8 سنوات على رحيل مصطفى حسين «العبقري الفاشل»

لوحة المستحمات ــ متحف الفن الحديث ١٩٨٨
لوحة المستحمات ــ متحف الفن الحديث ١٩٨٨

- أشعر بسعادة غامرة وأنا أرسم للأطفال وكنت أتمنى التفرغ لهم
- حب الناس كان أعظم تكريم لي

ثمان سنوات مرت على رحيل أيقونة الكاريكاتير المصرى الفنان مصطفى حسين .. الذى غاب عن عالمنا صباح يوم 16 أغسطس 2014.. الفنان الذى جعل معظم قراء الأخبار يطالعون الجريدة من الصفحة الأخيرة، كان ينتزع الضحكة من قلوبنا جميعا حتى وقت الألم، ومن منا لا يتذكر فلاح كفر الهنادوه، وقاسم السماوى، ومطرب الأخبار، وعباس العرسة، وكمبوره.. تلك الشخصيات التى عاشت معنا وحفظها عن ظهر قلب كل عاشق لجريدتى الأخبار وأخبار اليوم.. ولن أبالغ عندما أقول انك تستطيع أن تقرأ ملخصًا لتاريخ مصر من خلال كاريكاتير مصطفى حسين.. نعم كان يلخص مشاكلنا وهمومنا بريشته الساخرة الساحرة، كان يمسح دموع الضعفاء والمظلومين من خلال مهاجمة من ظلموهم، رأيته شامخًا صابرًا فى مواجهة المرض اللعين.. كما رأيته متواضعًا متسامحًا لا يكره من أساءوا إليه.


إغراء الصحافة
برغم أن مصطفى حسين الطالب بكلية الفنون الجميلة كان أفضل طالب بدفعته، لكنه كان لا يستطيع أن يقاوم اغراء العمل بالصحافة وكان «يزوغ» من الكلية ليرسم الكاريكاتير فى إحدى المجلات، وكثر غيابه عن الكلية ولم يستطع أن يحصل على النسبة المقررة للنجاح، وقد حذره استاذه القدير الفنان حسين بيكار كثيرًا ولكنه كان يعشق الصحافة، فقرر بيكار الأستاذ تطبيق اللائحة عليه وحرمه من دخول الامتحان، وكان عليه أن يعيد السنة، وقال بيكار بعد ذلك : لو كان الأمر بيدى لكنت منحت مصطفى حسين البكالوريوس بل الدكتوراة، وأعفيه من دراسة ليس فى حاجة إليها، فكم من حملة الشهادات لا يستحقون أن يغسلوا الفراجين التى يرسم بها مصطفى حسين.


انتحال شخصية
 نال الرئيس الليبى جانبًا كبيرًا من سخرية مصطفى حسين وكان دائمًا يرسمه جالسا على «القصرية» كالأطفال وكان يعتبر القذافى تلك الرسومات بمثابة إهانة له كرئيس لليبيا وقد تسبب كاريكاتير مصطفى حسين اللاذع للرئيس الليبى بمنع دخول جريدة الأخبار ليبيا كما رصد القذافى مبلغ مليون دولار للتخلص من مصطفى حسين مما جعل الجهات الأمنية المصرية تفرض حراسة عليه بعد تأكدها بالفعل من التخطيط لاغتياله من جانب الرئيس الليبى، ومن المواقف الطريفة التى حكاها لى مصطفى حسين أنه ذهب لألمانيا فى عام 1978 فى أجازة اعتداد عليها سنويا كان يقضيها فى أحد القرى الريفية هناك ولكن بجواز سفر مزيف باسم محمد المصرى والطريف أن الجهات الأمنية المصرية هى التى قامت بعمل هذا الجواز خوفا على حياته من الاغتيال ولا ينكر مصطفى حسين أنه كان قلقا فى تلك الفترة من تصرفات القذافى التى كان يصفه بأنه «رئيس مجنون وممكن يعمل أى حاجة».. وقد استطاع الرئيس الأسبق حسنى مبارك بعد ذلك أن يتوسط بينهما ويصلحهما فى أحد زيارات القذافى للقاهرة، فقد اصطحب مبارك معه مصطفى حسين وأحمد رجب لاستقبال القذافى بمطار القاهرة وتم حل المشكلة بالفعل وتم الصلح بلا رجعة.


تصوير الأشخاص
بعيدًا عن فن الكاريكاتير الذى صنع اسم مصطفى حسين، فهو من المصورين القلائل الذين تخصصوا فى تصوير الأشخاص، وعشرات اللوحات التى نفذها تشهد له بهذا التفوق حيث ظهرت مهارته فى القدرة على تحديد معالم الأشخاص التى يرسمها وإظهار المميزات الشخصية لها، كما برع فى ترجمة ملامحها بريشته فى الرجال والنساء على السواء بأسلوب واقعى راسخ، وظهرت قدرته فى اختيار الأوضاع وزاوية الرؤوس كما تروق له مسلطًا عليها شعاعًا هامًّا فى أحد زوايا اللوحة، متلمسًا ما دق وخفى من التعبيرات التى تظهر فى الأشخاص كما يراهم بعينيه وتظهر قدرته أيضًا فى إظهار ملامح كل منهم، والرسالة المراد توصيلها عن طريق نظرة العين وحركتها. كما تميز بقدرته على خلق خلفية لكل لوحة تناسب وضع صاحبها ومهنته بل وأحيانًا أخرى شخصيته، وكان يستعين فى معظم أعماله بصورة فوتوغرافية صغيرة لصاحب الشخصية.


المستحمات
من اللوحات الفريدة  لمصطفي حسين لوحة «المستحمات» التى يحتضنها متحف الفن الحديث بساحة دار الأوبرا، فهذه اللوحة رسمها عام 1988 بالألوان الزيتية، الحركة من أهم معالم هذه اللوحة، فهى حركة ضمنية تعتمد على اتجاه كل منها، وعلى الإيقاع الناتج من أوضاع السيقان وتنوع الفراغات بينها، فالفنان رسم أربعة من النساء وكأنهن فى أحد الحمامات القديمة، ملابسهن تعبر عن ذلك، فكل منهن ترتدى بشكيرًا أبيض بالإضافة إلى فوطة أو غطاء للرأس بنفس اللون، ملامح وجوههن غير واضحة فقد رسمها بلمسات فرشاة وكأنها كتلة نحتية، أعطى هذا الإحساس للمشاهد، واحدة تراها واقفة وقفة جانبية والأخرى بظهرها وثالثة أمامية، وكأن هناك حوارًا دائرًا بينهن، اختار الفنان خلفية ممتزجة ألوانها بين الأبيض ودرجات الأزرق، تعطى إحساسًا وكأنه بخار ماء أو دخان كثيف يخرج من الحمام من آثار الماء الساخن.


أغلفة الكتب
 رسم مصطفى حسين العديد من أغلفة الكتب الثقافية، والقصصية والفنية والدينية والطبية والتعليمية، إضافة إلى رسومها التوضيحية، منها ما صدر ضمن سلسلة كتاب اليوم التى تصدر عن دار أخبار اليوم، ومنها ما نشر فى أعمال دور النشر الأخرى مثل المكتب المصرى الحديث، ونهضة مصر، ودار الشروق، الدار المصرية اللبنانية وغيرها.


 بدأ فى رسم الأغلفة قبل التحاقه بدار أخبار اليوم فى الستينات ، ثم رسم أغلفة «كتاب اليوم» عقب التحاقه بأخبار اليوم، وفى هذا الوقت كان الفنان الكبير بيكار يرسم أيضًا تلك الأغلفة، واستمر مصطفى حسين فى رسم الأغلفة لفترة طويلة ثم انقطع عنها بسبب ضيق وقته، لكن عاد مرة أخرى لرسم أغلفة كتاب اليوم عام 2012، واستمر فى رسمها حتى يونيه 2014 قبل وفاته بشهرين، حينما رسم آخر غلاف لكتاب بشكل عام ولإصدار كتاب اليوم بشكل خاص وكان عنوانه «سنة أولى ديمقراطية».


المتعة الكبرى
الأطفال فى حاجة لرسومات تحترم عقولهم، وفى مرحلة عمرية معينة يتطلعون إلى رسوم منفذة بنسب صحيحة قليلة المبالغات، فالطفل يعد فنانًا صغيرًا، وذلك لما يمتلكه من فردية خاصة للتعبير عما حوله من خصائص ومظاهر مختلفة.


مصطفى حسين تميز برسومه للأطفال، رسم كتبًا وقصصًا عديدة لهم تعد علامة بارزة فى هذا المجال، وهو يقول عن هذا: تعد رسومى من أجل الأطفال متعتى الكبرى، فعندما أرسم للطفل أشعر بسعادة غامرة لا حدود لها، وأتمنى حقيقة أن أتفرغ تمامًا للرسم للأطفال، وهناك إسهامات عديدة قمت بها فى هذا المجال، وكان أول كتاب رسمته كتاب (أنا) للكاتب فؤاد فواز وهو يخاطب الأطفال من سن 7 سنوات، والكتاب يضم صورًا شخصية للحيوانات عمومًا بالكلمة والصورة، بورتيريه شخصى للجمل والغزال والحصان وغيرها، وقد حصلت على جائزة الدولة عن هذا الكتاب.


كان دائمًا يقول : أن حب الناس هو أعظم تكريم لى، فهذا لا يقدر بثمن ولا يضاهيه أى تكريم.   ثمان سنوات مرت على رحيل أيقونة  الكاريكاتير المصرى الفنان مصطفى حسين .. الذى غاب عن عالمنا صباح يوم 16 أغسطس 2014.. الفنان الذى جعل معظم قراء الأخبار يطالعون الجريدة من الصفحة الأخيرة، كان ينتزع الضحكة من قلوبنا جميعا حتى وقت الألم، ومن منا لا يتذكر فلاح كفر الهنادوه، وقاسم السماوى، ومطرب الأخبار، وعباس العرسة، وكمبوره.. تلك الشخصيات التى عاشت معنا وحفظها عن ظهر قلب كل عاشق لجريدتى الأخبار وأخبار اليوم.. ولن أبالغ عندما أقول انك تستطيع أن تقرأ ملخصًا لتاريخ مصر من خلال كاريكاتير مصطفى حسين.. نعم كان يلخص مشاكلنا وهمومنا بريشته الساخرة الساحرة، كان يمسح دموع الضعفاء والمظلومين من خلال مهاجمة من ظلموهم، رأيته شامخًا صابرًا فى مواجهة المرض اللعين.. كما رأيته متواضعًا متسامحًا لا يكره من أساءوا إليه.