حكايات «التجلي الأعظم».. أين عبد «بنو إسرائيل» العجل الذهبي؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يستعرض خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار فى الحلقة 22 من حلقات "التجليات الربانية بالوادي المقدس طوى" منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر ومسار نبى الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة والذي، الموقع الحقيقي الذي عبد فيه بنو إسرائيل العجل الذهبي.

ويشير الدكتور ريحان، إلى ذهاب نبى الله موسى لميقات ربه لتلقى ألواح الشريعة، وترك أخاه هارون مع بني إسرائيل ووصاه بقيادة بنى إسرائيل من بعده، وهذا يعنى ذهابه فى مكان بعيد ربما لا يعود منه فترك وصيته "وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" الأعراف 142.
وكن نساء بنى إسرائيل في مصر يخدمن نساء آل فرعون وأخذن منهن بعض الحلى والذهب خلسة، وقد جاء فى سفر الخروج (ولما رفض فرعون كل الآيات التى رآها جهرة أمامه فأتى عليه أمر الله فأمد يدى وأضرب مصر بكل عجائبى التى أصنع فيها وبعد ذلك يطلقكم، وأعطى نعمة لهذا الشعب فى عيون المصريين فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين، بل تطلب كل إمرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا، وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين) سفر الخروج: الإصحاح الثالث الآيات 20-22، سفر الخروج الإصحاح الحادى عشر الآيات 2-3.


ويوضح الدكتور ريحان تعجّل نبى الله موسى ميعاد ربه واكتفى بتولية هارون قائدًا علي بنى إسرائيل وتركهم على عجل ليحضر إلى المناجاة قبل الإبّان الذى عيّنه الله له، اجتهادًا منه ورغبة فى تلقى الشريعة حسبما وعده الله قبل أن يحيط بنو إسرائيل بجبل الطور، ولم يراع فى ذلك إلا السبق إلى ما فيه خير لنفسه ولقومه، لذلك لامه الله سبحانه وتعالى على أن غفل عن مراعاة ما يحفّ بذلك من ابتعاده عن قومه قبل أن يوصيهم الله بالمحافظة على العهد ويحذّرهم مكر من يتوسّم فيه مكرًا.

وأخبر نبى الله موسى قومه قبل ذهابه لميقات ربه أن غيبته عنهم لا تطول أكثر من ثلاثين يومًا مع مسافة الطريق إلى جبل الطور كما وعده ربه فى البداية، فلما أمر الله نبيه موسى أن يستأنف صيام عشرة أيام أخرى طالت غيبته عن قومه واستبطأه القوم فعبدوا العجل.


وحدثت فتنة عبادة العجل بسبب السامري، والسامري اسمه موسى السامري ولدته أمه في الصحراء وماتت فكفله جبريل ورباه، وكان جبريل عليه السلام يأتيه على حصان يحمل له ما يحتاج إليه من طعام وشراب، وكان موسى السامري يرى حصان جبريل، كلما مشى على الأرض وقع منه تراب فتخضر وتنبت الأرض بعد هذا التراب، وأيقن أن فى حافر الحصان سرًا فأخذ قبضة من أثر الحصان ووضعها في العجل المصنوع من الذهب فأخذ يحدث خوارًا كأنه حى.

وتابع الدكتور ريحان بأنه حين عودة نبى الله موسى لام هارون فاعتذر بأنه عمل كل ما فى استطاعته ولو قام بقتال من ارتد لكان ذلك سببًا لفرقة، ولام نبى الله موسى بنى إسرائيل أشد اللوم وألقى الألواح التى كتبها الله له ويقال أنها كسرت، وقال للسامرى اذهب فإن الله عاقبك بأن تقول فى حياتك لا مساس وهو عقاب بدنى بحيث يتألم السامرى من مس أى إنسان له، فكان إذا لقى إنسانًا وخشى أن يمسه يقول لا مساس، وأمّا الآخرة فسيحاسبه الله على ما فعله وأخبره أن هذا العجل الذى ظل عليه عاكفًا سيحرّقه وينسفه فى ماء البحر مما يؤكد أن عبادة العجل كانت فى موقع يشرف على مياه وهو موقع طور سيناء حاليًا والطريق الذى اتخذه موسى للقاء ربه هو وادى حبران من طور سيناء إلى الجبل المقدس، أمّا نحت العجل فى وادى الراحة بسانت كاترين فهو شكل خيالى كسائر المنحوتات بجبال سيناء ولا علاقة له بعبادة العجل
وأن الله تعالى أوحى إلى موسى أن توبة بنى إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم بأن يقتل كل إنسان من يقابله من قريب أو أخ أو نحو ذلك حتى عفا الله عنهم بعد أن قتلوا من أنفسهم عددًا كبيرًا "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" سورة البقرة آية 54، والآية الكريمة التي نحن بصددها هي تقريع من موسى عليه السلام لقومه الذين نجاهم الله من آل فرعون وأهلك عدوهم فاتخذوا العجل إلهًا، ومتى حدث ذلك؟ في الوقت الذي كان موسى فيه قد ذهب لميقات ربه ليأتي بالمنهج، وقد كان من الممكن أن يأخذهم الله بهذا الذنب ويهلكهم كما حدث بالنسبة للأمم السابقة، أمّا وقد شرع الله لهم أن يتوبوا، فهذا فضل من الله وعفو، ثم يقول الحق تبارك وتعالى.


وعن سبب اختيار سبعين رجلًا للاعتذار عن عبادة العجل يشير الدكتور ريحان إلى الآية الكريمة "وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا  فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ  أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا  إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ  أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ" الأعراف 155.


وقالوا في علة السبعين إن من اتبعوا موسى كانوا أسباطًا، فأخذ من كل سبط عددًا من الرجال ليكون كل الأسباط ممثلين في الميقات، وهل الميقات هذا هو الميقات الأول؟ لا؛ لأن الميقات الأول كان لكلام موسى مع الله، والميقات الثاني هو للاعتذار عن عبادة العجل، ولماذا أخذتهم الرجفة؟ لأنهم لم يقاوموا الذين عبدو العجل المقاومة الملائمة، وأراد الله أن يعطي لهم لمحة من عذابه، والرجفة هي الزلزلة الشديدة التي تهز المرجوف وتخيفه وحين أخذتهم الرجفة قال موسى: "رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ".


أوضح نبى الله موسى: لقد أحضرتهم من قومهم. وأهلوهم يعرفون أن السبعين رجلًا قد جاءوا معي، فإن أهلكتهم يا رب فقد يظن أهلهم أننى أحضرتهم ليموتوا وأسلمتهم إلى الهلاك، ولو كنت مميتهم يا رب وشاءت مشيئتك ذلك لأمتّهم من قبل هذه المسألة وأنا معهم أيضًا، يضيف القرآن الكريم على لسان نبى الله موسى والقوم معًا "أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ" 
وهذا القول يدل على أن العملية عملية فعل، والفعل هو عبادة العجل؛ فلو أن هذا هو الميقات الأول لما احتاج إلى مثل هذا القول؛ لأن قوم موسى لم يكونوا قد عبدوا العجل بعد. ولكنهم قالوا بعد الميقات الأول: مادام موسى قد كلم الله، فلابد لنا أن نرى الله، وقالوا فعلًا لموسى  "أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً" 
وجاء لهم العقاب من الحق بأن رفع فوقهم الجبل كظلة تحمل التهديد كأنه قد يقع فوقهم فإمّا ان يأخذوا ما آتاهم الله بقوة وينفذوا المطلوب منهم، وإمّا أن ينطبق عليهم الجبل
"وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" الأعراف 171 وفى الآية الكريمة "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" البقرة 63
ويؤكد الدكتور ريحان أن موقع عبادة العجل بمنطقة رأس راية الحالية 8كم من مدينة طور سيناء وأن النحت فى واجهة الجبل قرب دير سانت كاترين الذى يشبه منظر العجل ويعتقد البعض أنه العجل الذى عبده بنو اسرائيل فهو نحت طبيعى شأن كل المنحوتات بجبال سيناء وأن الحقائق الدينية تشير إلى أن عبادة العجل الذهبى كانت قرب بحر وليست منطقة جبلية حيث قام نبى الله موسى بحرق هذا العجل عند عودته ونسفه فى البحر كما جاء فى سورة طه "وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا"طه 97