حسين حمودة يكتب: أزمنة اللقاء.. أماكن مقاربة لروايات نجيب محفوظ

حسين حمودة يكتب :أزمنة اللقاء..  أماكن اللقاء مقاربة لروايات نجيب محفوظ
حسين حمودة يكتب :أزمنة اللقاء.. أماكن اللقاء مقاربة لروايات نجيب محفوظ

فى بعض روايات محفوظ يقع اللقاء على نقطة متأخرة فى مسار العمل الروائى، بما يجعله «مركز ثقل مرجأ» فى الرواية؛ حيث ببلوغه ترتسم ملامح ذروة فنية ما، أو تكتمل بلورة مغزى أخلاقى أو اجتماعى

يشير «اللقاء» إلى تقاطع عوالم الشخصيات، على اختلافاتها وتنوعها، فى نقطة زمنية ومكانية واحدة. ويمكن مع اللقاءات أن تتقارب أو أن تتصادم المصائر المختلفة

فى (ميرامار) و (المرايا) يعدّ مكان اللقاء وزمنه التناول المحوري الذى تتأسس خلاله وقائع الروايتين، ويتجسد به وفيه العالم الروائى لكل منهما

1
يمثل «اللقاء»، بأزمنته وبأماكنه، عنصرا مهما فى عدد من روايات نجيب محفوظ، ويمثل التناول الأساسى فى روايتين من بينها، على الأقل.
يشير «اللقاء» إلى تقاطع عوالم الشخصيات، على اختلافاتها وتنوعها، فى نقطة زمنية ومكانية واحدة. ويمكن مع اللقاءات أن تتقارب أو أن تتصادم المصائر المختلفة.

وموضوع اللقاء، في صياغة الناقد ميخائيل باختين لأبعاده ووظائفه، موضوع عام فى الأدب وفى مجالات الثقافة كلها، بل فى مختلف دوائر الحياة. وتتباين اللقاءات على مستوى أنواعها (اللقاء الأول ـ اللقاء العابر ـ اللقاء الحاسم.. إلخ)، كما تتباين على مستوى أدوارها فى العمل الروائى (إذ يمكن تأسيس أو عدم تأسيس وقائع مهمة عليها، أو يمكن جعلها فاتحة لوقائع أو لتحولات فى الوقائع أو نهاية أو تتويجا لوقائع أو.. إلخ).

ويترتب على هذا تعدد أشكال توظيف اللقاءات فى الأعمال القصصية والروائية، فضلا عن أن موضوع اللقاء يختلف بين عمل روائى وآخر من حيث الكيفيات الفنية التى يتم تجسيده بها.
لا ينفصل، فى أى لقاء، التحديد الزمنى عن التحديد المكانى.

وقد يكون اللقاء معطى فى حالة سلب أو نفى: «لم يلتقيا لأنهما لم يتواجدا فى وقت واحد فى مكان واحد، أو لأنهما كانا موجودين فى وقت ما فى مكانين مختلفين». ولموضوع اللقاء صلة بموضوعات أخرى تجمعها به التحديدات المكانية والزمانية، مثل: الفراق، الهرب، الرحيل، الفقدان، الزواج.. إلخ.


نتوقف هنا عند الأوجه الرئيسية لـ«اللقاء» فى مجموعة من روايات نجيب محفوظ، ونستكشف مثوله بنائيا فيها، سواء على مستوى جزئى فى عدد من الروايات لعب فيها اللقاء أدوارا مهمة، أو على مستوى غير جزئى فى روايتين («ميرامار» و«المرايا») كان للقاء فيهما الحضور الأساسى. 


2- يمثل اللقاء فى رواية (العائش فى الحقيقة) «تيمة» مهمة تنبنى عليها فصول الرواية جميعا. فكل فصل من فصول هذه الرواية يتأسس على لقاء يتم بين الراوى الأول وشخصية تقوم داخل الفصل بدور الراوى؛ فتقدم من منظورها معالم صلتها بـ«اخناتون».

محور التناول فى الرواية، وبذلك تكشف ـ من ناحية ـ «جانبا» من جوانب «الحقيقة» التى يبحث عنها راوى الرواية الأول، مري مون، وتستكشف ـ من ناحية أخرى ـ بعدا من أبعاد «الحقيقة» التى عايشها اخناتون، وعاش يبحث عنها. 


وفى رواية ليالى ألف ليلة) ينطلق كل فصل من فصول الرواية، باستثناء فصلين تمهيديين، من نقطة بعينها، تتمثل فى لقاء يتحقق فى زمان ومكان محددين.


فى روايات أخرى لنجيب محفوظ قد ينبني على اللقاء فصلٌ واحد أو فصلان، فحسب، من فصول الرواية جميعا. من ذلك، مثلا، فصل «الحب والقضبان» (الحكاية الثالثة من «ملحمة الحرافيش») الذى ينبنى على لقاء «رضوانة» و«خضر»، وهو لقاء يجسد وقائع الأنثى الراغبة  فى أخ زوجها، وتعففه، بما يستتبع ذلك من الكيد له ثم رحيله بعيدا.

ومن ذلك أيضا الفصل الأول فى رواية (بداية ونهاية) الذى ينبنى على لقاء ناظر المدرسة والتلميذين حسين وحسنين، وإخبارهما بموت أبيهما الذى سيكون مؤثرا فى حياتهما التالية وفي فصول الرواية كلها.


وفى بعض روايات محفوظ يقع اللقاء على نقطة متأخرة فى مسار العمل الروائى، بما يجعله «مركز ثقل مرجأ» فى الرواية؛ حيث ببلوغه ترتسم ملامح ذروة فنية ما، أو تكتمل بلورة مغزى أخلاقى أو اجتماعى ما (خصوصا فى أعمال محفوظ المبكرة التى كانت تحتفى بمثل هذا المغزى)، أو يتجسد فعل أخير من سلسلة الأفعال التى تمثل النقاط الحاسمة فى وقائع الرواية كلها. 


قد يتخذ اللقاء فى البناء الروائى شكلا مغايرا؛ إذ ينبنى عالم الرواية لا على لقاء فعليّ وإنما على عدم اكتماله. فى (رحلة ابن فطومة) وفى (الحب تحت المطر) وفى (حضرة المحترم)  يتأسس جزء من الوقائع الروائية على عدم اكتمال علاقةٍ لم يتح لها النجاح أو الاستمرار، بين قنديل محمد العنابى و«حليمة» فى الرواية الأولى.

وبين مرزوق أنور وعليات فى الرواية الثانية، وبين عثمان بيومى وإحسان فى الرواية الثالثة. وقريبا من هذا المنحى نجد لقاءات لم تتنامَ، وقد كان من الممكن فى حالة تناميها أو استمرارها أن يتغير مسار الشخصية ويختلف مصيرها (ومن أمثلة هذا النوع من اللقاءات لقاء سعيد مهران ونور ـ رواية «اللص والكلاب».

ولقاء عيسى الدباغ وخطيبته سلوى ـ رواية «السمان والخريف»، ولقاء صابر الرحيمى وإلهام ـ رواية «الطريق»، ولقاء حسنين وبهية ـ رواية «بداية ونهاية»).


وقد لا تستمر هذه العلاقة بسبب أن الموت أو الرحيل قد غيّب أحد طرفيها (وهذا قائم فى روايات: «خان الخليلى» ـ رشدى ونوال، و«الثلاثية»ـ عائشة وزوجها، و«الحرافيش» ـ جلال وقمر).

أما اللقاء المأمول، غير المتحقق، الذى يمثل الحضور الأساسى فى التناول الروائي،  فمثاله الأوضح رواية (الطريق)، التى تنهض على سعى «صابر» المتصل، دون جدوى، إلى لقاء أبيه الحاضر/الغائب، المعروف/المجهول.

الوقائع التى تنمو عقب لقاء فى اتجاه بعينه، قد تسهم فى صياغة ما يشبه «انعطافات» فى حيوات بعض الشخصيات، مما يجعل كل لقاء من هذه اللقاءات بمثابة علامة حاسمة على «تحول» الشخصية من طريق مألوف كانت تمضى فيه إلى طريق مغاير.

ومن مصير كانت تتوقعه أو تترقبه إلى مصير مختلف. فى هذا المنحى يمكن ملاحظة لقاء عمر الحمزاوى وأحد الموكّلين (رواية «الشحاذ»)، ولقاء نفيسة وسلمان جابر للمرة الأولى (رواية «بداية ونهاية»)، ولقاء صابر وكريمة (رواية «الطريق»)، ولقاء شمس الدين وسنية السمرى (رواية «الحرافيش»)، ولقاء مرزوق والمخرج السينمائى محمد رشوان (رواية «الحب تحت المطر»)، ولقاء عثمان بيومى والمدير العام ـ أو بالأحرى لقاء عثمان بيومى و«حجرة» المدير العام ـ (رواية «حضرة المحترم»)، ولقاء أدهم وأميمة (رواية «أولاد حارتنا»)، ولقاء عباس كرم يونس و«تحية» (رواية «أفراح القبة»)، ولقاء جعفر الراوى ورمانة، زوجته الأولى، ثم لقائه وهدى صدّيق زوجته الثانية (رواية «قلب الليل»). فى كل لقاء من هذه اللقاءات تنعطف الشخصية عن طريقها الذى كانت تمضى فيه قبل اللقاء لتخوض تجربة جديدة تمضى بها فى اتجاه مغاير .


3- أما فى (ميرامار) و (المرايا) يعدّ مكان اللقاء وزمنه التناول المحوري الذى تتأسس خلاله وقائع الروايتين، ويتجسد به وفيه العالم الروائى لكل منهما.

تنهض (ميرامار) على تناول خاص، يمثّل فيه التعدد، المستند إلى نوع من جدل الانفصال/الاتصال، بعدا أساسيا من أبعاد الرواية، ابتداء من تعدد الرواة الذين يقصّون، فيما يقصون، أحداثا واحدة تقريبا، من وجهات نظر متباينة.

ومرورا بكثير من التفاصيل التى تجسد تجارب مختلفة فى أزمنة متنوعة وأماكن عدة، خاضتها وتخوضها الشخصيات المحورية بالرواية. لكن وحدة المكان، المرتبطة بالبنسيون، واهب الرواية عنوانها.

ووحدة الزمان التى جمعت بين شخصيات الرواية خلال عدد من اللقاءات بأوقات محددة، تضعان هذا التعدد إزاء ما يوحّد أطرافه وما يباعد بينها، فى آن، أو تضعان عالم الرواية إزاء ما يجمع أبعاده وإزاء ما يؤكد تناقضاته، فى الوقت نفسه. 


يجمع البنسيون، فى أماكن اللقاء الممكنة (المدخل، مائدة الطعام، الصالة، المصعد) بين شخصيات ساكنيه، وتفرّق فيما بينهم جدران حجراته التى تنغلق كل واحدة على قاطنها. وفى نقاط الالتقاء والافتراق، جميعا، يتنامى أمامنا عالم/عوالم هذه الشخصيات داخل البنسيون وخارجه، فى زمن أحداث الرواية الراهن القصير، وأيضا فى أزمنة الوقائع الممتدة التى ينفتح عليها هذا الزمن.


تنافر الشخصيات مطروح فى الرواية أمام ما يبرزه ويجلوه. فى هذه الوجهة نلحظ إشارات كثيرة تجسد اختلافات شتى بين الشخصيات التى تم اختيارها لتعبّر عما يشبه التمثيلات للعالم الخارجى والانتماءات المتباينة فيه. 


يفارق بين هذه الشخصيات ما يفارق، غير أنها تجتمع، وإن لم تنصهر، فى أماكن وأزمنة لقاء بعينها. فالبنسيون الذى يجمع بداخله بين هذه الشخصيات، يسمح لكل منها، مع ذلك، بأن توغل فى توحدها وانفصالها. وعلى الرغم من أن اختيار بعض الشخصيات هذا البنسيون الصغير للإقامة فيه يتصل بأسباب مختلفة: البحث عن «جو عائلى» ما (عامر وجدى).

أو الرغبة فى الائتناس بالآخرين وتجنب و«حشة الشقق المؤجّرة» (منصور باهى)، أو النزوع للانتماء إلى «أسرة واحدة» (حسنى علام)، فإن حياة الشخصيات الفعلية داخل البنسيون لا تحقق شيئا من هذه الأسباب؛ فحجرات هذا البنسيون تشبه «قواقع»، تنغلق على ساكنيها فى أغلب الأوقات، خصوصا فى زمن الشتاء الذى يحيط بأحداث الرواية.

والذى يشهد، فى بعض أيامه، «شدة البرد وثورة الرياح وانهلال المطر»؛ يقول عامر وجدى: «كانت أياما فظيعة فانطوينا على أنفسنا فى الحجرات، ولكن الجو لم يكفّ عن مهاجمتنا فى قواقعنا». 


داخل البنسيون، وخارج قواقع حجراته، تلتقى شخصيات نزلائه فى نقاط تقاطع زمنى/مكانى محددة: مائدة الإفطار، والطرقة، والصالة، والمصعد، وإن لم تكن هذه النقاط، باستثناء مائدة الإفطار، مرتبطة بأوقات ثابتة يتحقق اللقاء خلالها.

وبجانب هذه النقاط هناك «المدخل» الذى يمثل ملتقى ثابتا لأغلب اللقاءات بالرواية، فيه كنبة الأبنوس تحت تمثال العذراء حيث تستقبل ماريانا نزلاءها وتقضى معظم وقتها، وفيه «مجلس الأصيل» اليوميّ أيضا. والملاحظ أن هذا المدخل، بدوره، يخضع للقانون ذاته الذى تخضع له علاقات الشخصيات جميعا فى الرواية: التجاور مع الانفصال، أو التقارب دون انصهار حقيقى. إن المجلس الذى يجمع فى هذا المدخل بين من يجمع، يباعد أيضا بين من يباعد. 


4- أما فى (المرايا)، فتمتد أزمنة اللقاء وأماكنه عبر فترة زمنية طويلة، تقطعها رحلة الراوى المتكلم من الطفولة إلى الكهولة، خلال أماكن شتى، تترامى عبر القاهرة والإسكندرية.

وإن برز من بين هذه الأماكن عدد محدود من المفردات الثابتة، أهمها «العباسبة» «أيام أن كانت حقولا»، ثم مكانان متمثلان فى صالونين ثقافيين، عرفهما الراوى.

وتردد إليهما كثيرا فى الماضى ولا يزال يتردد إليهما «حتى اليوم» ـ فى زمن الرواية الراهن. وخلال هذه المفردات جميعا، الثابت منها وغير الثابت، تعرض الرواية لحشد كبير من الشخصيات التى عرفها الراوى، أو ارتبط بها وارتبطت به، خلال هذه الصلة أو تلك.

وهذه الشخصيات جميعا تلتقى فى نقاط مكانية وزمنية محددة، لتفترق مرة أخرى، فى شبكة معقدة تنبنى على نوع من المراوحة بين المركزية والتبعثر. كما أن تناول هذه الشخصيات، بالرواية، يخضع لتنظيم ألف بائي تعاد خلاله صياغة التراتب الزمنى والمكانى فى حيوات تلك الشخصيات وفى علاقتها بالراوى أو علاقة الراوى بها. 


مع العباسية التى انتمى إليها الراوى طفلا، والتى كثيرا ما تستعاد ملامحها فى عهد قديم لها، هناك صالون «الدكتور ماهر عبد الكريم» وصالون «جاد أبو العلا» ومكتب «سالم جبر»، وكلها مفردات زمنية ومكانية أساسية متكررة بالرواية. 


وإلى جانب هذه المفردات، التى تتم خلالها لقاءات الراوى وشخصيات الرواية، هناك عدد من أماكن وأزمنة اللقاء الأخرى التى تمثل نقاط تماسّ عابر بين الراوى وهذه الشخصيات. من هذه النقاط ما يرتبط بلقاءات متوقعة تحدث خلال أوقات قصيرة، أو بلقاءات غير متوقعة، تتمّ مصادفة،  بشكل عرضى. 


من اللقاءات المتوقعة التى تعقد فى أماكن وأزمنة محددة، يقول الراوى، مثلا: «كان التليفون واسطة التعارف بين أمانى محمد وبينى ... وتم اللقاء فى استراحة الهرم فى أواخر ربيع عام 1965»، «وقالت [ثريا رأفت]: ليكن يوم الاثنين، العاشرة صباحا، بحديقة الحيوان»، «وفى مساء الأربعاء من كل أسبوع ـ فى العطلة السنوية ـ كان يدعونا إلى بيته ... حيث يقام ذكر فى الفناء».


ومن اللقاءات التى تحدث «مصادفة» خلال نقاط زمانية مكانية يتقاطع خلالها طريق الراوى وطريق الشخصية، نجد إشارات عدة: «فى صيف ذلك العام قابلت الدكتور... فى كازينو الأنفوشى بالإسكندرية»، «فى يوم من عام 1953 صادفته أمام الباب الأخضر بحى الحسين»، «التقينا مرة أخرى ونحن سائران إلى الكلية فتصافحنا»، «ومر على ذلك عشرون عاما حتى لقيت عبده مصادفة فى ميدان التحرير»، «حتى التقيت به مصادفة فى كازينو حديقة الأزبكية عام 1960».


يلتقى الراوى بالشخصيات التى يلتقيها، سواء باتفاق أو مصادفة، لقاءات متقطّعة، تشى ـ بمنطق الرسوم الانطباعية ـ ببعض معالم مختزلة فى صلة الراوى بهذه الشخصيات، من جهة، وببعض ملامح من قسمات دالة على عوالم تلك الشخصيات، من جهة أخرى. ففى هذه الرواية ليس هناك تناول مفصّل لحياة أى شخصية خارج ما يراه الراوى منها وما يعلمه عنها، وأغلب ما يراه أو ما يعلمه مقترن بهذه اللقاءات التى تجمعه وإياها، باتفاق أو بمصادفة.


 خلال نزوع سردي «سيرى بيوجرافى» ينطلق منه الراوي، خصوصا فيما يسوقه عن الشخصيات التى عرفها لفترة طويلة، قد تمتد من الطفولة إلى الكهولة، تلوح مفردات بعينها تختزل الزمن الطويل.

وكلها تمثل «محطات» فى رحلة أو فى سيرة هذا الراوى وتلك الشخصيات. فبجانب اللهو والتجارب الأولى فى بعض أماكن «العباسية» فى زمنها القديم، هناك «فناء المدرسة» الذى يمثل ساحة التقاء مقترنة بسنوات باكرة من الأعمار.

وفى هذا الفناء يتجاور دائما اللهو واللعب مع بدايات تشكّل الوعى السياسى، ثم هناك «بيت الدعارة» الذى يمثل لعدد من الشخصيات مفردة تختزل تجربة الانتقال من الطفولة إلى المراهقة، أو التحول من عالم البراءة الغفل إلى عالم الرجولة.

وهناك مفردة متنوعة الأشكال، تمثل انتقالا آخر نحو الاستقرار والجنس المنظَّم، وتتمثل فى حفل الزواج، ثم هناك، أخيرا، مفردة متنوعة الأوجه تومئ إلى تجربة المرض أو الموت.


تجتاز الشخصيات والراوى هذه الأماكن وتنتقل بينها خلال الزمن الذى يمضى، والذى يلوح فى الرواية عنصرا أساسيا فى صياغة تجارب الجميع؛ لا بمعناه الماثل فى «الثلاثية»؛ حيث بدت تغيرات الزمن مقرونة بحس الفجيعة وبحس تجاوزها، معا؛ أى مقرونة بما يأتى به الزمن من آلام وبما يجلبه من نسيان وسلوى.

فى آن (الأمر الذي يجعل من هذا الزمن سمّا وترياقا معا)، ولا بمعناه الذى يمكن ملاحظته فى رواية (قشتمر)؛ حيث «يسمعنا الزمن صلصلة عجلاته» بوضوح.. وإنما بمعنى آخر يجعل الزمن هنا أشبه بـ«مصفاة» تمر خلالها، بانسياب وبهدوء، تجارب الشخصيات والراوى.

وتتبقّى منها ذكريات تلك اللقاءات التى نسجت شبكة الروابط بينهم جميعا. فقط يبقى من هذه اللقاءات تلك الصور التي لا تزال حاضرة فى ذاكرة ترنو الآن، في زمن جديد، إلى ذاتها فى «مرايا» أولئك الذين التقتهم عبر مسار حياتها السابق، كما ترنو أيضا إلى هؤلاء في مرآة ذاتها.

اقرأ أيضا | أمينة النقاش تكتب: فى حوار نادر نجيب محفوظ: أدين الإرهاب لا المنجزات فى ثورة يوليو