فى حكايات التجلى الأعظم| خبير آثار يكشف معالم عيون موسى الحقيقية   

 معالم عيون موسى
معالم عيون موسى

في إطار استكمال حلقات "التجليات الربانية بالوادى المقدس طوى" منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر ومسار نبى الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة والذى يستعرضها خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار يكشف فى الحلقة العشرون عن معالم عيون موسى الحقيقية
"وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ" سورة الأعراف آية 160.

ويشير الدكتور ريحان إلى أن المقصود ببنى إسرائيل في الآية الكريمة هم أولاد سيدنا يعقوب وكانوا اثنى عشر ولدًا، وبهذا فإنهم لا يريدون حتى مجرد الاشتراك في الماء تحسبًا للاختلاف فيما بينهم، فجعل الحق لكل سبط أي عائلة منهم عينًا يشرب منها والحق يقول "إِذِ استسقاه قَوْمُهُ"، أى طلبوا من سيدنا موسى أن يسأل الله السقيا. 

وقصة الاستسقاء وردت من قبل في سورة البقرة آية 60 "وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ" 
ونجد في الآيتين الكريمتين تعبير انبجست وانفجرت، لأن الانبجاس يحدث أولًا ثم يتبعه الانفجار ثانيًا، فالانبجاس أن يأتى الماء قطرة قطرة ثم يأتى الانفجار وتتدفق المياه الكثيرة فكان نبى الله موسى عليه السلام أول ما يضرب الضربة تأتى وتجىء المياه قليلة ثم تنفجر بعد ذلك، إذًا فقد تكلم الحق عن المراحل التى أعقبت الضربة فى لقطات متعددة لمظهر واحد، وبذلك فإن الضربة واحدة من عصا واحدة، وكان المفترض أن تحدث هذه الضربة عينًا واحدة تنبع منها المياه، لكن الحق أرادها اثنتى عشرة عينًا وعلم كل أناس مشربهم لذلك كان لابد أن يكون المكان متسعًا. 

اقرأ ايضا :- «خبير آثار»: النبى موسى إلتقى بربه ثلاث مرات بالوادى المقدس بسيناء  

ومن أين عرف كل قسم منهم الماء الذى يخصه؟ إنها قسمة الله وصارت كل عين تجذب أصحابها، فلم يتزاحموا، وهذا يدل أيضا على التساوى، فلم تنفجر عين بماء أكثر من الأخرى فتثير الطمع بل انتظم الجميع فيما أراده الحق "قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ".

ويستكمل الدكتور ريحان رحلة بنى إسرائيل بسيناء طبقًا لنصوص التوراة ( ثم ارتحل موسى بإسرائيل من بحر سوف وخرجوا إلى برية شور فساروا ثلاثة أيام فى البرية ولم يجدوا ماء) سفر الخروج، الإصحاح الخامس عشر (ثم ارتحلوا إلى مارة ثم جاءوا إلى إيليم وكان هناك إثنتا عشر عين ماء وسبعون نخلة فنزلوا عند الماء) سفر الخروج، الإصحاح الخامس عشر – سفر العدد إصحاح 27
وبئر " مر" موقعها حاليًا شمال شرق عيون موسى الحالية 35كم من نفق أحمد حمدى بمقدار 11كم وماؤها غير صالح للشرب وتقع جنوب سفح جبل بهذا الاسم، أمّا إيليم فموقعها منطقة عيون موسى الحالية، ويتضح من هذا أن هناك 12 عين ماء تفجرت لبنى إسرائيل حين استبد بهم العطش بعد قطع مسافة كبيرة من موقع عبورهم عند رأس خليج السويس حتى موقع العيون الحالى 35كم وذلك بعد نفاذ كل المياه المحمولة من بداية الرحلة، وكانت العيون بعدد أسباط بنى إسرائيل 
(ثم ارتحلوا من إيليم وأتى كل جماعة بنى إسرائيل إلى برية صين التى بين إيليم وسيناء فى اليوم الخامس عشر من الشهر الثانى بعد خروجهم من أرض مصر) سفر الخروج، الإصحاح السادس عشر – سفر العدد إصحاح 1،.


(ثم ارتحل كل جماعة بنى إسرائيل من برية سين بحسب مراحلهم على موجب أمر الرب ونزلوا فى رفيديم ولم يكن ماء ليشرب الشعب، فخاصم الشعب موسى وقالوا أعطونا ماء لنشرب فقال لهم موسى لماذا تخاصموننى لماذا تجربون الرب) سفر الخروج الإصحاح السابع عشر – سفر العدد إصحاح 1- 2.

وأشار الدكتور ريحان إلى أن العيون التى تم تطويرها وافتتاح أعمال التطوير فى فبراير 2018 بالتعاون بين وزارتى الآثار والسياحة في ذلك الوقت هى العيون الإثنى عشرة التى تفجرت لنبى الله موسى، وأن الدراسات الحديثة التى قام بها فيليب مايرسون أكدت أن المنطقة من السويس حتى عيون موسى منطقة قاحلة جدًا وجافة مما يؤكد أن بنى إسرائيل استبد بهم العطش بعد مرورهم كل هذه المنطقة حتى تفجرت لهم العيون وكان عددها 12 عين بعدد أسباط بنى إسرائيل، ولقد وصف الرّحالة الذين زاروا سيناء فى القرنين 18، 19م هذه العيون ومنهم ريتشارد بوكوك الذى وصف أربعة عيون واضحة ومياهها صالحة للشرب وقد تغطت باقى العيون بالرمال ووصف أشجار النخيل بالمنطقة.


وأردف الدكتور ريحان بأن ما تم تطويره سبعة عيون والمتبقى خمسة عيون وقد كانت جميعها مياه عذبة تتزود منها قوافل الحج المسيحى والإسلامى، وكان هناك ميناء على خليج السويس قرب عيون موسى استغله العثمانيون وتجار البندقية (فينيسيا) عام 1538م أيام السلطان العثمانى سليمان الثانى وقاموا بإنشاء قناة لنقل المياه من عيون موسى إلى مراكبهم بالميناء، كما كان الميناء محجرًا صحيًا للحجاج القادمين عبر خليج السويس من ميناء السويس، ونظرًا لاعتدال مناخها فقد كان لكبار الشخصيات بالسويس منازل للتصييف بمنطقة عيون موسى.

وقد قام إخصائى الترميم أحمد كمال عبد اللطيف مدير عام ترميم آثار ومتاحف جنوب سيناء السابق وكان المشرف على أعمال الترميم بتحليل عينة من المياه الجوفية من أحد عيون موسى بمركز بحوث وصيانة الآثار بقطاع المشروعات بوزارة الآثار في ذلك الوقت وذلك بعد تنظيف الآبار حتى الوصول إلى المياه الجوفية بعمق يتراواح من 6 إلى 8م وارتفاع المياه الجوفية نفسها من 60 إلى 70سم،والتي أكدت صحة ما توصل إليه الدكتور ريحان في دراساته لرحلة خروج بنى إسرائيل بأن مياه عيون موسى الأصلية مياه عذبة وصالحة للشرب للبشر حيث أكدت التحاليل أن مياه الآبار التى أقيمت على عيون موسى عذبة وتصلح للاستخدام الآدمى والزراعى وغيرها وقد كان أهل المنطقة يستخدمون هذه المياه للشرب قبل مشروع الترميم.

كما تم التعرف على نوعية الأحجار المستخدمة فى بناء الآبار عبر العصور التاريخية المختلفة وهى الأحجار الرسوبية أو المرجانية التى تحتوى على مركبات الكالسيوم ومخلفات الطرح البحرى من مخلفات مرجانية وقواقع وغيرها وهى أحجار شديدة الصلابة وغير منتظمة الحدود الخارجية وقد استخدمت هذه الأحجار فى مبانى تل الكيلانى بالمنطقة الأثرية موقع ميناء الطور القديم وميناء دهب البحرى وأسوار جزيرة فرعون بطابا .

وقد تقدم الدكتور ريحان عام 2013 بمشروع أثرى علمى بالاشتراك مع الدكتور صفى الدين متولى نائب رئيس مركز بحوث الصحراء والمتخصص فى الطاقة الجديدة والمتجددة والاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية يتمثل في الكشف عن كل عيون موسى الإتنى عشرة ويفترض أن كل عين من عيون موسى ممتدة حتى الصخور النارية فى باطن الأرض ولها تركيب خاص بها مثل عين  زمزم يتم كشفها بواسطة صور الأقمار الصناعية ذات درجات الوضوح العالى مثل سبوت الفرنسى وكويك  بيرد الأمريكى وقياسات المغناطيسية لتحديد امتداد عيون موسى وباقى العيون والقياسات الكهربية ثنائية وثلاثية الأبعاد والقياسات السيزمية الضحلة وقياسات الرادار الأرضى ذات التردد العالى  كما يتضمن هذا المشروع الكشف عن مسار خروج بنى إسرائيل عبر جنوب سيناء، وعرض تكلفة المشروع في ذلك الوقت مليون دولار فقط، ورغم إعلان الدكتور ريحان لتفاصيل المشروع في عدة مواقع إخبارية ليصل إلى المكاتب الإعلامية للوزارات المعنية ولكن لم يتحرك أحد حتى بالاستفسار عن طبيعة المشروع .

ويعيد الدكتور ريحان في ظل وجود حكومة واعية ومدركة تحرص على استثمار كل الطاقات والمقومات السياحية بمصر وترحب بكل الأفكار البنّاءة التي تحرص على السمو في إعلاء شأن مصر في كل المجالات عرض المشروع على الدكتور أحمد عيسى وزير السياحة والآثار متضمنًا أهمية عيون موسى الدينية والتاريخية والأثرية والسياحية ودورها الحيوى في إحياء مسار نبى الله موسى بسيناء لتكتمل منظومة الدولة بتوجيهات من القيادة السياسية بإحياء السياحة الروحية والمسارات المباركة في مصر مثل مسار العائلة المقدسة ومشروع التجلى الأعظم كملتقى للأديان والثقافات والحضارات ومسار آل البيت وتطوير القاهرة التاريخية.