مشروع «مساحة».. عودة فن الحكي.. تفاصيل

مى عبدالسلام أثناء إحدى جلسات الحكى
مى عبدالسلام أثناء إحدى جلسات الحكى

كتبت: علا نافع

داخل غرفة واسعة تملؤها مشاعر الدفء، تتناثر ضحكات الحضور، لا يلقون بالًا بهمومهم أو آلامهم، يرهفون أسماعهم لحكايات متنوعة، فحضورهم جلسات الحكى يشحذ طاقتهم ويخلصهم من الاكتئاب، وفى منتصف الغرفة تجلس مى عبدالسلام، مؤسسة مشروع «مساحة» لإعادة فن الحكى لتسرد حكاياتها المختلفة.


تستدعى مى ذكريات طفولتها وماضيها، تنتقل من حكاية لأخرى بنبرة صوت مميزة هادئة، يداعب خيالها بين الحين والآخر قدماء الحكائين الذين كانوا يسردون السير التاريخية والأمثال الشعبية بأسلوب جذاب على المقاهى وفى الأزقة الضيقة، فقد حباها الله هى الأخرى بروح الفكاهة وسرعة البديهة فضلًا عن طلاقة اللسان.

مى عبدالسلام.. حكواتية تنشر هذا الفن بالمجان

ومنذ احترفت فن الحكى فى عام 2018 حتى آمنت بضرورة إحيائه مرة أخرى، ونجحت فى استقطاب أكثر من 14 حكاءً من جميع الأعمار بدءًا من 22 حتى 50 عامًا، يختارون هم أيضًا حكاياتهم النابعة إما من تجارب شخصية أو خبرات حياتية يسردونها على مسامع الحضور بشغف وترقب، يرون أن السوشيال ميديا ورتم الحياة السريعة حرم الشباب من لذة التفاعل المباشر والاستماع لفنون الحكى المختلفة.

لم تنتظر مى دعمًا رسميًا من وزارة الثقافة أو مسارح الدولة، بل قررت تنفيذ مشروعها على نفقتها الخاصة، حيث تقوم بتأجير مكان يحتضن حكاياتها لمدة ساعتين على الأقل، كما تعلن عن حفلاتها من خلال صفحة تحمل اسم مشروعها على موقع «فيسبوك»، ومؤخرًا باتت «ساقية الصاوى» مكانها الأمثل لإقامة حفلاتها الشهرية، فى ظل عدم اهتمام الأماكن الرسمية بممارسة هذا الفن.

غياب مسارح الدولة وتفشى السوشيال ميديا يهددان باندثاره

تقول مى: عشقت فن الحكى بعد أن حصلت على عدة ورش فيه بعام 2018 وأيقنت أننى أمتلك مهاراته المختلفة مثل القدرة على إطلاق القفشات المختلفة والسيطرة على الجمهور فضلًا عن ترتيب الأحداث وتسلسلها كى لا يشعر المستمع بملل أو حيرة، لكن واجهتنى صدمة كبرى حيث أنه لا توجد أى مسارح رسمية تدعم» الحكى» أو تشجعه على الرغم من أن مصر احتضنت هذا الفن منذ أكثر من 400 عام اعتمادًا على سير «أبو زيد الهلالى» وألف ليلة وليلة» والتى مازالت باقية إلى الآن، مشيرة أن الحكاء قديمًا كان يسير بالربابة ويسرد حكاياته على المقاهى وفى الشوارع وهذا ما اكتسبته الجدات والأجيال القديمة.

اقرأ أيضًا

«القوى العاملة»: نسعى لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بكافة المنشآت

وتضيف: ونتيجة لقلة أماكن الحكى بمصر خطرت ببالى فكرة إعادة إحياء هذا الفن ولإتاحة فرصة للحضور كى يعبروا عما يجول بخواطرهم من أفكار ومعتقدات، مؤكدة أن الحكى هو نوع من أنواع الفضفضة الصحية التى تساعد فى التخلص من الضغوط النفسية والاكتئاب المزمن إضافة إلى توطيد العلاقات الصحية بين الأفراد.

وحول مشروع «مساحة» تقول: يعتمد المشروع على أكثر من 14 حكاء تتباين أعمارهم السنية بدءًا من 22 حتى 50 عامًا كما أنهم ينتمون لثقافات وبيئات مختلفة وهذا يخلق حالة من التنوع والتميز فى الحكايات، ونقوم بعقد جلسات كتابية لعرض تفاصيل الحكاية والاستقرار على خطوطها العريضة أمام الجمهور إذ إن الجلسة لا تتخطى الساعتين، مضيفة أن السيدات هن الأكثر قدرة على التعبير عن تجاربهم الشخصية والغوص داخل أعماقهن البشرية مقارنة بالرجال الذين يتفوقون فى التعبير عن التجارب الحياتية.

وعن اهتمام الدولة بهذا الفن تشير إلى أنه لا يوجد أى مسارح رسمية تعطى الفرصة للحكواتية أو تدعم فنهم مقارنة بالكثير من الدول العربية مثل سوريا ودول الشام فكان لا يوجد مقهى فى دمشق إلا وبه حكواتى.

من ناحية، أخرى يقول الحكواتى أحمد منصور: تعتمد مهارة الحكى على تجسيد شخصيات الروايات بتعبيرات مختلفة سواء بتحريك اليدين أو طبقات الصوت المختلفة وهذا أقرب إلى طبيعة عمل الممثل، وقد ظهرت تلك المهنة فى مطلع القرن التاسع عشر حيث كان يسير بالربابة أو الرق ليحكى عن قصص تراثية مثل السيرة الهلالية وألف ليلة وليلة وعادة ما تكون المقاهى الشعبية هى المكان المحتضن لهم، مشيرًا إلى أن أجرته كان يتقاضاها من صاحب المقهى الذى يقرر رسوم الدخول إلى مقهاه وتناول المأكولات والمشروبات.

ويتابع: ومع انتشار الإنترنت ومواقع السوشيال ميديا بات هذا الفن مهددًا بالاندثار فالشباب باتوا يعتمدون على الدراما والفيديوهات المقتضبة، إضافة إلى أن أغلب الحكايات المنشورة على «فيسبوك» أو المنصات الأخرى مغلوطة، مؤكدًا أن الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة لا تقدم للحكواتية أى دعم أو توفر لهم المسارح كى يعرضوا عليها مواهبهم.

وعن طبيعة الجمهور يقول: تختلف أنماط الجماهير المحبة للفن فأغلبهم ينتمى لأجيال مختلفة جمعهم حب الحكى والقدرة عليه، وأغلب الموضوعات عن ذكريات مرتبطة بطقوس خاصة أو أحداث الطفولة إضافة إلى حكايات خاصة يتم تحديد خطوطها العريضة مع مدرب الورشة.

وتتفق معه الحكواتية سالى رجب: قديمًا كان الحكواتى يمارس مهنته فى الأعياد والمناسبات الخاصة كشهر رمضان والمولد النبوى فيتحلق حوله الجمهور فى المقاهى أو على بداية الطرق وغالبًا ما كان يتمتع بثقافة عالية وصوت جهورى فضلًا عن قدرته على إطلاق النكات مؤكدة أنه فى الدول العربية حاليًا يهتمون بإحياء هذا الفن خاصة بين الأطفال حتى أن نادى الشارقة للطفل بدأ فى عقد ورش تدريبية للأطفال لتعليمهم هذا الفن على عكس مصر والتى رغم كونها من أوائل الدول التى احتضنت مواهب الحكائين لكن حاليًا حكائيها معددون.