نوال مصطفى تكتب: أن تحلم بكل ما أوتيت من قوة

نوال مصطفى
نوال مصطفى

أؤمن أن الأحلام الحقيقية تتحقق. أو كما قال أديبنا الرائع باولو كويلهو «عندما تحلم بكل كيانك وتعيش كل لحظة فى حياتك تفاصيل حلمك.. سوف يتآمر الكون كله لتحقيقه». هذا ما أراه وأتابعه باهتمام وإعجاب شديد لحلم شاب معجون بالحب والحماس لبلده وأهله وناسه. فكرته ولدت من رحم الأحزان. وكم من أفكار عظيمة جاءت من مخاض الألم والدموع.

محمد الجارحى.. الذى انتظر وليده الأول بفرح وترقب، صفعته الحقيقة المرة عندما جاء الولد عليلاً مريضاً بضمور فى المخ ومشاكل فى القلب. انفطر قلب الشاب الطموح المحب للحياة.. ركض يحمل طفله الرضيع طلبًا لعلاج ينقذ فلذة كبده، لكن نقص الحضانات وغرف العناية المركزة فى المستشفيات أنهكه وضاعف ألمه وحسرته على أول فرحته.

انتهت رحلة العذاب التى استمرت حوالى سنتين بوفاة الابن. تحول الوجع داخل محمد الجارحى إلى شحنة هائلة من الحماس لتغيير الأوضاع المؤسفة فى العديد من المستشفيات، خاصة فى الأرياف والمحافظات البعيدة عن العاصمة ومنها محافظة الشرقية التى ينتمى إليها.

تحول الجارحى الكاتب الصحفى، الذى كان يشغل فى ذلك الوقت منصب رئيس تحرير برنامج «مانشيت» على قناة «أون تى فى» إلى طاقة عمل وأمل تمشى على قدمين. تساءل بينه وبين نفسه: إذا كنت أنا الإعلامى الذى يملك شبكة علاقات تسهل دخول ابنى المستشفيات والحصول على حضانة أو سرير فى غرفة العناية المركزة عانيت كل هذه المعاناة التى لا أتمنى لأحد أن يعيشها، فكيف يواجه المواطن البسيط الفقير الذى لا يملك لا المال ولا العلاقات بذى الشأن.. كيف يتصرف إذا واجه ما واجهته أنا؟.

هنا ولدت فكرة تأسيس مركز طبى فى قرية الشبراوين بمحافظة الشرقية. بدأها بتغريدة على تويتر يدعو من خلالها الناس للتبرع لإنشاء هذا المركز الطبى وتزويده بالأجهزة والمعدات الطبية التى توفر الخدمة الطبية المجانية لأبناء قريته.

أقنع ٩ أطباء للعمل فى المركز الطبى مجانًا.. وبدأ فى جمع تبرعات عن طريق «تاكسى الخير». يكتب على تويتر المنطقة التى سوف ينزلها اليوم ويطلب من أهل الخير الراغبين فى المشاركة أن يقابلوه فى المسار الذى سيتوجه إليه ويجمع المال بعد أن يعطيهم إيصالا رسميا مختوما بختم وزارة التضامن المشهر عليها مؤسسته الأهلية «مستشفى ٢٥ يناير».

ولأن الأحلام الحقيقية مثل البشر تكبر وتعبر مرحلة لتدخل أخرى. وجد الجارحى أن المركز الطبى الصغير لا يلبى طموحه هو ومجموعة الشباب من أصدقائه الذين آمنوا معه بالحلم. رأوا أن الوقت قد حان لأن يتحول الحلم إلى بناء مستشفى كامل يخدم عددا أكبر من أهل قريته. تحول هو وأصدقاؤه إلى خلية نحل للبحث عن قطعة أرض يتم تخصصها لبناء المستشفى، لكن للأسف لم يتمكنوا من الحصول عليها مجانا من المحافظة. فبدأوا حملة جمع التبرعات، وشراء قطعة أرض، ثم استخراج التصاريح اللازمة للبناء. تبعتها حملات أخرى لبناء المستشفى. ثم تجهيزها بأجهزة الأشعة وغرف العمليات والحضانات وخلافه.

الحلم الذى بدأ عام ٢٠١١ بمركز طبى صغير تحول الآن إلى مستشفى كامل مكون من سبعة طوابق. الشيء الوحيد المتبقى لافتتاحه هو الحصول على ترخيص وزارة الصحة بعدما حصلوا على ترخيص نقابة الأطباء. المهم أن ندعم جميعًا الجارحى صاحب الحلم النبيل ليس فقط من أجل إتمام مستشفاه الذى يهدف لعلاج فقراء محافظته، بل المساهمة فى مصروفات التشغيل.

قلت لمحمد الجارحى: هل تعرف أن ما فعلته أنت كان حلمًا قديمًا ومتجددًا عندى؟ لولا انشغالى بقضية سجينات الفقر وأطفالهن التى استحوذت على حياتى وشغفى. لكنى الآن وبعد ما حققته أنت أشعر أن حلمى القديم قد تحقق.