كثير من الأدب

علاء عبد الهادي يكتب عن: أجندة الدكتورة «نيفين»

علاء عبد الهادى
علاء عبد الهادى

 قاد جابر عصفور الفريق بنفس الروح التي يقود بها قائد الأوركسترا لتخرج القطعة الموسيقية جميلة تخاطب القلب والروح والعقل.

الواجب يحتم علينا أن نرحب بالدكتورة نيفين الكيلاني، التي تولت حقيبة الثقافة في التعديل الوزاري الأخير الذي طال ١٣ حقيبة وزارية في حكومة د.مصطفى مدبولى،  التي جدد مجلس النواب ثقته فيها، والواجب يحتم علينا أيضا أن نشكر د. إيناس عبد الدايم، التي تولت أمانة «الثقافة» لعدة سنوات أنجزت خلالها مااستطاعت وما سمحت به الظروف التي كان بعضها صعبًا مثل تفشي جائحة كورونا وتوقف كافة الأنشطة، ومن أمانة الترحيب بالدكتورة نيفين أن نخلص لها النصيحة ونساعدها في إنجاز ما تم تكليفها به، وهو بالتأكيد لن يخرج في مجمله العام عن اتخاذ الإجراءات واتباع السياسات التي من شأنها النهوض بالشأن الثقافي المصري، وازالة العقبات لتحقيق ذلك، وتعظيم كل ما من شأنه تعزيز قوة مصر الناعمة التي تقع الثقافة بمفهومها الأوسع والأشمل فى القلب منها.

 

ومن حسن الحظ أننا خصصنا صفحات "بستان«العدد السابق» من «أخبار الأدب» لنشر فصل من كتاب «إستراتيجية مصر الثقافية حتى ٢٠٣٠» التي أشرف على انجازها التنويري الكبير الدكتور جابر عصفور وقت أن كان وزيرًا للثقافة، حيث قاد بنفسه فريقًا من صفوة مثقفى ومفكرى مصر بعضهم وزراء ثقافة سابقون، وبعضهم جمع بين الصفة الرسمية، وصفة الإبداع، كانوا من أعمار مختلفة ومرجعيات ثقافية متباينة ولكن كان كل منهم علما وقيمة وقامة فى مكانه، وبعضهم لقى ربه، ولم تخرج الإستراتيجية للعلن منذ أن تم انجازها.

 

وأنا انصح الدكتورة نيفين بأن تكلف مكتبها بشراء كتاب « وصية جابرعصفور.. استراتيجية مصر الثقافية ٢٠٣٠» الذى صدر منذ أيام عن سلسلة «كتاب اليوم» في مؤسسة أخبار اليوم، وتقرأ فيه بعقل وقلب واعيين، فهي محظوظة بأن يكون تحت يديها خلاصة رؤية وفكر ٦٠ من خيرة مثقفي ومفكري مصر بقيادة التنويري الكبير جابر عصفور، رؤية تشخيصية للواقع الثقافى بكل أمانة وتجرد، بعيوبه، بانكساراته، بنقاط ضعفه، ومكامن قوته وتميزه وتفرده، وأيضا برؤية متكاملة لكيفية الخروج، ولنقاط البداية التى يجب أن نسلكها لتعود الثقافة المصرية الى سابق عهدها الذى سادت فيه وكانت قوية وعفية وفاعلة وشكلت وجدان وفكرهذا الشعب وامتد تأثيرها الى المحيط العربى الذى أصبح هواه وذائقته مصرية، يقرأ لرموز فكرية مصرية، ويتغنى بقصائد ونغم وطرب أصيل، ويتلقف أعمال روائع فنانيه التشكيليين ومصوريه ونحاتيه، ويستمتع بروائع مسرحه، ويتربى على يد فلاسفته، ويتذوق أعماله الراقية فى الأوبرا، ويحافظ على كنوز تراثه فى الفنون الشعبية وفى التراث المادى واللامادى الذى تآكل وسرقته دول أخرى وادعت أنه تراثها.
>>>
هذا الأمر بالتأكيد ليس فيه مصادرة على رأى وفكر د. نيفين الذى تنتظر الجماعة الثقافية أن تتعرف علىمشروعها وتوجهها، وفكرها، ولكن أنجح الناس هو من يستفيد من تجارب غيره، ويكمل ويبنى على نجاح من سبقوه، لذلك فهى أمامها تشريح دقيق، وعملى لواقع مصر الثقافى، والأهم أنه خال من الهوى، ولا تقف وراءه أية أجندة، فكل من شارك فيه لم يبتغ إلا وجه الله ومصلحة هذا الوطن، لذلك سعى كل من شارك الى أن يضع خلاصة خبراته وأن يجمع بين التجربة العملية، والنظرية، فلا تبقى الطروحات مجرد أفكار وردية عصية على التطبيق، ولا يسرقه الواقع بمرارته، بل التطلع للمستقبل بمعطيات وأفكار واقعية قابلة للتنفيذ، واستعراض سريع لقائمة الذين شاركوا فى كتابة هذه الإستراتيجية سوف تكفينا الكلام : فهل كان ينتظر شاعرنا الراحل الكبير السيد حجاب مكافأة أوعطية وهو يحدد توجه الإستراتيجية، وهل كان يراهن الروائى الراحل جمال الغيطانى على غير الوطن وهو يضع خلاصة فكره، وتجاربه كأديب ومفكر ومؤسس ورئيس تحرير لأخبار الأدب أهم صحيفة ثقافية عربية، وعندما وضع د. فوزى فهمى، هذا العلم فى تاريخ الثقافة المصرية رؤيته وخلاصة تجربته لم يكن يريد شيئا سوى الصالح العام، وعلى ماذا كان يراهن د. جابر عصفور وهو يسابق الزمن ليقود هذا الفريق لوضع هذه الإستراتيجية دون أن يدعى أنها نتاج فكره أو رؤيته، وهو القادر على أن ينتجها منفردا، فقط قاد الفريق بنفس الروح التى يقود بها قائد الأوركسترا لتخرج القطعة الموسيقية جميلة تخاطب القلب والروح والعقل، ولا تشعر فيها بأى نشاز.


>>>
يجب ألا نستبق الأحداث، وعندما عرض على الدكتورة نيفين تولى الحقيبة، بالتاكيد كان لديها ما يمكن اعتباره مشروعها الذى عزز فرص اختيارها من بين أسماء أخرى، عادة ما تكون ضمن ترشيحات أى منصب وزارى، نحن ننتظرأن نرى هذا المشروع على أرض الواقع، ويجب عليها أن تكون واعية، ونحسبها كذلك، لخطورة وأهمية الكرسى الذى تجلس عليه : وزير ثقافة مصر، التى تعد من الدول العظمى بالمعايير الثقافية العالمية، هذا الكرسى سبقه إليها ثروت عكاشة وفاروق حسنى ود. جابر عصفور وأسماء كثيرة براقة وعظيمة وأنا متفائل بها ولست مع من يحاولون محاصرة كل من تولى منصبا وزاريا فى الجهة التى جاء منها، فهذا تقزيم، فرغم أن الدكتورة نيفين، جاءت من خلفية أكاديمية حيث كانت عميدة لمعهد النقد الفنى فى أكاديمية الفنون، إلا أنها بصورة أو بأخرى هى أيضا ابنة وزارة الثقافة وتعرف أضابير العمل الحكومى وعيوبه، بل وسواءته، فقد عملت نائبا لرئيس صندوق التنمية الثقافية، ثم تولت الإشراف عليه لمدة عامين تقريبا وأهمية الصندوق تكمن فى ان من يتولاه يجب ان يكون ملما بتفاصيل العمل بوزارة الثقافة كما عملت فى دار الأوبرا المصرية.


>>>
لم يكن من الممكن أن نتحدث عن التغيير الوزارى من غير الحديث عن حقيبة السياحة والآثار التى تولاها الأستاذ أحمد عيسى، خلفا للدكتور خالد العنانى الذى كانت له انجازاته التى لا تخطئها عين، إلا أن الوزير الجديد جاء من خلفية لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالآثار، بل جاء من خلفية بنكية ليجذب الاستثمارات الجديدة لقطاع السياحة، مصدر رسمى قال أنه ليس بالضرورة أن يكون للوزير علاقة بالآثار حتى يديرها، ولكننا فى مصر لم نأخذ بعد بالنظام الذى يكون فيه منصب الوزير مجرد منصب سياسى يرسم سياسات عامة ويضع إستراتيجيات من مرجعية حزبية، وتقوم أجهزة الوزارة بالتنفيذ.


لن أتحدث هنا كثيرا عما ننتظره من وزير السياحة والآثار، فى مجال السياحة، لسبب جوهرى، هو أننى لست خبيرا بهذا الأمر، ولا تخرج أمنياتى عن أمنيات أى مصرى محب لوطنه بأن يكون نصيب مصر من حصة حركة السياحة العالمية بما يليق بحضارتها وتاريخها وتنوع مقاصدها السياحية، ولكن ما يهمنى هو الشق الثانى من مسئولياته كوزير وهى مسئوليته الدستورية عن آثار مصر وكنوزها، وإن كان الأمين العام للآثار وبحكم صلاحياته منوط به أن يحافظ على كل قطعة أثرية، ويرممها ويوفر لها أسباب الحماية والبقاء، ولكن يبقى الوزير فى النهاية هو المسئول أمام الرأى العام، ولديه امتحان كبير فى الطريق، هو افتتاح متحف مصر الكبير بالطريق الصحراوى، وهو حدث ثقيل يحتاج إلى جهد «السياحة» وجهد «الآثار» لأنه «مشروع دولة» استغرق البناء قرابة عقدين، وضخ فيه عدة مليارات، ولابد أن يخرج فى التوقيت والصورة التى تليق بمصر وتاريخها والأهم بما يليق بمصر فى الجمهورية الجديدة، ويجب على وزير السياحة والآثار أن يمد بصره إلى العاصمة الإدارية وإلى القاهرة وإلى أبوسمبل وإلى سيوة وإلى كل شبر فى مصر المحروسة، لأن تحت كل شبر كنز يجب أن يكشف عنه ... أتمنى النجاح للوزير الجديد.

اقرأ أيضا| بعد تغيير حقيبة الثقافة | ماذا يريد المثقفون من الوزيرة الجديدة؟