أوروبا ترفض عودة نساء داعش خوفاً من توطن الإرهاب

نساء داعش
نساء داعش

كتبـت: مى السيد 

 أبناؤنا وأحفادنا يعانون من وضع صحى صعب داخل مخيمات سجون داعش فى العراق.. يتنفسون رائحة النفط من الآبار.. يصابون بسكتات دماغية ويعانون من فشل تنفسى».. كانت تلك الكلمات آخر التحذيرات التي أطلقها أقارب وعائلات المحتجزين الفرنسيين من النساء والأطفال داخل السجون التى تسيطر عليها القوات الكردية فى العراق.. ورغم المطالبات الشعبية المستمرة والتدخلات الحقوقية، إلا أن الحكومات الأوروبية مازالت تتحسس خطواتها فى ملف نساء داعش وأطفالهن، خوفا على أمن بلدانهم.

 

منذ سقوط تنظيم الدولة الإسلامية المعروفة بداعش فى عام 2018، واكتظت السجون الكردية والعراقية بعشرات الآلاف من المقاتلين القادمين من الدول الأوروبية والعربية، وتم نقل نسائهم ووضعهم برفقة أطفالهم فى سجون أشبه بالمخيمات، أبرزها مخيم الهول الذى يأوى وحده 56 ألف شخص، غالبيتهم نساء وأطفال، بينهم نحو 10 آلاف من عائلات مقاتلى تنظيم داعش.

وقتها طالب الرئيس الأمريكى السابق ترامب الدول الأوروبية باستعادة مواطنيها الذين انضموا إلى تنظيم «داعش» وأسرتهم القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة فى سوريا والعراق، محذرًا من إطلاق سراحهم وعودتهم سرًا إلى دولهم، أما بالنسبة لأوروبا فيشكل المقاتلون الأوروبيون وعائلاتهم تهديدًا أمنيًا كبيرًا لدى دول أوروبا، وأكبر نقطة خلاف فى تحقيق التوازن بين القانون والأخلاق والأمن العام، ولا تزال دول أوروبا فى قلق وتردد من عودة هؤلاء المقاتلين، وكان من أبرز الأسباب هو أن المحاكم الوطنية قد لا تكون قادرة على مقاضاة المقاتلين بسبب نقص الأدلة فى ميدان المعركة.

فى تقرير للمركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات قدرت المفوضية الأوروبية أن أكثر من 40 ألف مقاتل انضموا إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة، ويعتقد أن 5500 منهم قدموا من أوروبا، أو ولدوا لأبوين من مواطنى الاتحاد الأوروبى، عاد 30٪ منهم، وقتل 10٪ فى مناطق القتال، والباقى إما سجين أو غير معلوم مكانه.

عدد النساء والأطفال

وقدر التقرير عدد النساء والأطفال الأوروبيين المحتجزين حاليًا داخل المعسكرات بنحو 1000 امرأة وأكثر من 2000 من الأطفال، وتعد فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا والسويد والمملكة المتحدة من بين الدول الأوروبية الرئيسية التى نشأ فيها هؤلاء المعتقلين، مشيرين إلى أن الأطفال فى المخيمات هم أقرب لقنابل موقوتة، لأنهم يمثلون النسخة المحتملة الأكثر خطرًا من التنظيم الأكثر دموية، ولديهم أسباب ودوافع نفسية واجتماعية تجعلهم أكثر عرضة لممارسة العنف، فضلا عن شعورهم بالرغبة فى الثأر لذويهم الذين قتلوا فى المعارك.

ومن أجل إعادتهم واجهت القارة الأوروبية ضغوطا شديدة من المنظمات الحقوقية والمجتمع المدنى وأٌسر المعتقلين خاصة النساء والأطفال، من بينها الأمم المتحدة التى أكدت أنه يعيش أكثر من ألفى طفل من أبناء المقاتلين الأجانب داخل سجون فى العراق، وفى ثلاثة معسكرات تابعة لقوات سوريا الديمقراطية داخل سوريا، فى ظل ظروف صعبة، محرومين فيها من التعليم أو الخدمات الأساسية، وقد احتجز معظم هؤلاء الأطفال مع أمهاتهم، ودعت المنظمة الدولية إلى ترحيل جميع الأطفال ممن هم دون سن الـ 18 فورًا، وتطوير برنامج مختص بحماية الأطفال لضمان دمجهم بشكل كامل فى بلدانهم الأصلية.

ولكن تلك الضغوطات لم تجد إلا تحركًا بطيئًا من قبل الحكومات الأوروبية وبحذر شديد، خوفا من تحول القارة العجوز إلى مركز لتفريخ المقاتلين من جديد، ويبرر المسؤولون ذلك بأن الأطفال الذين عانوا ظروفًا كهذه قد يشكلون تهديدًا أمنيًا، أو لا يمكن التأكد من جنسياتهم، ومع ذلك اتخذ عدد من البلدان خطوات فى ذلك الشأن بعد ازدياد الضغط الشعبى والعالمى.

ألمانيا

تعتبر ألمانيا هى الدولة الوحيدة فى الاتحاد الأوروبى التى تبنت استراتيجيات فيما يتعلق باحتمال عودة المقاتلين الأجانب، وتشير التقديرات الرسمية الألمانية أنه ما لا يقل عن 1150 شخصا ألمانيا غادروا لمناطق الصراعات منذ عام 2012 يقدر أن ثلثهم من الإناث، واتخذت ألمانيا خطوات سريعة فى إعادتهم.

التقارير الألمانية تشير إلى أنه تم إعادة 27 طفلا و8 أمهات من مخيم روج فى شمال شرق سوريا، حيث يتم احتجازهم وهى من أكبر عمليات العودة من نوعها حتى الآن، وتم اتهام 50% من النساء العائدات بأنهن أعضاء فى داعش واعتقلن لدى وصولهن إلى مطار فرانكفورت، وقد اتهمن جميعا بأنهن عضوات فى منظمة إرهابية أجنبية، وأكدت الحكومة أن هناك ما يقدر بنحو 61 ألمانيا مازالوا فى معسكرات بشمال سوريا، بالإضافة إلى حوالى 30 شخصًا على صلة بألمانيا. 

ورغم المخاطر التى يشكلها العائدون من داعش على أمن ألمانيا، إلا أن الحكومة تحاول التغلب على العقبات القانونية بإجراءات أمنية واجتماعية للحد من هذا الخطر، حيث تعتمد على عدة معايير للتعامل معهم منها مراجعة ملف المقاتلين الأجانب والتحقق من هويتهم ومدى تورطهم ومشاركتهم فى عمليات إرهابية فى مناطق الصراعات، وإيداع القصر من ذوى داعش بمراكز تأهيل متخصصة أو تسليمهم إلى عائلتهم.

كما تستقبل برلين المقاتلين الأجانب العائدين بإجراءات وتدابير خاصة، وعزل الأطفال عن السيدات، عند ثبوت التهم الموجهة لزوجات داعش ويخضعن لأحكام قضائية تتراوح بين 5-3 سنوات، وفى حال تبرئتهن يتم إطلاق سراحهن وتقديم برامج تأهيلية ويخضعن للمراقبة.

فرنسا

كانت فرنسا واحدة من أكبر الدول التى غادر من أبنائها الكثير للقتال فى صفوف داعش، وقالت الاستخبارات الفرنسية إنه غادر حوالى 1450 شخصا إلى سوريا والعراق، عاد حوالى  300 وانتهجت باريس، خلافًا لجيرانها الأوروبيين سياسة الإعادة بشكل شحيح، ومنذ عام 2016، أعادت فرنسا 126 طفلا من شمال سوريا، بعد اتباع نهج لكل حالة على حدة.

ولكن تعرضت الحكومة لضغط شديد من قبل أسر وأقارب السيدات المحتجزات من أجل عودتهن، كان آخرهم بيان تم نشره من قبل محامين طالبوا فيه السلطات الفرنسية بالإعادة الطارئة لعدد من المصابين بأمراض خطيرة من المحتجزين فى «مخيم روج» الذى تسيطر عليه القوات الكردية شمال شرقى سوريا.

وجاء فى البيان أن الحالة الصحية للأطفال «مقلقة للغاية»، والإعادة الطارئة إلى الوطن ضرورية، وأن حالتهم تتطلب رعاية متخصصة، ولكنهم أشاروا إلى أن الرسائل الموجهة إلى وزارة الخارجية مازالت من دون رد حتى اليوم، رغم أن  الوضع الصحى للمحتجزات مخيب للآمال، فمنهم من يتعرض للسكتة الدماغية والفشل التنفسى، ومن الضرورى إعادتهم إلى الوطن.

وأشار البيان إلى أنهم أرسلوا عشرات التنبيهات وطلبات الإعادة إلى السلطات الفرنسية خلال الصيف فيما يتعلق بالأمهات وأطفالهن، وأوضح أن هؤلاء الأطفال أمضوا ثلاث أو أربع أو خمس سنوات داخل سجون مكشوفة، يتنفسون رائحة آبار النفط ولم يحصلوا على رعاية مناسبة وكثير منهم يعانون فشلا فى الجهاز التنفسى.

ولكن بسبب الضغط الهائل من أسر السيدات الفرنسيات والذى يقدر عددهن بـ65 امرأة و170 طفلا، غيرت فرنسا من سياستها تدريجيا، وأعلنت الخارجية استعادة فرنسا فى 5 يوليو الماضى 16 امرأة تتراوح أعمارهن بين 22 و39 عاما و35 قاصرًا من بينهن 7 دون مرافقين بالغين فى أكبر مجموعة أعيدت إلى الوطن دفعة واحدة من قبل فرنسا.

وعادت 12 امرأة مع أطفالهن، بينما وافقت الـ4 الأخريات فى وقت سابق على عودة أطفالهن، وتم احتجاز 8 سيدات للاستجواب بينما جرى احتجاز 8 أخريات بموجب مذكرات توقيف، و تم إيداع الأطفال فى خدمات رعاية الطفل الملحقة بمحكمة فرساى القضائية، ورغم ذلك لا يزال حوالى 165 طفلا و 65 امرأة من الجنسية الفرنسية عالقين فى معسكرات، وحثت الأمم المتحدة الحكومة الفرنسية على اتخاذ إجراءات عاجلة لإعادة الأطفال الضحايا المتبقين، وأكدت أن الاحتجاز المطول للأطفال الضحايا فى ظروف تهدد حياتهم يرقى أيضا إلى المعاملة أو العقوبة اللا إنسانية والمهينة.

بلجيكا

وتواجه بلجيكا، مثل الدول الغربية الأخرى، تحديات كبيرة فيما يتعلق الأمر بإرث داعش، من ضمنها آلية التعامل مع المقاتلين الأجانب البلجيكيين السابقين وعائلاتهم المحتجزين فى سوريا أو العراق، وتعد بلجيكا إحدى الدول الأوروبية التى شهدت مغادرة أكبر عدد من المقاتلين بعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2012، حيث انضم أكثر من 400 بلجيكى إلى صفوف التنظيمات الجهادية، وتعتبر بلجيكا صاحبة أكبر نسبة من المقاتلين الأوروبيين مقارنة بعدد سكانها، بإرسال 41 مقاتلا من كل مليون من سكانها.

وتظهر أحدث البيانات وفقا لبروكسل تايمز فى 2022، أن هناك  ما بين 10 – 15 رجلا بلجيكيا مسجونين لدى الأكراد، و38 طفلا، و13 امرأة بلجيكية محتجزة فى المعسكرات، 9 منهن سبق إدانتهن من قبل المحاكم البلجيكية و4 مستهدفات لمذكرات توقيف دولية، جميعهن محتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية.

ومؤخرا أعلنت بلجيكا إعادة  16 طفلا و6 أمهات، وهم أفراد عائلات «جهاديين» جميعهم بلجيكيون، من مخيم فى شمال شرق سوريا يخضع لسيطرة الأكراد، وأوضحت «فرانس برس» أن بلجيكا أعادت هؤلاء الأفراد على متن طائرة تابعة لوزارة الدفاع، فيما لا يزال حوالى 150 مقاتلا بلجيكيا فى العراق وسوريا لا يعرف عن مصيرهم، وبذلك يعتبر عاد إلى بلجيكا ما لا يقل عن (130) مقاتلا بلجيكيا، وحكم على بعضهم والبعض الآخر لم يحكم عليهم.