قصة من العراق اشتباه

مصطفى عارف
مصطفى عارف

بقلم : مصطفى عارف

منذ وجَّه الكاتب الصحفى الكبير خالد ميرى، رئيس التحرير، بنشر إبداعات المتميزين ونصوص الشباب الناضجة، والقصائد والقصص تنهمر على بريدنا سواء التقليدى أو الإلكترونى، ونحن نُرحِّب بها جميعًا ونعد بنشر المتميز منها فى أقرب فرصة، وهذا الأسبوع ننشر قصة للأديب مصطفى عارف من العراق الشقيق.

توقفت سيارته أمام مدرسة قديمة على الجدار الأمامى منها  قطعة خشبية متهالكة كبيرة الحجم ،وجد فى نهايتها العبارة الآتية أسست عام 1958 ، الأمطار ،وحرارة الجو  تركت آثارا واضحة ومباشرة لمن يشاهدها للوهلة الأولى ، الكلمة الأولى  ثانوية مكتوبة على القطعة  الخشبية.

وقد تلاشت  ،وانمحت الكلمة الثانية  الإخاء فقط آثار الكتابة الدالة على اسم المدرسة باقية إلى الآن  ، دخل إلى المدرسة شابا أنيقا يرتدى بدلة أنيقة يبدو عليه كأنه طبيب ، أو مهندس معمارى  فى الأربعينيات من عمره ، فى الجهة اليمنى ممر كبير فيه مجموعة من الغرف كانت الأولى غرفة المديرة عرفها من خلال القطعة التعريفية على الجدار.

داخل الغرفة مكتب كبير تتوسطه  قطعة من الألمنيوم الفاخرة كتب عليها الست فاتن صبحى المديرة ، وفى الجهة اليسرى  من الغرفة تجلس  إمرأة كبيرة السن ترتدى نظارة طبية سوداء كبيرة الحجم تاركة أثرا واضحا على أنفها الكبير ، على ميز من الخشب القديم .

وهى منشغلة بالكتابة  ،تجلس بالقرب منها فتاة شابة  تقرأ لها بصوت خافت الدرجات النهائية للطالبات، وهناك مجموعة من الهدايا ،والجوائز ، والشهادات التقديرية خلف كرسى المديرة، وفى أعلى الجدار لوحة فنية جميلة لفنان فرنسى مشهور  فيها طفلة صغيرة مبتسمة ، تحتها مباشرة قطعة من الخشب عليها أسماء مديرات المدرسة.

وبعض الطالبات  فى الممر لمراجعة المدرسات ،وإدارة المدرسة ، سمعت أصواتا عالية تطلق من الغرف المجاورة لغرفة المديرة لمدرسات شابات،  والست فاتن تجرى اتصالا هاتفيا مع احدى قريباتها تشكو من زوجة ابنها المدللة ، عمت الضوضاء المكان حتى انتبهت المديرة إلى وقوف على أمامها.

وهو يكرر السلام :- يسعد صباحك أيتها المديرة ٠ -: صباح الخير، وغلقت سماعة الهاتف بسرعة ٠ تفضل أستاذ إجلس كان جلوسه مقابل غرفة المدرسات المكتظة بالنساء الجميلات ، والحوامل ، رفع عينيه يريد الحديث ،  دخلت مدرسة شابة من الغرفة المجاورة قدمت له الحلوى.

والابتسامة تعلو محياها ، فتحت قنية العصير وهى تسكب له العصير فى قدح صغير فيه قليل من الثلج ، وعيناها تحدق فيه ، وكأنها على علم  بمجيء «علي» للمدرسة ، استغرب من الأمر أول مرة ،همست المرأة الكبيرة إلى الفتاة الشابة  وهى تنظر له من وراء نظارتها  :- هذا الرجل أنيق ، و غنى ، ووسيم وشخصيته قوية .

وإثناء حديث المديرة معه ،بدأت تدخل مجموعة من المدرسات واحدة تسأل عن الجدول وهى تلمحه بقوة ،وأخرى تطلب الإذن بالخروج  وهى تنظر له من اعلى رأسه حتى إخمص قدميه ،أخذ يطأطئ برأسه إلى الأرض ، خجلا من الموقف ، يريد الحديث مع المديرة ،:- قاطعته قائلة  اتصل بى الدكتور مروان وأخبرنى عن سبب زيارتك إلى المدرسة.

وطلبت من الجميع إخلاء غرفة المديرة ما عدا الست «رواء»  التى ظهرت عليها علامات الحياء، والخجل ،وهى تحاول أن تتحدث معه بصعوبة ،وبتردد ،وفى الغرفة المقابلة هناك تشجيع لها على الكلام.

والجرأة من خلال الإشارات ،والتلميحات التى تطلقها بعض الصديقات المقربات منها ، وبعض المدرسات تكتب لها رسائل لمواجهة الموقف ، وحل الأزمة ، جلست «رواء»  بقربه قدمت له الماء ،شكرها والعرق  يتصبب من جبينه ، خلع نظارته ،وأخذ يمسح بوجهه.

وهو لا يستطيع الكلام،  بقى الحال أكثر من ساعة وكانت لحظات عسيرة عليه ، عادت المديرة ،وبعض المدرسات  ، قائلة -: ها أستاذ نقول مبروك هل أعجبتك الست «رواء» ؟ أخذ «علي» يتمتم بداخله ٠-: أجابتها الست «نسرين» السكوت علامة الرضا، وأخذن يقبلن الست «رواء» ، - صاح «علي» بصوت عال ، يبدو الموضوع فيه اشتباه أنا جئت إلى المدرسة  لأخذ نتيجة ابنتى «نرمين»!

اقرأ أيضا | حوارات «بدراوى».. ومذكرات «غبور»