مسلسل ‏Mo.. كوميديا فلسطينية ساخرة في بلاد المهجر

مسلسل ‏Mo
مسلسل ‏Mo

محمد كمال يكتب :

يظهر تأثير الحياة في بلاد المهجر لفترة طويلة خلال مرحلة عمرية محددة أو تجربة حياتية مؤقتة في حياة الأبناء، وتأتي تلك الفترة مليئة بالريبة والتناقضات وطرح الأسئلة والتي تشبه نقطة منتصف الطريق في حياة الشاب أو الفتاة، وقبلها تكون الحياة بشكل وإطار، ومن بعدها تأتي حتمية وجود قرار تكون مثل اللحظة الفارقة لتقرير مصير المستقبل، وهذا ما ارتكز عليه المسلسل الأمريكي الجنسية والفلسطيني الهوية “Mo”، الذي بدأ عرضه مؤخرا على منصة نتفلكس، ويتكون من 8 حلقات.

بعد الهروب إلى بلاد المهجر، يرضخ الأآباء إلى قواعد تلك البلاد الجديدة بقواعدها وقوانينها، حيث يدخلون عجلة الحياة التي تدور بهم، لكن تظل داخلهم العادات والتقاليد والموروثات التي تحصنوا بها في بلادهم الأصلية، وأغلبهم يحرص أن يرسخ تلك الموروثوات في أبنائه منذ الصغر، لهذا في مرحلة عمرية معينة - عند الكبر - يقع الأبناء من الجيل الأول في هذا المأزق النفسي، مضطرين للإلتزام بقواعد بلاد المهجر أو الحفاظ على الموروثات، ويبقى عليهم أن يقرروا كيف سيكملون حياتهم؟

 هذه الأعمال تكون في مقدمة الأعمال مشاهدة وفي مواضع سهام النقد والتقييم الذي يكون شديد التحفظ والقسوة غالبا في حالة السير عكس السائد.

لم يبال بكل هذا الممثل الأمريكي ذو الأصول الفلسطينية محمد عامر، الشهير باسم “مو”، وقرر أن يقدم قصة حياته في مسلسل من إنتاج “نتفلكس” تحت اسم “Mo”، في البداية كان الاعتقاد بأن اختيار الاسم جاء من خلال شهرة اللاعب المصري محمد صلاح، لكن بعد ذلك كان الاكتشاف أن “مو” تعد سيرة ذاتية شخصية لمحمد عامر نفسه، وفي نفس الوقت هي حكاية واحدة ضمن سلسلة حكايات كثيرة عن الفلسطينيين والهجرة وحياة المهجر بالنسبة لهم، وظهر عامر من قبل بنفس الاسم في مسلسل “رامي” عام 2020، الذي أنتجته منصة “هولو”، ونظرا لأن عامر في الأصل ستاند أب كوميدي، لهذا اختار أن يطرح قضيته وقصة حياته في قالب كوميدي خفيف يسخر فيه من كل شيء حوله، حتى من نفسه وأسرته وأصدقائه ووطنه الأصلي وبلد المهجر.

يبدأ المسلسل بطرد “مو” من عمله بمتجر الهواتف المحمولة بعد وصول غرامات متعددة من محكمة الهجرة ضد صاحب المتجر المصري عبد الرحمن - قدم باسم يوسف دوره كضيف شرف - لأن “مو” لا يملك أي أوراق ثبوتية، حيث أن قضية الهجرة التي قدمتها أسرته منذ ما يقرب من 20 عاما لم يتم الفصل فيها، وغير مصرح له بالعمل قانونيا، مما يجعل المحكمة تلاحقه وتطارده دائما، لهذا “مو” يتجه للعمل بشكل مؤقت لبيع الساعات والإكسسوارات المزيفة في “شنطة” سيارته، حتى يجد عمل أساسي آخر، والمسلسل لا يرتكز على حدث جلل تتغير من خلاله الدراما، فنحن أمام حياة “مو” وأسرته وحبيبته وأصدقائه فقط.

وبالعودة إلى تأثير الهجرة على الجيل الأول من الأبناء نجد أنفسنا أمام 3 نماذج، الأول الشقيقة الكبرى “نادية” التي قررت التمرد على العائلة والتقاليد والموروثات وإقدامها على الزواج من رجل كندي أمريكي بهدف الحصول على الجنسية وترك الأسرة والحياة في ولاية أخرى وانقطاع الصلة مع الأم تحديدا التي رفضت الموقف كليا، والنموذج الثاني الشقيق الأكبر “سمير” الذي يعاني من أحد أنواع التوحد، وليس له موقف محدد تجاه الأمر، فهو يعطي معظم اهتمامه لعمله في المطعم والقط واكتشاف الطيور.

النموذج الثالث - وهو على النقيض من “نادية” - كان “مو” نفسه، الذي يمسك العصا من المنتصف، فهو لم يختار الهرب والتمرد، ولم ينحاز للموروثات، وهو النموذج الأكثر شيوعا الذي وقع في فخ الارتباك بين قصة حبه مع “ماريا” الفتاة المكسيكية المسيحية، وبين رغبة والدته في أن يتزوج إمرأة عربية مسلمة، والمشكلة الحقيقية لم تكن في والدته أو في حبيبته بقدر ما كانت في “مو” نفسه، رغم أنه لم يكن متدينا.

الأزمة الثانية – التي لا تقل في أهميتها عن الأولى لدى الشعوب في المهجر – هي التأثر بموروثات أصيلة تكتسب من الموطن الأم، على غرار موروث “إخفاء المرض” عند الصينيين، نجد أن العرب - وتحديدا الفلسطينيين - نقلوا معهم إلى بلاد المهجر أمرين، الأول عشق زيت الزيتون، والثاني - وهو الأهم - إخفاء الأسرار على المقربين بهدف حمايتهم، وهو أمر يتنافى مع مبادئ بلاد المهجر، حيث يعتبروه عدم إهتمام أو إحترام، رغم أن الهدف في الموروث العربي شديد النبل.

ويعد إخفاء الأسرار نهج أصيل تتبعه أسرة “مو” بداية من والده الذي نجده أخفى عنهم حقيقة عمله وضبابية مستقبلهم في أمريكا، وأيضا الأم “يسرا نجار” التي أخفت عن أبنائها حقيقة تعذيب زوجها في الكويت، والمحامية العربية “موداد” التي تتولى القضية منذ أعوام والتي تخفي تفاصيلها الدقيقة عن “مو” تحديدا، حتى “مو” نفسه ترتكز حياته على الاخفاء، فقد أخفى عن والدته طرده من العمل، وأيضا تعمده اخفاء عدة أسرار عن “ماريا” التي بدأت بحكم خلفيتها المكسيكية وتربيتها في أمريكا تتذمر من هذا الأمر، وتبعد أكثر عن “مو”.

يبدأ المسلسل بمشهدين سريعين شديدا القرب من ما نشاهده في الأفلام الفلسطينية، والتي تصور هناك، الأول عندما  يقف “مو” بسيارته أمام جدار يشبه الجدار العازل في أمر أعتقد أنه مقصود رغم أن المسلسل لم يصور في فلسطين، والثاني مشهد حركة الكاميرا من أسفل لأعلى هذا الجدار حتى تظهر المدينة الكبيرة من الخلف وهو مشهد كلاسيكي في السينما الفلسطينية للتعبير عن الفارق الكبير بين جهتي الجدار العازل الذي يقسم الحال إلى مكان فقير مظلم قذر وآخر فخم كبير تزينه الأبراج العالية.

في هذين المشهدين يقول لنا “مو” الحقيقي أن قصة حياته في المهجر ليست بمعزل عن نظيرتها في الموطن الأصلي، رغم أنه لم يزر فلسطين من قبل، وفي مسلسل - أمريكي الصنع - ينتقد الحلم الأمريكي الذي خدع الأمريكان أنفسهم، لكنه خدع أيضا الفلسطينيون بشكل خاص والعرب بشكل عام الذين أصبحوا الضحايا الأوائل لوهم هذا الحلم الذي سيطر عليهم لأعوام.

قدمت الممثلة الفلسطينية فرح بسيسو أداء مذهل في تقديم شخصية “يسرا نجار” والدة “مو”، والتي قدمت بإقتدار كل المشاعر الداخلية لشخصية الأم التي تعيش في المهجر والتحولات التي حدثت في شخصيتها على مدار أعوام، ونفس الأمر الممثل المصري الأصل عمر علبة الذي نجح بتمييز في تقديم دور “سمير” شقيق “مو” الذي يعاني من التوحد، بالإضافة إلى الأداء الكوميدي الرائع من محمد نجار “مو” في تقديم خلطة كوميدية تحتوي على جوانب إنسانية ومفارقات سياسية ودينية طريفة من خلال السخرية من الحلم الأمريكي ومن العرب أنفسهم والحياة داخل مجتمعاتهم الضيقة في بلاد المهجر.