کـنت أکـتب الشعـر لأراه منسـوخاً بخـط أبى أصدرنا مجلة لندوِّن أدوارنا فى الشطرنج

‎حسن عبد الموجود يكتب: منتصر القفاش عن الصبا وأحلام التسعينيات ووصايا الأساتذة

‎حسن عبد الموجود يكتب : منتصر القفاش عن الصبا وأحلام التسعينيات ووصايا الأساتذة
‎حسن عبد الموجود يكتب : منتصر القفاش عن الصبا وأحلام التسعينيات ووصايا الأساتذة

شمس الدين الحجاجى درَّس لنا أعمال الطيب صالح وعبد الصبور وإدريس

يحيى حقى نشر قصة بدون اسم مؤلفها ووصفها بأنها «وعرة».. وإدوار الخراط قال لى: كان يقصدنى

بدر الديب استطاع إقامة حوار بين الأسئلة الفلسفية ونصوصه الشعرية والسردية

حسنى سليمان لم يُشعرنا بأنه أكبر منا سناً.. ولديه تجربة عميقة تهيَّب من كتابتها

خيرى دومة شخص يشجع على الفضفضة.. وحسنى حسن ناقد يستحق الالتفات

محاوراتى مع مصطفى ذكرى بعد منتصف الليل تصلح أن تكون كتابًا

وائل فاروق أكثر من يبدع فى قراءة أعمالى.. ومى التلمسانى قارئة مخطوطاتى الأولى

لست ممن يتعاملون بحزن  أو مأساوية مع مرور الزمن 

 ينظر منتصر القفاش خلفه فيشعر  بالرضا عن أشياء فعلها وأخرى يتمنى لو يعود به العمر حتى يُغيِّر منها. تهجم عليه الذكريات بشكل مباغت فى كثير من الأوقات، سواء كان يجلس بمفرده أو مع آخرين، وهذه الذكريات تدفعه للتفكير بشكل دائم فى الماضى، كيف كان وكيف أصبح. وقد صارت هذه الذكريات المباغتة مادة لمجموعته الجديدة «بصورة مفاجئة» التى ستصدر قريباً. 


حينما فتح منتصر القفاش عينيه على الحياة وجد نفسه فى بيت يمتلئ بالكتب. كان لدى الأب مكتبة تضم كتباً تراثية، بعضها فى متناول يديه دائماً، مثل تفاسير القرآن والحديث و«البيان والتبيين» للجاحظ و«طبقات الشعراء» لابن قتيبة، بالإضافة إلى كتب الرواد العقاد والمازنى ومصطفى صادق الرافعى. يتذكر منتصر كذلك أعداد مجلتى «الرسالة» و«الرواية» اللتين أصدرهما أحمد حسن الزيات، وقد جمعهما الأب فى مجلدات، إذ كان يعشق تجليد ما لديه من كتب ومجلات بنفسه.


وكانت لدى الأب كذلك قدرة على حفظ الشعر العربى القديم، وكثيراً ما شرح لمنتصر أبياتاً يرددها. وحينما ينسى بيتاً أو شطراً يظل مشغولاً بمحاولة تذكره وما إن يستعيده حتى يقوله بصوت عالٍ، فرحاً بأن ذاكرته بخير. 

عثر منتصر على رسالة كتبها الأب لصديقه، وضمَّن منتصر عدة جمل منها فى مجموعته الجميلة «السرائر»: «ولكن أيها الأخ الكريم هناك مُزاحِمٌ تصرَّف بشدة مكر وتمكَّن بالحيلة من تدبير وشاية بين والدى ووالدها. اتسعت بعدها شُقَّة الخلاف وكنا نحن ضحية هذه الثورة التى زاد فى حبكها أن ذلك المُزاحم كان يعمل من وراء ستار». يعقِّب منتصر: «تفاصيل كثيرة استلهمتُها من حياة أبى.

وفى هذه الرسالة يشرح لصديقه كيف استطاع شخص التسبب فى قطيعة بينه وبين أسرة فتاة كاد أن يتزوجها. وقد عثرتُ على نسخة بالكربون من الرسالة وغيرها من رسائله الأخرى فى أحد أجزاء «لسان العرب»، وابتسم أبى حينما قرأ القصة لكنه لم يستغرق كعادته فى حكى ذكريات عن هذه الفترة أو فى التعليق على القصة، بل استغرق فى قراءة الرسالة بعد أن ظل يبحث عنها طويلاً»، أما الأخ الأكبر مجدى فكان مهتماً بالشعر الحديث خاصة نزار قبانى. وكانت لديه كراسات يكتب فيها بخط يده – وهذه عادة ورثها عن الأب - قصائد يحبها من شعر نزار. وحرص على أن يجمع صور شاعره المفضل من الصحف والمجلات.

 

ويضمها إلى مختاراته المؤرخة بتواريخ نسْخه لها. حفظ مجدى الكثير من قصائد نزار بالذات، ورددها على أنها الشعر الحقيقى فى مواجهة ما يردده الأب من شعر عربى قديم. يقول منتصر: «أخى مجدى حدَّث المكتبة بأعمال جديدة لمصطفى محمود ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، بالإضافة إلى شرائه أسبوعياً مجلة روز اليوسف» و«صباح الخير» التى كان يرأس مجلس إدارتها عبد الرحمن الشرقاوى.

 

وكان توجهها يسارياً فى هذا الوقت، ويكتب فيها حسن حافظ وفتحى غانم وكامل زهيرى ويبدع فيها رسامو الكاريكاتير العظام حجازى وبهجت عثمان. أحببت أعمال صلاح الليثى بخطوطها المتداخلة التى تجعلها أشبه بإسكتشات مرسومة بسرعة وبدون تعليق غالباً، أو بتعليق من كلمة أو كلمتين. وجزء رئيسى من مكتبة مجدى شرائط الكاسيت لأغانى جيمس براون وديمس روسس وفرقة أبا وفرقة الجيتس. والشرائط التى يجمع فيها مختاراته من الأغانى التى يحبها». 

ينصب الفاعل ويرفع المفعول

بسبب أبيه وأخيه بدأ منتصر بكتابة الشعر. كتب مقطوعات قصيرة عن حب الوطن أو عن الحب بشكل عام. وشجَّعه رد فعل أبيه على الاستمرار. إذ استحسن ما يسمعه وكان يصحح الأخطاء اللغوية بطريقة لطيفة دون أن يغضب من نصبه الفاعل أو رفعه المفعول، لكن أكثر ما أثَّر فى منتصر لحظة مفاجأة الأب له وقد نسخ عدداً من تلك المقطوعات بخط يده، وكأنه يؤكد اهتمامه بشعره: «ظللتُ فترة لا أكتب الشعر إلا لأراه مكتوباً بخط أبى».


ذات يوم اختار «حسن» أحد زملاء منتصر فى المدرسة الإعدادية سطوراً من شعره الوطنى بالعامية وغنَّاها فى طابور الصباح، لم يحضر منتصر الطابور يومها وظلَّ فى الفصل من شدة القلق، وحتى مع ارتفاع صوت التصفيق بعد انتهاء الغناء ظل خائفاً من رد فعل الطلاب وتعليقاتهم، كانوا يسألونه: هل أنت صاحب هذا الشعر أم أبوك؟ أما حسن فلم يكن سعيداً تماماً، فقد كان يأمل فى سماع صيحات الطلاب بـ«تانى تانى» فيعيد غناء الأغنية كما يحدث فى حفلات أم كلثوم وعبد الحليم. 


يعود منتصر إلى شقيقه مجدى: «علَّمنى لعبة الشطرنج، فسيطرت على حياتى فى المرحلة الإعدادية والثانوية. ولم تمنعنا الدراسة من تنظيم دورات شطرنجية فى بيت صديقنا مصطفى محروس. كان ميدان اللعب هو الدور الأرضى المخصص لاستقبال الضيوف، وفى وقت الإجازات يظل اللعب إلى ما بعد منتصف الليل. تعرفنا معاً على كتب عبد الرحمن محفوظ الضخمة واستعرناها من مكتبة عامة بشارع البحر الأعظم بالجيزة، وكانت زاخرة بتحليلات لأشهر مباريات بطولات العالم فى الشطرنج، كما تعلمنا منها كيفية كتابة أدوار الشطرنج، وكتبنا العديد من أدوارنا كما لو كانت أدواراً تاريخية، على أمل أن نعود لدراستها وتحليلها كما يفعل محفوظ، لكننا ظللنا نؤجل الأمر، إذ كان لعب دور جديد أكثر متعة». 


فى أحد الأيام قرروا إصدار مجلة، على أن ينشروا فى كل عدد أحد أدوارهم، وحتى تكون مجلة تهمُّ شريحة كبيرة من القراء أضافوا أخباراً فنية وكاريكاتيراً ومعلوماتٍ مفيدة، ونسخوا المجلة بخط اليد. أسأله كيف وزعتم المجلة؟ فيقول: «كنا نخرج معاً ونتمشى فى شوارع العمرانية بالجيزة ومنطقة قاعة سيد درويش، ونفاضل بين العابرين حتى يقع اختيارنا على شخص نوقفه، ونُجرى معه حواراً للعدد القادم، ثم نهديه نسخة من المجلة، مع كتابة عنوان المراسلة وهو عنوان بيتى، على أمل أن يرسل لنا رأيه أو موضوعاً يحب أن ينشره. وهذا لم يحدث أبداً». 

أحلام فترة الجامعة

عالم جديد انفتح فى كلية الآداب جامعة القاهرة. كانوا دفعة محظوظة إلى حد كبير، حيث درَّس لهم عبد المحسن طه بدر ونصر حامد أبو زيد وعبد المنعم تليمة ويوسف خليف وشمس الدين الحجاجى، وسيد البحراوى الذى لم يكن قد حصل على الدكتوراه بعدُ وكان الأقرب للجميع سناً، واهتم منذ السنة الأولى بمناقشة قصائد وقصص الطلاب.

أما عبد المحسن طه فحرص دائماً على التدريس لطلاب السنة الأولى والرابعة لرغبته فى استقبالهم فى البداية، وفتح عيونهم ووعيهم على آراء ووجهات نظر مختلفة عن السائد فى الإعلام الرسمى، وتوديعهم فى النهاية مشجعاً على أن يكون لهم دور فى المجتمع. 


فوجئ منتصر فى السنة الأولى بأن الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجى سيدرِّس لهم رواية الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» وديوان صلاح عبد الصبور «أحلام الفارس القديم» ومجموعة يوسف إدريس «لغة الآى آى»، وكان سبب المفاجأة أن السنة الأولى مخصصة للأدب العربى القديم خاصة ما يُسمى بالعصر الجاهلى والإسلامى: «كما كانت المفاجأة سارة لأنها قرَّبت المسافة بين ما أحب قراءته وما أدرسه». 

ينتقل بنا الحديث تلقائياً إلى أستاذ آخر لمنتصر القفاش. كان اللقاء الأول بإدوار الخراط فى 1986 عام تخرجه فى كلية الآداب جامعة القاهرة. ذهب إليه لإجراء حوار معه بصحبة ناصر الحلوانى ومحمد حسان والسيد فاروق رزق وصفاء الطوخى «الممثلة» وهم أصدقاء يحبون كتابة القصة.

وقرروا إصدار مجلة ماستر باسم «قصة» لم يصدر منها سوى عدد وحيد، بغلاف من إهداء الفنان الكبير بهجت عثمان. كان الملف الرئيسى فيها عن «القصة القصيدة» وهو المصطلح الذى أطلقه إدوار الخراط على النصوص الأخيرة ليحيى الطاهر عبد الله. نشروا حوارين مع إدوار الخراط وسيد البحراوى حتى يقدموا رؤيتين مختلفتين للمصطلح، وكان سبب اختيارهم للقصة القصيدة رغبتهم فى التركيز على تلك القصة التى تتحرر من الشكل التقليدى ولا تعتمد على الحدث بشكل أساسى، وإعجاباً منهم بأعمال يحيى الطاهر خاصة فى مجموعته «الرقصة المباحة».

ظنوا أن الحوار سيكون سريعاً وموجزاً، لكن الكاتب الكبير استرسل بحماس، كعادته التى عرفوها بعد ذلك، وأحضر أعمال يحيى الكاملة ليستشهد بفقرات من قصصه، وقدم قراءته النقدية لبعضها، كأنه يجرى حواراً مع مجلة راسخة وليست مجلة ماستر لم تر الوجود بعد، ولم يقابل من سيصدرونها من قبل، وفيما بعد شكل هذا الحوار معظم الفصل المخصص ليحيى الطاهر عبد الله فى كتاب الخراط «الكتابة عبر النوعية». 


بعد هذا اللقاء الأول بسنوات كتب إدوار دراسة «آليات القصة القصيدة» التى نُشرت فى مجلة «فصول» عن المجموعة الأولى لناصر الحلوانى «مدائن البدء» ومجموعة منتصر «نسيج الأسماء» التى لم تكن قد نُشرت فى كتاب بعدُ، وأشار فى الهوامش إلى قصص لديه نسخة خطية منها، أو إلى مجلات نُشرت فيها قصص أخرى مثل مجلة «إبداع» حينما كان يرأس تحريرها الدكتور عبد القادر القط. كانت عادة إدوار الأثيرة أن يجمع أعمال الكتَّاب سواء المخطوطة أو ما يقصها من المجلات والجرائد ويودعها فى ملف يخص كل منهم. يرجع إليه عندما يكتب دراسة عنه أو عن جيله. 

حكاية إدوار الخراط ويحيى حقى

فى مقاله «أنشودة للبساطة» يحكى يحيى حقى عن تجربته مع قصة لأحد المؤلفين ويصفها بأنها «وعرة»، ويقول إنه واجه مشقة بالغة فى قراءتها، ورغم معاناته قرر نشر القصة كأنه يتيح للقارئ التعامل مع كتابة مختلفة رغم صعوبتها. يقول منتصر: «نشرتُ مقالاً بعنوان «القصة النقدية» أتأمل فيه «أنشودة للبساطة».

وطريقة يحيى حقى فى الكتابة النقدية. لم أعرف على الإطلاق أن القصة تخص إدوار الخراط. بعد نشر مقالى اتصل بى إدوار وسألنى: هل تعرف من صاحب هذه القصة؟! فقلت: لا أعرف، ولم أنشغل بهذا بل ظننت أنه نموذج تخيله حقى. فصدمنى بأنه صاحبها، ضحك إدوار ضحكة طويلة وأخبرنى أن هناك محاوراتٍ طويلةً ودية وهادئة جمعته بحقى حول طبيعة الكتابة. وحينما جمع إدوار مقالاته فى كتاب سمَّاه «أنشودة للكثافة» كأنه يحاور عنوان يحيى حقى الشهير».

المشروب الرسمى لجلسات الأربعاء

كان المشروب الرسمى أيام الأربعاء فى بيت إدوار هو الشاى. الجلسات كانت على فيض الكريم. بمعنى أنه لم يكن هناك ترتيب معين لما سيحدث خلال اليوم. من الممكن أن يقرأ أحدهم قصيدة أو قصة، فيُصغى إدوار بانتباه، ثم يقول انطباعه حولها. إدوار نفسه كان يقرأ أحياناً نصاً جديداً له، لم يُنشر بعد، ويطلب رأيهم. كان يبدو شديد الاهتمام بما يقولونه، وأغلبه يدور حول الكلمات المعجمية التى يحبُّ استخدامها بدون تردد مادامت هى الأدق والأكثر تعبيراً عما يريده. 


وفى أحد لقاءات الأربعاء فى بيت إدوار التقى منتصر ببدر الديب: «عندما أتذكر بدر الديب أراه وهو يتحدث عن كتاب قرأه أو ما زال يقرأه، ولا يكون الحديث عن أفكار فهمها من الكتاب وانتهى الأمر، بل عن أسئلة أثارتها قراءته وما زال يفكر فيها، وتدفعه غالباً إلى البحث عن كتب أخرى مرتبطة بهذا الكتاب، فالقراءة بالنسبة له ليست مجرد اطلاع على المكتوب بل رحلة تُغيِّر من القارئ بقدر ما يضيف إليها».


أثناء ترجمة بدر الديب لكتاب «الوجود والموت» التى استغرقت منه سنوات طويلة كان يرجع إلى مصادر اعتمد عليها الكتاب. زاره منتصر أثناءها فوجده مستغرقا فى إعادة قراءة أعمال هايدجر حتى يستطيع كتابة هوامش أضافها إلى الكتاب ويطمئن إلى وضوح ترجمته ولم يكن هذا ـ فقط ـ مجرد حرص على أن يكون أميناً ودقيقاً إلى أبعد حد ممكن فى الترجمة، بل لأن الكتب أو النصوص التى اختارها ليترجمها كانت تلبى ضرورة معرفية ملحة بالنسبة له.

وتمثل جزءاً من حواره الدائم مع أسئلة فلسفية تؤرقه: «ما زالت هناك نصوص ترجمها لم تر النور بعدُ. فى مرة قال لى إنه أثناء كتابته لـ«أوراق زمردة أيوب» التى نُشرت أول مرة فى كتابه «حديث شخصي» ترجم قصائد عديدة لإميلى ديكنسون استعان ببعضها فى الرواية لكن أغلبها لم ينشر حتى الآن، وتاهت منه أثناء نقله من مكان لمكان، وتمنى أن يعثر عليها لنشرها.


يرى منتصر أن بدر الديب من أهم الكتَّاب الذين استطاعوا إقامة حوار بين الأسئلة الفلسفية ونصوصه الشعرية والسردية وربما يكون هذا هو السبب فى تأخر نشر كتاب «حرف الحاء» أكثر من أربعين سنة. كل من اقترب من بدر الديب عرف أن هذا الانشغال الفلسفى كان تجربة أصيلة لديه لا يقتصر إظهارها على كتاباته.

وروايته «إجازة تفرغ» تكشف بصورة نادرة فى الرواية العربية إشكاليات الفنان فى واقع مأزوم، أو الذى يعانى من حالة «الحصر» ويدفع الثمن نتيجة تفرد رؤاه، كما حدث مع بطله الفنان التشكيلى حسن عبد السلام الذى يعمل رساماً فى إحدى المجلات القاهرية ثم يقرر أن يقوم بإجازة تفرغ.

ويسافر إلى الإسكندرية ليعيد التفكير فى حياته وعلاقاته مع المحيطين به، ويتأمل المشاكل التى تواجهه فى عمله الفنى: «استطاع بدر الديب من خلال هذه الشخصية أن يطرح أسئلة حول المجتمع المصرى فى فترة حرب الاستنزاف، وربط بين مجتمع محاصر ومأزوم وحصار الفنان بأسئلته وذكرياته بحيث صار الاثنان وجهين لعملة واحدة، كما استطاع أن يطرح الكثير من الأسئلة المرتبطة بالعلاقة بين الفن والوجود وفى الوقت نفسه كشف عن تأملات عميقة فى «الكوميديا الإلهية» لدانتى وكتاب «ألف ليلة وليلة» بشكل فلسفى عميق يندر وجوده فى سردنا العربى».

الشلة فى شرقيات

منذ الإصدارات الأولى لدار شرقيات عام 1991 اتضح أن صاحبها حسنى سليمان ينظر إلى عملية نشر الكتب نظرة مختلفة عن المعتاد والسائد وقتها. سواء من ناحية اختيار الأعمال، أو من ناحية تصميم الغلاف الذى عهد به إلى الفنان الكبير محيى الدين اللباد. يحكى منتصر: «فى بداية عام 1992 أخبرنى الراحلان الكبيران خيرى شلبى وعدلى رزق الله بأن حسنى سليمان يريد لقائى. لم يكن صدر لى سوى مجموعة قصصية واحدة هى «نسيج الأسماء».

وجدت حسنى قد قرأها كما فعل مع كتب أخرى لكتَّاب جدد ليطَّلع على تغيُّرات الكتابة وما جدَّ فيها. وكعادته قرأ بصوت عال فقرات استوقفته وعلق عليها وعلى قصص المجموعة ببساطة كاشفة عن ذوق خاص»، على مدار صداقته بحسنى سليمان تكرر هذا المشهد: لقاؤه بأصدقاء مصريين يعيشون فى السويد ويزورون القاهرة لفترة قصيرة ولا يكفون عن إبداء دهشتهم من قرار حسنى بالعودة إلى مصر بعد أكثر من عشرين عاماً عاشها فى السويد.

ووصل إلى منصب مهم فى المكتبة الوطنية بستوكهولم، ولا يستوعبون قدرته على العودة والتخلى عن كل ما حققه هناك وبدء مشروع دار «شرقيات» إذ كانت فى جهة نظرهم مغامرة غير مأمونة العواقب، بل ولمَّحوا إلى أنها ستفشل، ولم يكن حسنى يحاول أن يفلسف قراره ولا أن يخوض فى الأسباب. ويكتفى مبتسماً بردود مقتضبة ويسارع بتغيير الموضوع ليتحدث عن الكتب الجديدة التى نشرها، ويختار لهم عدداً منها ويشجعهم على قراءتها. 


لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، وبشكل تلقائى وبسيط كطبيعة شخصية حسنى صار عدد من الكتاب الشباب وقتها ممن نشروا أعمالهم الأولى فى «شرقيات» يلتقون بين حين وآخر فى الدار صباحاً، مى التلمسانى ومصطفى ذكرى وعادل عصمت وحسن حسنى ونورا أمين وحسن حماد: «حسنى كان يبدأ عمله الساعة السابعة وينهيه تقريباً الساعة الثالثة بعد الظهر، وإذا حضر إلى الدار الساعة الثامنة يعتبر نفسه تأخر أكثر من اللازم. وبسعادة يحدثك -ربما وهو يسقى النباتات فى البلكونة- عن الاستيقاظ والعمل مبكراً، وجمال القاهرة قبل الازدحام وخنقة إشارات المرور والضوضاء، وإن كان فى الوقت نفسه مستعداً للاستغراق فى الضحك بسبب أى تعليق ساخر من هؤلاء الكتَّاب المحبين للسهر حتى الفجر، والذين يصل معظمهم يومين ببعضهما دون نوم».


فى تلك اللقاءات الصباحية كان الحديث يطوف بموضوعات شتى حسب التساهيل. يتبادلون فيها الآراء حول الكتابة والكتب التى قرأوها، وأحياناً يناقشون أعمالاً قُدمت لشرقيات: «خلال كل ذلك لا تشعر بأن حسنى يتخذ مقعد الناشر خلف مكتبه الذى لم يتغير موضعه أبداً، بل تراه كأنه واحد من هؤلاء الكتاب دون أن يكتب حرفاً، ولا تحس بأنه أكبر منهم سناً، وكلما سُئل أن يكتب عن رحلته سواء فى أوروبا أو مصر كان يتهيب خوض التجربة الكتابة. ويكتفى بحكى أجزاء منها كلما سمحت الظروف فى كلمات قليلة تكثف حياة عميقة». 

أصدقاء يشجعون على الحياة والكتابة

بالنسبة للصداقة أول شىء يخطر على بال منتصر أن الصديق لا يحتاج إلى كثير من الشرح أو إلى مقدمات ليتفهم شيئاً يحكيه أو موقف تعرض له: «أشعر أن الصديق يجب أن يكون معى على الخط دائماً، يبدأ من النقطة التى تشغل بالى.

ولذلك هناك أصدقاء قد يمر وقت طويل جداً على آخر مكالمة أو لقاء بيننا، لكن حينما نتحدث يبدو وكأننا نكمل حواراً قطعناه منذ لحظات. لا نضيع الوقت فى أسئلة عن أين كنا أو لماذا اختفينا». خيرى دومة هو نموذج للصديق كما يتحدث عنه، يصفه بأنه «شخص متفهم للغاية، ترتاح حينما تتحدث معه، تستطرد أمامه فيما يخطر على بالك بدون قلق. شخص يشجع على الفضفضة». 


هناك كذلك وائل فاروق، يقول منتصر: «هو أكثر من يبدع فى قراءة أعمالى، وكثيراً ما يفاجئنى كثيراً بالطريقة التى يقرأ بها نصوصى. وائل هو أكثر من أتحاور معه فى الأدب وأحلام الكتابة، وأشجعه دائماً على أن يُصدر دراساته النقدية المهمة فى كتاب، لكنه يؤجل الأمر لإحساسه بأن هناك مزيداً من الجهد يجب أن يُبذل لإكمال هذا الكتاب».


أما مى التلمسانى فهى قارئة مخطوطاته الأولى وهو قارئ مخطوطاتها الأول. تكشف مى كثيراً من جوانب عمله وتمنحه ملحوظات شديدة الذكاء: «أنا محظوظ بها وبكل أصدقائى. هم ونس حقيقى، أعيد التعرف من خلالهم على ما أكتبه». 
يتذكر منتصر محاوراته الطويلة مع مصطفى ذكرى عبر التليفون بعد منتصف الليل خلال فترة التسعينيات: «لو جُمعت حواراتنا فى كتاب لربما فهم كثيرون آراءنا بوضوح فى الكتابة والأعمال التى نقرؤها. يمكننى أن أشبِّه مكالماتنا بورشة خاصة فى طبيعة الكتابة».


أما حسنى حسن فيصفه بأنه «أكثر صديق قادر على بلورة موقفه من كتاب يقرؤه. ورغم أنه مبدع مهم جداً لكن هو أيضاً ناقد يستحق الالتفات إلى ما كتبه من دراسات ومقالات نقدية. أتذكر كتابه عن إدوار الخراط «يقين الكتابة» فهو عمل خارج طبيعة الدراسات الأكاديمية وهو أقرب إلى تجربة قارئ متعمق فى أعمال الخراط».

لقاء مع جابر عصفور

جابر عصفور شخص مهم فى مسيرة منتصر كذلك. يقول إنه لم يكن محظوظاً بأن يُدرِّس له فى فترة الجامعة إذ كان الناقد الكبير يعمل وقتها فى الكويت. لكن العلاقة بينهما بدأت حينما رشحه صبرى حافظ ليتولى مسئولية سلسلة «الكتاب الأول» فى المجلس الأعلى للثقافة عام 94: «فاجأنى جابر بأنه قرأ كتابى «نسيج الأسماء» و«السرائر»، ومن أسباب حماسه لترشيح صبرى حافظ لى طبيعة الكتابة المغايرة التى وجدها فى المجموعتين القصصيتين، وكان يحلم بأن تقدِّم سلسلة الكتاب الأول هذه النوعية من الأعمال، وأن يكون فيها مغامرة وتجريب.

وإلى حد كبير استطاعت أن تحقق هذا الحلم وتقدم أصواتاً مهمة أثبتت وجودها بعد ذلك، وعلى سبيل المثال نشرت لأسماء رائعة، مصطفى ذكرى وأمينة زيدان وعاطف سليمان وهدى حسين ووليد الخشاب وعزمى عبد الوهاب وصادق شرشر وخالد أبو بكر، ويجب أن أشير إلى أن جابر عصفور لم يتدخل أبداً لحجب كتاب أو لتزكية آخر أبداً».

العلاقة بالمكان

تنقَّل منتصر طوال حياته من مكان إلى مكان. أبوه من محافظة الغربية لكن لظروف عمله بمصلحة الضرائب فى وزارة المالية عاش منتصر حتى سن التاسعة فى المنيا، ورغم أن هناك جزءاً أزهرياً فى تربية الأب إلا أنه لم يتردد فى إلحاقه بالمدرسة الإنجيلية، وهى مدرسة متميزة هناك. كان الأب مهتماً بشىء واحد، أن تكسب المدرسة ابنه تعليماً جيداً: «فى حصة الدين كنا نحن المسلمين نخرج من الفصل، وبدون مبالغة لم يكن هناك إحساس أبداً بأننا أقلية، انتقلنا إلى الجيزة والتحقتُ بمدرسة ابتدائية كان يحدث فيها العكس. أن يخرج الطلبة المسيحيون من الفصل، وسبَّب لى هذا استغراباً فى البداية واحتجت إلى وقت حتى استوعبت الأمر بعد ذلك». 


عاش منتصر فى العمرانية سنوات طويلة جداً. وعاصر منطقة قاعة سيد درويش حينما كانت واسعة وجميلة وغير مزدحمة بالعمارات والمبانى كما هو الحال الآن وكانت أفضل مكان لمباريات الكرة والدورات الرمضانية: «البيت الذى سكنت فيه فى العمرانية كان الملهم لقصص مجموعتى «فى مستوى النظر» التى تدور حول ساكنى الطابق الأرضى وعلاقتهم ببقية الأدوار والشارع.

كتبتُ تلك المجموعة بعد انتقالى إلى بيتنا فى حدائق حلوان المكون من عدة طوابق وجعلت مكتبى لسنوات فى الطابق الأرضى، وبالتالى كنت أسمع أصوات الأطفال وهم يلعبون ويتشاجرون وكانت كراتهم ترتطم أحياناً بشباكى، فتذكرت ما كان يجرى فى العمرانية حيث قضيت أوقاتاً طويلة فى شقة جارى ياسر فى الطابق الأرضى لنلعب الشطرنج، وبدأت كتابة أول قصة ثم تدفقت بقية القصص كأنها تنادى بعضها البعض».

يحس منتصر بمرور الزمن فى تلك اللحظات التى ينتبه فيها إلى أن بعض الحكايات والأحداث واللقاءات مر عليها أكثر من ثلاثين أو أربعين سنة، وتبدو له مع ذلك كأنها حدثت بالأمس القريب: «غالباً ما يكون هذا الإحساس دافعاً إلى عدم تأجيل أشياء أحب أن أفعلها، خاصة الكتابة. لست ممن يتعاملون بحزن أو مأساوية مع مرور الزمن بل أذكر نفسى دائماً أنه من طبائع الأمور والأفضل أن أعيش فى اليوم الحاضر، وعندما أقول «أذكِّر نفسى بهذا» فأنا أقوله لأدرب نفسى على المواجهة دائماً، وألا أسمح بتسرب مشاعر مزعجة إلى داخلى نتيجة مرور الزمن، وأحاول التعامل معها ومصاحبتها». 

زوجة شاعرة وابنان يحبان الأدب

يترقب منتصر رأى زوجته الشاعرة عبير عبد العزيز ما إن يفرغ من كتابة نص. حتى يصارحها بما يقلقه سواء كان طول فقرة أو عدم وضوح جملة أو مدى دقة كلمة، ومن خلال سماع رأيها والحوار معها يتبيَّن له إن كان القلق فى محله أم لا. استطاعت عبير أن تجعل ابنيهما يوسف وصبا يشاركانها حب الشعر، وكثيراً ما يجلسان معها وهى تختار الرسوم التى ستصاحب القصائد فى أحد دواوينها، يعلقان بعفوية على كل رسمة كأنهما مستغرقان فى لعبة: «بشكل تلقائى حاولت فى تعاملى مع يوسف وصبا أن أفكر دائماً فى أشياء كنت أحبها وأكرهها فى الكبار وأنا فى عمرهما. لذلك لم أتردد – رغم قلقى الشديد – من الموافقة على ذهاب يوسف فى رحلة مع زملائه إلى القلعة وهو لم يكمل عامه الرابع، فقد تذكرت حزنى وغضبى الشديد من عدم ذهابى إلى رحلة مدرسية فى أولى ابتدائى لخوف أبى علىَّ أن أتوه.

يوسف فاز علىَّ فى الشطرنج ذات يوم مشهود. ظل يحكى لكل الأقارب والأصدقاء كيف أننى حاولت لمدة ساعة هزيمته ولم أستطع. وما زال يذكِّرنى به بين فترة وأخرى كما لو أنه الدور الوحيد الذى لعبه فى حياته. ابنتى صبا كان عمرها ست سنوات عندما بدأت 25 يناير، وكانت وهى تلعب مع أخيها أو صديقاتها، تردد شعاراتها، لكن تلك الشعارات تحولت بمرور الوقت إلى مرادف لعبارة «تصبح على خير»، حيث كانت ترددها باتفاق مع يوسف فور تذكيرهما بضرورة أن يناما، فغداً مدرسة». 


يعتبر منتصر أن أمه هى الحكمة ذاتها. لا ينسى أبداً الابتسامة التى كانت تواجه بها الأزمات والمشاكل وتحاول أن تخفف من قلق وتوتر الناس حولها، وتقنعهم أن الحياة لن تتوقف بسبب مشكلة بل ستستمر وستأتى أوقات أفضل. كان مشهداً مألوفاً أن تأتى جارة إليها فى شقتهم بالعمرانية لتحكى لها عن مشكلة أو شىء يقلقها، وبعد حوارهما تخرج الجارة وهى فى حال أفضل وتظل تدعو لأمه بأن يديم عليها راحة البال. 

فوضى المكتبة 

مكتبته تتراوح بين مواضع منظمة فيها أعمال يحب العودة إليها دائماً، وأخرى تعمها الفوضى. قد يحتاج إلى كتاب ويعرف أنه موجود تحت أنقاض الكتب. يقضى وقتاً طويلاً فى البحث عنه، حتى يعثر عليه أحياناً، أو يزهق ويتوقف أحياناً أخرى: «أثناء التقليب أعثر على أوراق قديمة كتبتها ونسيتها مطوية داخل كتاب، أو رسائل من أصدقاء، وفى مرة عثرت على خمسة قروش ورقية، منحها لى أحد الكبار، وأنا طفل، فى عيد قديم. تركتها مكانها، فلو نقلتها إلى أى مكان جديد فستزوغ».


هناك كتَّاب لا يكف عن إعادة قراءتهم، غالباً ما ينتبه إلى أشياء فى أعمالهم لم تستوقفه فى القراءات السابقة، وكأن الأعمال لا تتوقف عن مفاجأته. كثيراً ما يكتب تعليقات أو خواطر فى هوامش الكتب، تتزايد مع كل قراءة، بحيث تبدو تأريخاً لمراحل علاقته مع تلك الكتب: «أعود إلى كتابات كافكا، وتشدنى فيها القدرة على أن تحكى غير المألوف دون أن تحتاج إلى تبريره، ودون أن تحتاج إلى تأكيدات مستمرة على أنه مفارق لما اعتدنا عليه، مثلاً وصف المحكمة فى «المحاكمة»، وملازمة المساعدين لـ«ك» حتى فى نومه فى «القلعة». لا يترك كافكا شخصياته تنعم بما تراكمه من خبرات على مدار التجربة بل يدفعها أكثر إلى ملاقاة ما لا تتوقعه، ولا تقدر على السيطرة عليه». 


وفى روايات كونديرا خاصة «الخلود» و«الجهل» يلفت انتباهه الراوى الذى يحكى وفى نفس الوقت يتتبع تأملات فلسفية تنبع من تلك الحكايات، بدون أن يتخلى أبداً عن سخرية مضمرة تهز أى يقين قد يشعر به القارئ. يعود كذلك إلى جوزيه ساراماجو، خاصة روايته «كل الأسماء» وعالم بطلها دون جوزيه، الموجود فى منطقة بين الحياة والموت، وتلفت انتباهه أن طريقة ساراماجو المشهورة، فى تضفير الحوارات بالسرد بدون فواصل، تجد مبررها القوى فى هذه الرواية. 


عبد الفتاح كيليطو لا ينشغل، كما يقول، بتقسيم تراثنا العربى إلى عصور ومذاهب ولا يكتفى بالحديث عن سمات عامة تختزل النصوص التراثية وتقضى على الحياة فيها، بل يتوقف عند تفاصيل وأحداث تبدو صغيرة ومتوارية فى كتب التراث لكنها من خلال تأملاته ومعايشته لها تبدو وكأنها ما زالت قادرة على الحياة حتى الآن. أو كما يقول كيليطو: «ما جدوى أن نشتغل على القدماء إن لم يثيروا خيالنا، وربما ابتكارنا؟».


يكتب منتصر اليوميات منذ سنوات بشكل متقطع. يقول: «فى البداية كنت أكتبها بالشكل المتعارف عليه، أسجل ما حدث لى فى يومى مع تأملات متناثرة. لكن زادت أهميتها عندى عندما بدأت أركز فيها على ما يشغلنى من أفكار أو أسئلة تخص الكتابة، ساعدتنى كتابة اليوميات على أن أتفهم كيف أكتب تجربة تبدو عادية «ملقاة على الطريق»، وفى الوقت نفسه أكتشف أن هذه العادية هى مجرد تمويه أو ستار يخفى وراءه مستويات أخرى أكثر عمقاً. تفهمت أنه من الممكن أن تكمن الغرابة داخل ما هو عادى.

ولا أقصد العجائبى أو المفارق لقوانين الواقع وإنما الذى لا نستطيع تصنيفه ووضعه فى خانة من الخانات المتعارف عليها، وشعرت أن هذه الغرابة هى التى تجعل رحلة الكتابة أكثر إمتاعاً لأنك تصل إليها من خلال مشهد عادى». 


أسأله فى النهاية: ما طموحك؟ فيقول: «لا أريد الكثير. فقط أتمنى أن تدوم تلك اللحظات التى أشعر فيها بالسعادة حينما أنتهى من كتابة نص. وأن تزيد تلك السعادة - كما يحدث غالباً - حينما أتفاجأ بظهور ما لم أتوقعه أبداً». 

اقرأ ايضا | من سينما الشعب إلى صنايعية مصر.. مبادرات لتحقيق العدالة الثقافية