العراق.. استمرار معركة «تكسر العظام» بين المكونات السياسية

الأزمة العراقية
الأزمة العراقية

أسماء حجاج

يعاني العراق حالة انسداد سياسي وأزمة معقدة تمتد إلى١٠ أشهر منذ إجراء الانتخابات النيابية أكتوبر الماضي سببها الاختلافات بين الطوائف وكذلك الانقسامات داخل الطائفة الواحدة ولعل أشدها انقسام البيت الشيعى، أدت إلى الفشل فى تسمية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتطورات الأوضاع فى الأيام الأخيرة إلى حد التظاهر مما قد يدخل البلاد إلى نفق مظلم إلا فى حالة أن يرتفع صوت العقل ويتم الحوار والتوافق بين الطوائف المختلفة حتى يتم تشكيل حكومة ترفع العبء عن كاهل المواطن العراقى فى ظل الأزمة السياسية. بدأت الأزمة بعد فوز التيار الصدرى بأغلبية برلمانية نجح بعدها فى انتخاب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسى من خلال التحالف الثلاثى الذى يضم الكتلة الصدرية «شيعى» و الحزب الديمقراطى الكردستانى «كردى»  وتحالف السيادة «سنى» لكنه فشل فى انتخاب رئيس الجمهورية و تشكيل الحكومة وذلك لأن اختيار الرئيس يتطلب حضور ثلثى أعضاء البرلمان والسبب هو «الثلث المعطل» الذى يشمل الإطار التنسيقى (أحزاب شيعية مدعومة من إيران) ومعه الاتحاد الوطنى الكردستانى والمستقلون.  ومنذ عام ٢٠٠٥ جرى العرف على أن يذهب منصب رئيس الجمهورية إلى القوى الكردية ومنصب رئيس الوزراء إلى الشيعة ومنصب رئيس مجلس النواب إلى السنة، كما جرى اتفاق غير مكتوب بين الحزبين الكردديين الرئيسيين «الديمقراطى الكردستانى» و «الاتحاد الوطنى الكردستانى» على أن يتولى الأول منصب رئيس اقليم كردستان ويأخذ الثانى منصب رئيس الجمهورية، لكن مع برهم صالح كان الاتفاق بين الحزبين قد تزعزع لسببين أولهما تداعيات أزمة استفتاء اقليم كردستان عام ٢٠١٧ التى عمقت خلافات الطرفين و ثانيمها موقف مسعود بارزانى «الديمقراطى الكردستانى» الشخصى من برهم صالح «الاتحاد الكردستانى» و رفضه التجديد له.

وعلى الرغم من تمسك مقتدى الصدر زعيم التيار الصدرى بتشكيل حكومة أغلبية وليست توافقية  وذلك لأنه يرفض التحالف مع من وصفهم بـ»الفسدة» فإنه فشل فى ذلك لمقاطعة «الإطار التنسيقى» لجلسات اختيار الرئيس و تمسكه بأن يكون له وزارات فى الحكومة، و هو ما جعل زعيم التيار الصدرى ينسحب ويعطى الفرصة للإطار التنسيقى للتفاوض مع جميع الكتل لتشكيل حكومة وطنية خلال ٤٠ يوما قائلا: سأنتقل إلى صفوف المعارضة الوطنية.
وفى يونيو الماضى طرح الإطار التنسيقى محمد شياع السودانى مرشحا لرئاسة الحكومة وهو ما رفضه أنصار التيار الصدرى وأعلنوا استقالتهم وبعدها اقتحموا مجلس النواب ودخلوا فى اعتصام مفتوح إلى حين تحقيق المطالب التى تتضمن  حل القضاء للبرلمان واجراء انتخابات مبكرة فى موعد أقصاه الأسبوع الجارى، و هى دعوة رحب بها حيدر العبادى رئيس ائتلاف النصر المنضوى تحت الإطار التنسيقى، وهادى العامرى رئيس تحالف «الفتح» وخميس الخنجر رئيس تحالف السيادة «سنة» ، فيما عبرت باقى الأحزاب عن ترحيبها بكل المبادرات التى تنهى حالة الانسداد السياسى وتسهم فى حل الأزمة، و من جانبه قال نورى المالكى زعيم كتلة «دولة القانون» و خصم الصدر على الساحة السياسية «ان الحوارات الجادة التى نأمل منها حسم الخلافات  وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح تبدأ بالعودة إلى الدستور والمؤسسات الدستورية». و فى نفس السياق ، دعا 12 حزبا وحركة سياسية عراقية مستقلة تمثل «قوى التغيير الديمقراطية» إلى حل البرلمان الحالى وإجراء انتخابات برلمانية جديدة بإشراف الأمم المتحدة، و يرى خبراء أن الإطار التنسيقى لا يعارض اجراء انتخابات ولكنها تحاول فرض ضغوط على الصدر لفرض رؤيتها حول إدارة الفترة الانتقالية. 

و فى تطور جديد دخل «الإطار التنسيقى» الجمعة الماضية فى اعتصام مفتوح خارج المنطقة الخضراء و أصدر بيانا تضمن عدة مطالب منها الإسراع بتشكيل حكومة خدمية وطنية كاملة الصلاحيات وفق السياقات الدستورية، لإعادة هيبة الدولة ومعالجة مشاكل المواطن العراقى، و مطالبة القوى السياسية، وخصوصا الكردية منها، بالتعجيل فى حسم مرشح رئاسة الجمهورية، وتكليف مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الوزراء، وإنهاء كل ما يعيق الإسراع بحسم الموضوع، وأعلن البيان دعم هذه القوى للقضاء العراقى ورفض أى تجاوز عليه، كما طالب البيان رئيس مجلس النواب بإنهاء تعليق العمل والتحرك الفاعل لإخلاء المجلس وتفعيل عمله التشريعى والرقابى. لا يلوح فى الأفق أى بوادر لحل الأزمة مع رفض المعسكرين للمبادرات التى تطرح سواء محليا أو خارجيا فنحن فى العراق امام مسارين بعد ان نأى القضاء بنفسه عن الأزمة السياسية معلنا انه ليس من صلاحياته حل البرلمان، الأول نجاح الحوار الذى دعى اليه رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى ومعه رئيس الدولة والبرلمان وشارك فيه العديد من المكونات السياسية وغاب عنه التيار الصدرى ووصف المشاركين فيه بالسعى الى البقاء فى السلطة إلا أنه سجل وجود ايجابيات محدودة فى نتائجه داعيا الى قبوله بحوار علنى مع استمرار التيار الصدرى فى التعويل على انشطار التيار التنسيقى وتنسيقه خاصة انه حدد ثلاثة فقط من الشخصيات ومكوناتهم السياسية يرفض التعامل معهم مما يفتح الطريق أمام تفاهم يسمح له بتمرير مشروعه والمسار الآخر الاستقواء بالحشود فى الشارع العراقى بعد تأجيل وليس إلغاء دعوة التيار لأنصاره بالزحف المليونى على العاصمة وكان مقررا له السبت الماضى واستعداد مكونات فى الجانب الآخر للرد ومنها حزب الله العراقى يزيد من تصعيد الأزمة وربما يدفع البلاد إلى حافة الحرب الأهلية أما البديل الآمن فهو نجاح الحوار باعتباره الحل الوحيد للخروج من الأزمة.