موسم رمضان 2023 .. دراما السفر عبر الزمن

مسلسل الحشاشين
مسلسل الحشاشين

ريزان العرباوى

تشكل الأزمنة القديمة مادة ثرية للمبدعين وكتاب الدراما, تغازلهم لحياكة قصص تستلهم التاريخ بخيال جامح دون أن تلتزم به, وبإدراك لفاعلية الدراما فى إعادة قراءة الأمس لصالح اليوم أصبحت الأعمال التى تتكئ على الماضى لتعبر عن الحاضر برؤية مختلفة, منافسا قويا سواء كان ذلك فى الدراما التلفزيونية أو السينمائية, وطرح موضوعات مؤثرة فى حياة الناس بعيدا عن الأفكار المكررة برؤية إبداعية ترفع من قيمة العمل دون أن تصبح مكب لأزمات فكرية, لابتعادها عن المباشرة فى التقديم والاعتماد على الرموز, فأحيانا تشتمل هذه النوعية من الأعمال الفنية على اسقاطات معينة من الماضى على الحاضر للتعبير عن الواقع بمنتهى الحرية.

من خلال السطور التالية توجهنا بسؤال المبدعين وصناع الفن عن أسباب العودة للماضى وهل تعتبر تلك الزيارة بريئة أم أنها تحمل أغراض فنية أخرى ورسائل مبطنة.

بدأت ملامح الموسم الدرامى لشهر رمضان المقبل تتضح من خلال تصريحات بعض صناع الفن عن تقديم أعمال بقصص مختلفة بعضها يدور أحداثه فى أزمنة قديمة, فنسافر إلى القرن الحادى عشر من خلال قصة تاريخية تروى حقائق عن حسن الصباح وفرقة الحشاشين من خلال مسلسل “الحشاشين” والذى يجسد فيه كريم عبد العزيز دور البطولة والعمل من تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج بيتر ميمى. 

وفى ذات السياق ومن بين الأعمال التاريخية المتوقع أن تكون حاضرة في موسم رمضان المقبل أيضا مسلسل “الإمام الشافعي”, والذي تدور قصته حول قصة حياة الإمام الشافعي ورحلته إلى مصر, وتم ترشيح خالد النبوى لتجسيد دور البطولة.

كما أعلن أمير كرارة عن تقديم مسلسل من زمن قديم بعنوان “سوق الكانتو” والذى تدور أحداثه فى فترة الأربعينيات فى مصر مع المؤلف هانى سرحان.

وتعود شخصية الملك شهريار وحواديت “ألف ليلة ولية” الأسطورية من جديد, حيث أعلن ياسر جلال عن إعادة تقديمها بشكل مختلف وخوض المنافسة من خلال تجسيد شخصية “شهريار”.

فى البداية يؤكد الكاتب والسيناريست مجدى صابر على أن الأزمنة القديمة تعد منطقة ثرية للمبدعين وفضاء يسمح بتدفق الموضوعات التى تخترق الأزمنة والأمكنة وبالتالى فإن انجذاب الكتاب لها أمر طبيعى, ويستدل على نجاح هذا النمط من خلال مسلسلى “الزينى بركات وعلى الزيبق” على سبيل المثال, ويقول: “ قد يلجأ الكاتب لهذه المنطقة كوسيلة للهروب والتحايل على القيود الرقابية فى وقت من الأوقات, فالسفر عبر الأزمنة يتيح للكاتب مزيد من الحرية وقد يستخدم شخصيات الأمس كأقنعة يتخفي وراءها ليقول رأيه في الحاضر بكل حرية, وأعتقد أن معظم من قدم الأعمال التاريخية وغيرها كان من ضمن أهدافه نوعا من إسقاط الماضى على الحاضر الذى يتعذر انتقاده بشكل مباشر, فهذه الأعمال من الممكن أن تكون وسيلة لنقد حاضر فى صورة أو جزء منه فى الماضى لتشابه الأحداث فالتاريخ يعيد نفسه, كما أن التاريخ والتراث الشعبي يزخر بالقصص المشوقة التى تحرك الخيال أضف إلى ذلك أن معظم الشخصيات المحورية أو شخصية البطل فى الغالب تمتلك صفات إيجابية ومن هنا فمثل هذه الشخصيات والأعمال تلقى قبولا, لأنها تقدم عوالم غير تقليدية بعادات وتقاليد ومفردات مختلفة وأحيانا جزء منها حقيقى يأخذ ويغزل منه حواديت درامية مشوقة, وأرى أن العام القادم سيشهد عودة مبشرة للأعمال التاريخية أو التى تدور فى حقبة زمنية قديمة منها مسلسل “الحشاشين”.

ويتابع قائلا: “أسلوب الكتابة مهم جدا في أي عمل درامى ويجب أن نضع فى الاعتبار أن الكاتب الدرامي ليس مؤرخا أو جامع حكايات قديمة لأرشفتها, بل هو مبدع يمزج خياله بوقائع التاريخ, التي يختارها عن قصد, ويستخدم الماضي وشخصياته لصالح الحاضر ومستقبله, والسفر عبر الزمان ليس سهلا بل يحتاج إلى دقة متناهية فى تتبع ورصد تفاصيل الحياة والأحداث فى الزمن المراد تناوله دراميا, فإذا كانت تدور أحداث العمل قبل ألف عام مؤكد أنه يحمل تفاصيل كثيرة لا يجب إغفالها حتى يتحقق الجذب وبالتالى يصل بالمتلقى إلى درجة الإقناع, فدراسة التفاصيل من العناصر الأساسية لنجاح هذا النمط الدرامى, وبالنسبة لمرحلة التنفيذ فهى مكلفة جدا تحتاج إلى ميزانية وجهد مضاعف لاستحضار التاريخ والحدث ولها متطلبات خاصةبالملابس والإكسسوارات والمكياج والديكور”.

نوستالجيا

قدم الكاتب والسيناريست تامر حبيب عدد من الأعمال الفنية التى دارت أحداثها فى زمن قديم منها مسلسل “جراند أوتيل” ومسلسل طريقى, ويرى حبيب أن الكاتب قد يلجأ للأزمنة القديمة عندما تستهوية رواية معينة تدور أحداثها فى حقبة زمنية معينة أو لرغبته فى تقديم قصص تاريخة بمعالجات درامية مختلفة, لذلك يسافر بخياله وخيال المتلقى لأزمنة مختلفة, ويقول: “من حق كل مبدع تقديم أفكاره بالشكل الذى يراه ملائما لأهدافه من العمل لذلك قد تشكل الأزمنة القديمة حل رقابى لانتقاد أوضاع معينة فى إطار الخيال والأساطير والعصور القديمة, وهناك تفسر يرتبط بأبعاد نفسية يوضح أسباب إنجذاب الجمهور لهذا النمط الدرامى, فالجمهور أصبح يحن للمسلسلات التي تعتمد على روح زمنية قديمة, تعيد النوستالجيا والحنين للماضى ودائما ما تترك أثر رومانسى لدى الناس فطبيعى نحن لهذه الأزمنة.

ويتابع: المسلسلات التي تستعرض فترات زمنية قديمة في الدراما, تتطلب مجهودا مضاعفا ومزيدا من الدقة خاصة إذا كان العمل تاريخى أو يواكب فترة زمنية معينة لها مفراداتها الخاصة, فيتوجب على الكاتب البحث المستفيض لتفاصيل الزمن وملامح الحياة به, وعلى سبيل المثال أتذكر فى مسلسل “جراند اوتيل”عندما قالت أمينة خليل لعمرو يوسف “البقاء لله”وبصراحة لم انتبه للجملة أثناء الكتابة ووجدت تعليقات من الجمهور على السوشيال ميديا وملاحظات تخص هذه الجملة وبداية ظهورها مع ظهور الوهابيه وسفر الناس للخليج فاكتشفت فعلا أنها لم تكن مناسبة مع زمن العمل, فمراعاة الدقة التاريخية والبحث شئ مهم جدا لكل عناصر العمل ويتأكد لنا دوما أهمية الحرفة في الكتابة والإخراج والتمثيل وكل ما يتعلق بتحويل النص الكلامي إلي نص مرئي أو صور متكاملة مضيفة للنص الكلامي وليست ناسفة له وصياغته بوعى لقيمة الصورة على الشاشة لجذب أنظار وعقول المشاهدين بقوة البناء الدرامى”.

إسقاطات إنسانية

استبعد الكاتب والمؤلف محمد سليمان عبد المالك أن يكون الهدف من زيارة المبدع للماضى بغرض إسقاطات معينة أو هروب من الواقع, ويقول: “منذ أيام شكسبير كان الماضى أحد أهم مرجعيات الدراما فى المسرح الإنجليزى الذى أهتم بتناول شخصيات مهمة فى تاريخ إنجلترا مثل “ريتشارد الثانى ,ريتشارد الثالث وأيضا هاملت ,يوليوس قيصر ,انطونيو وكليوباترا وهنرى الرابع وغيرهم”  كنوع من أنواع المحاكة التاريخة, فصانع الدراما يتعامل مع الزمن والتاريخ كحكايات مروية تتناقل من زمن لآخر ويتفاعل معها الجمهور لما تتمتع به من أرضية واسعة تتيح مساحة للتخيل وتنقله لزمن لم يعاصره ,فهو السبب دون أى إسقاطات من أى نوع فالتاريخ له سحره الخاص ليس أكثر.

قيمة بصرية

وتقول الناقدة خيرية البشلاوى: “لا تقف الأساطير والروايات القديمة، وكذلك التاريخ عند حدود كونها رداء لأفكار العمل, بقدر كونها مجال يسمح بتدفق الموضوعات فى إطار الخيال فلا يحاسب الكاتب على مدى واقعية مايكتبه, لأن جزء من هذه الأعمال تعتمد على الفانتازيا والخيال والأسطورة أحيانا, فيسهل التعامل مع الواقع الشائك بحرية, وعل سبيل المثال مسلسل”جزيرة غمام” من الممكن قراءته وتفسير رموزه على أكثر من مستوى, فقد يرمز للتعاملات الدينية من خلال عرفات كذلك مناقشة القيم الإجتماعية من خلال الشيطان وغير ذلك, فتلك الحرية هى التى تغازل الكاتب المبدع وتساهم فى خلق عوالم قائمة بذاتها تحمل موضوعات وأفكار وقيم دون حساب, لأنها تبتعد عن التقديم المباش روعادة ما تعتمد على الرموز والأجواء التى أساسها الخيال الكامل,وجدير بالذكر أنها نوعية ليست سهلة بل تقتضى قيمة إنتاجية عالية لاعتمادها على مؤثرات بصرية وصوتية وعناصر فنية خاصة بالتصوير والإضاءة والمجاميع واللوكيشن كلها عناصر إن لم تكتمل وتتناغم مع بعضها بحيث تساهم فى خلق عوالم متكاملة لها روح ونبض وشخصيات خاصة بها, تفتقد التأثير المطلوب وبالتالى عزوف المشاهد.

وتضيف قائلة: يتطلب هذا النمط الدرامى كاتب ثرى ثقافيا قارئ جيد واسع المعرفة ملم بموضوعات مختلفةومطلع على أعمال كثيرة, فالقيمة الموضوعية المطعمة بالقيمة البصرية العالية جدا فى هذه الأعمال ليس أى كاتب قادرا على مزجها فلابد أن يكون محيطا بأجواء تلك الفترة حتى وإن كانت أساطير ليتمكن إعادة بعثها من جديد, فهوعالم خاص جدا له قوانيه وصفاته وشخصياته التى هى جزء وخليط من الأسطورة والخيال والواقع ومن الرمز.