن هذا التنوع في المذاق الفني هام ومطلوب، وهذا إن دل على شئ، فيدل على أن سياسة المنع أو الحجر على لون غنائي بعينه هي سياسة فاشلة، لإننا أمام مجتمع مُنفتح ليس من السهل التحكم في مذاقه الفني أو توجيهه نحو شكل غنائي بعينه، لكن من الممكن تثقيفه فنياً، ومن هنا يأتي دور الإعلام في ضرورة الاهتمام بمسألة التحليل والنقد الفني لكل ما هو مقدما على الساحة الغنائية، لرفع ثقافة ووعي الجمهور المصري بكل أشكال الفن، ثم تُترك حرية الاختيار لدى المستمع”.

وعن امكانية تحديد أو معرفة الذوق العام لدى الجماهير يقول: “أنا ضد مصطلح الذوق العام، فهو مصطلح خاطئ، لإنه من الصعب أن يجتمع ملايين من البشر على ذائقة واحدة، فكل من له ذوقه الفني الذي يختلف عن غيره، فمن بيننا مَن يعشق الطرب والكلاسيكيات، وهناك مَن” يتمزج “بالأغنيات الخفيفة الراقصة، وفي المقابل هناك مَن يستمتع بالأغنيات الشعبية والمهرجانات، فكل لون غنائي له جمهوره الذي يسانده ويدعمه، لذلك لا نستطيع تحديدا إن كان الذوق العام يتجه في الفترة الحالية نحو شكل غنائي مُعين، وخير دليل على ذلك هو الحضور الجماهيري الكبير الذي تشهده كافة الحفلات بمختلف الأشكال والألوان الغنائية التي تُقدم من خلالها”.

ويتفق معه الموسيقار هاني مهنى فيما يتعلق بإنقسام ذائقة الجماهير، ويقول: “الجمهور الذي يعشق الطرب والكلاسيكيات ويتهافت لحضور حفلات كِبار المطربين والموسيقيين التي تقيمها وزارة الثقافة بالتعاون مع دار الأوبرا المصرية يختلف اختلافاً كُلياً عن الجمهور الذي يستمع لأغاني المهرجانات ومؤدييها، ربما يتفقان في نقاط عديدة، لكن هناك نقطة اختلاف واحدة لا تجمعهما، ألا وهي الحس والتذوق الفني العالي لمرتادي حفلات كِبار النجوم في مصر، تلك الذائقة الفنية التي اكتسبوها من الصِغر عندما كان هناك اهتمام بالغ في المدارس بمادة التربية الموسيقية، أما الجيل الحالي فحدث ولا حرج لذلك أُطالب وزير التربية والتعليم بضرورة الاهتمام في المدارس بمادة التربية الفنية أو الموسيقية، واعتبارها مادة أساسية تُضاف إلى المجموع الكُلي للطلاب، فهي مادة لا تقل أهمية عن باقي المواد الدراسية الأخرى، فهي أساس بناء انسان سوي، وأؤكد أن الاهتمام بها سينشئ أجيالاً لديها نزعة فنية، مُثقفة، وواعية لأشكال وأنواع الفنون المختلفة”.

ويستكمل مهنى قائلاً: “أؤكد أن الشخص الذي يقوده حسه الفني العالي للإستمتاع بالموسيقى التي يعزفها القدير عمر خيرت لا يمكنه تحمل سماع الصخب والضجيج الذي ينبعث من أغاني المهرجانات، لذلك أرى انقساماً بين الجمهور، على عكس زمن الفن الجميل، حيث كان الجمهور نفسه الذي يستمع لعبد الحليم حافظ، أم كلثوم، وردة، نجاة، وفايزة، هو نفسه الذي يستمع إلى المطربين الشعبيين محمد عبد المطلب، محمد رشدي، شفيق جلال، وغيرهم، وخير دليل على ذلك هو حفلات أضواء المدينة التي كانت تضم مختلف أنواع الفنون من الطربي، الشعبي، وفن المونولوج، وكان الجمهور واحدا دون انقسامات”.

وعن امكانية التحكم في المذاق الفني أو توجيهه يُضيف مهنى: “هذا أمر صعب للغاية خاصة في ظل الانفتاح الذي نعيشه اليوم بعصر التكنولوجيا و” السوشيال ميديا “، حيث أصبح من السهل إنتاج أي عمل غنائي وتسويقه عبر مواقع التواصل الإجتماعي، بل وينتشر بسرعة البرق ويحقق ملايين المشاهدات في غضون ساعات قليلة، على عكس ما عاصرناه قديماً عندما كان الفنان يسافر من محافظة لمحافظة أخرى، ومن بلد لبلد حتى يُعرف نفسه بالجمهور وبالفن الذي يقدمه”.

أما الموسيقار صلاح الشرنوبي فيرى أن المتحكم في المذاق الفني هو الظروف الإقتصادية التي تمر بها الدولة والمواطنون قبل أن يُضيف قائلاً: “انقسمت شرائح المجتمع إلى فئات اجتماعية مختلفة وعديدة، ومن هنا جاء الانقسام في الفن بين الجمهور وبين مرتادي الحفلات التي تتبناها وزارة الثقافة بأسعار رمزية، وبين حفلات الساحل الشمالي التي أصبحت أسعار تذاكرها مبالغا فيها بشكل كبير، ولإن الفئة البسيطة الشعبية التي تستمع لحمو بيكا، شاكوش، وغيرهم هي الفئة التي تُمثل الغالبية العظمى من الشعب المصري أصبحنا نشهد سيطرة المهرجانات الشعبية ومؤدييها على الساحة الغنائية، والتي تفاقمت أيضاً بشكل أكبر بعد ثورة 30 يونيو، لذلك لا بد من أن  نفخر بمجهودات وزارة الثقافة ودار الأوبرا المصرية التي تستطيع من خلال فعالياتها أن توزن التوجه الموسيقي في مصر”.

ويستطرد قائلاً: “ينقصنا الدور التوعوي لمواجهة الظواهر المستحدثة على الفن والتي عادة ما تظهر عندما تمر أي دولة بمشكلات اقتصادية، لكن بفضل الله نشهد ونلمس تقدماً وتطوراً ملحوظاً على جميع الأصعدة، وهو ما يلقي بظلاله على الفن”.

وعن تحديد أو معرفة الذوق العام لدى الجماهير يقول: “لا يُمكننا معرفة الذوق العام من توجه بعينه لإن الفئة التي تستمع لحمو بيكا وشاكوش هي نفسها التي تستمع لعمر خيرت، مدحت صالح، هشام عباس، علي الحجار، هاني شاكر، وغيرهم، لكن المؤشر الواضح هو النجاح الكبير الذي حققه مهرجان القلعة للموسيقى والغناء في دورته الثلاثين، والذي اختتم فعالياته الإسبوع الماضي، هذا النجاح والحضور الجماهيري الكبير واللافت لجميع الحفلات مؤشر جيد نحو الارتقاء بالذوق العام، وأؤكد أنه كُلما تدخلت الدولة بالإهتمام بإقامة مهرجانات غنائية في عدد كبير من محافظات مصر كلما تحول الذوق العام تدريجياً إلى أن تختفي جميع الظواهر التي ظهرت على الساحة مؤخراً”.

وعن امكانية توجيه المذاق الفني يقول: “المذاق الفني لا يمكن توجيهه عن طريق أي وسيلة بسبب تأثير طوفان” السوشيال ميديا “الذي يُهيمن بشكل أكبر على الجمهور، والذي أيضاً لا يخضع لأي رقابة”.