بايدن والهروب إلى «الاتفاق النووي».. تفاصيل ما قبل انتخابات الكونجرس

مفاعل نووى إيرانى فى أصفهان
مفاعل نووى إيرانى فى أصفهان

كتب: خالد حمزة

فى تصريح لافت، قال مسؤول أمريكى لشبكة اسى إن إنب، إن إيران تخلت عن مطالب رئيسية متعلقة بالتفتيش النووى، من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووى، وإن الاتفاق الجديد لن يسمح لإيران بالحفاظ على اليورانيوم المخصب بنسبة 20 لـ60%، ما يعنى إلزامها بتخصيبه عند مستوى 3.67%، كما تمنع بنود الاتفاق طهران من تخزين أكثر من 300 كجم من اليورانيوم المخصب، وتفرض قيودًا على برنامجها النووى، وسيُجرى إزالة أجهزة الطرد المركزى المتطورة لدى إيران، وتخزينها تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما تخلت إيران رسميًا عن مطالبها، بعدم إدراج الحرس الثورى ضمن لائحة الإرهاب الأمريكية.

 

الجديد هذه المرة، أن كل الأطراف من أمريكا لأوروبا لإيران وحتى إسرائيل التى لا يشملها أى اتفاق نووى مع إيران، بعيدًا عن إبرام الاتفاق من عدمه، باتت مقتنعة أن الاتفاق إذا تم، سيكون نقطة تحول خطيرة لها فى مواجهة التغيرات الدولية الآن، وأبرزها الغزو الروسى لأوكرانيا وأزمة النفط والغاز، التى تعانى منها أمريكا وأوروبا بشكل خاص، وستزداد سوءًا مع اقتراب الشتاء المقبل، من هنا، كان الخيار المر لكل الأطراف، هو الهروب للأمام، كما تقول صحيفة اواشنطن بوستب الأمريكية، بإبرام اتفاق نووى جديد مع إيران، أو إعادة إنعاش اتفاق 2015، الذى انسحبت منه أمريكا فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، منذ نحو4 سنوات.

 

وككل اتفاق هناك مكاسب وخسائر ومخاوف، فالمكاسب السياسية الإيرانية ليست مكاسب خارجية فقط، مُتعلقة بالعلاقات مع دول الجوار أو الدول الغربية، فالتيار المحافظ فى الداخل الإيرانى، والذى خرجت عنه الحكومة الحالية برئاسة الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى، يريد تحقيق انتصار داخلى، يعزز من قوة التيار المحافظ فى الداخل، خاصة فى ظل مخاوف أنصاره، من استمرار عمليات الاغتيالات بحق علماء نوويين وعسكريين إيرانيين فى الداخل دون رد، واستمرار انتقادات التيار الإصلاحى، الذى يرجع فشل العديد من الملفات إلى الحكومة الحالية، هذا بخلاف الحركات الاحتجاجية، التى شهدتها مدن إيرانية، ومنها ما هو مرتبط بندرة المياه خاصة فى مدن الجنوب، وأزمة استمرار انقطاع الكهرباء عن مدن جنوب غرب البلاد، وإيران تحتاج إلى هذا الاتفاق، لامتصاص غضب الشارع الإيرانى، وإعادة ثقة الشعب فى الحكومة، وهو الأمر الذى يعزز من فرص إبراهيم رئيسي، فى الفوز بفترة رئاسية ثانية. 

 

أما المكاسب السياسية الخارجية، فستمكن إيران من فتح آفاق تعاون مع الدول العربية والغربية، وجذب مزيد من الاستثمار، وتدفق الأموال الذى سينتج عن رفع العقوبات، سيؤدى إلى زيادة النفوذ الإيرانى على نحو غير مسبوق بالمنطقة، ويمكن أن يرجح النفوذ الإيرانى الإضافى كفة الميزان لصالح طهران، كما ستتمكن إيران من تعزيز جهودها فى حيازة الأسلحة التقليدية، خاصة أن الحظر المفروض، يقف عند بيع أنظمة الأسلحة الرئيسية لإيران، وغير حاسم فيما يتعلق ببيع طهران لأنظمة الأسلحة الرئيسية، ولا يمنع شراء إيران لأنظمة الأسلحة الخفيفة والصغيرة أو حتى بيعها، ورغم عدم وجود عقوبات على صادرات إيران من النفط، لكن العقوبات تُفرض على من يشترى النفط الإيرانى، ولا يمكن دفع ثمن النفط الإيرانى باستخدام نظام المدفوعات العالمى سويفت، وهو لن يتحقق إلا بعد اتفاق نووى شامل.

 

 وبالنظر إلى الطاقة الإنتاجية للنفط الإيرانى، التى تقترب من 4 ملايين برميل يوميًا، وكذا الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعى التى تبلغ مليار متر مكعب يوميًا، فإن إيران ستتمكن من تحقيق مكاسب مالية كبرى، بعد التصديق على الاتفاق، خاصة أنها تملك أكثر من 1.2 تريليون برميل من النفط والغاز، وأنها قادرة على الاستفادة من تلك الاحتياطيات لمدة قرن على الأقل، حسب وكالة ابلومبيرجب الأمريكية، وهى جاهزة لإطلاق 100 مليون برميل من النفط المخزن، لبيعها بسرعة، وستحصل على مليارات الدولارات خلال الأسبوع الأول من رفع العقوبات على الحسابات البنكية، وستتحول إيرادات النفط بشكل مباشر إلى الحسابات البنكية الإيرانية.

 

واشنطن، ترى أن العودة إلى الاتفاق هو أفضل سبيل، لمنع إيران من التحول إلى قوة نووية، وإن بعض المرونة مع إيران لا يضر بايدن وإدارته، كما أن بايدن يريد تحقيق شيء يرفع أسهمه قبل الانتخابات النصفية، التى يتوقع أن يخسر معها حزبه أغلبيته فى الكونجرس، ولا يريد بايدن أن يعطى الفرصة للمنافسين، فى الانتصار عليه وعلى حزبه، أو عرقلة قراراته. 

كما يروج البيت الأبيض، لطمأنة دول الخليج العربية والمنطقة، وكذلك خفض صوت إيران فى الساحة الإقليمية، والتفرغ أكثر للصين وروسيا، وأن الرئيس الأمريكى، سيقر الاتفاق النووى مع إيران، إذا كان يخدم مصلحة الأمن القومى، بالمقابل، سهلت أوروبا التوصل إلى تلك الصيغة، وسعى الاتحاد الاوروبى عبر بوريل، الى الوقوف بقوة وراء أى اتفاق، للاستفادة من دخول إيران إلى السوق العالمية لإنتاج النفط والغاز، بما يفتح لأوروبا منفذاً جديداً للتزود بالغاز، الذى أصبح النقص فيه، يهدد بأكبر أزمة لدول أوروبا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء القادم القاسى فى دول، تعتمد أساسًا على النفط والغاز الروسى وعلى رأسها ألمانيا، ولأن إيران تتمتع بثانى أكبر احتياطى عالمى للغاز بعد روسيا، وتحظى بميزة إضافية، وهى وجود أنابيب نفط من إيران إلى تركيا، يمكنها أن تحمل بعض الغاز الإيرانى إلى أوروبا، دون الحاجة إلى محطات تسييل أو ناقلات وموانئ خاصة، ولهذا ضغطت أوروبا بكل قوتها من أجل تحقيق اتفاق ما، يتيح عودة إيران إلى سوق إنتاج وتصدير الغاز، والذى ارتفع سعره 18 مرة، خاصة مع قرار روسيا بإغلاق خط السيل الشمالى 1، ولهذا تتباطأ إيران فى مباحثات إحياء الاتفاق، للحصول على أقصى مكاسب ممكنة من الاتفاق، ولدفع أوروبا للضغط أكثر على الحليف الأمريكى لقبول الاتفاق.

 

وفى الخلفية، تبرز إسرائيل دائمًا، فرغم تأكيدات إسرائيلية بأن الادارة الأمريكية قد أخذت بمقترحاتها عند كتابة الرد الأمريكى حول الاتفاق، وأبرز تلك المقترحات ضمان عدم عودة إيران لنشاطها النووى المكثف، وتعهدات إيرانية مكتوبة بذلك، إلا أن الحكومة الإسرائيلية، تواصل الضغط على إدارة الرئيس جو بايدن، لرفض العودة إلى الاتفاق النووى المبرم مع إيران 2015، لكن يبدو أن واشنطن ستتجاهل دعوات تل أبيب هذه المرة، طبقاً لمصالحها بالمقام الأول.

 

وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق، نفتالى بينيت بايدن، بعدم التوقيع على الاتفاق مع إيران، وبعدم الاستسلام للمطالب الإيرانية، وأشار بينيت إلى أن الاتفاق الجديد إذا تم إبرامه، سيسمح بإرسال نحو ربع تريليون دولار إلى خزائن إيران ووكلائها بالمنطقة، وبالتالى زيادة التوتر فى المنطقة، خاصة فى سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، وبما سيمكنها من تطوير وتركيب وتشغيل أجهزة الطرد المركزى، دون أى قيود فى خلال عامين فقط، وقال إن إسرائيل باعتبارها ليست طرفًا فى الاتفاق، فهى لا تلتزم بأى من القيود الواردة فيه، وستستخدم جميع الأدوات المتاحة لديها، لمنع التقدم فى البرنامج النووى الإيرانى أو توسع إيران فى برنامجها الصاروخى المُثير للجدل، الذى يتطور يومًا بعد يوم، بعيدًا عن أى اتفاق نووى، لن يتضمنه بأى حال من الأحوال.