نجاحات متتالية فى وقف العدوان وتثبيت التهدئة

مصر تضع بذور الحل السياسي للقضية الفلسطينية

الشركات المصرية تواصل إعادة إعمار غزة
الشركات المصرية تواصل إعادة إعمار غزة

كتب: أحمد جمال

أسهمت دبلوماسية تبريد الصراعات التى انتهجتها الدولة المصرية فى التعامل مع أزمات دول الجوار وغيرها من البقاع المشتعلة بالمنطقة العربية فى تعزيز الأدوار المصرية إقليميًا كعامل استقرار رئيسى فى منطقة الشرق الأوسط، بعد أن أثبتت جهودها السياسية فى أن الحلول العسكرية لا تقود سوى لمزيد من الانفجارات، ومنح ذلك أدوات ضغط عديدة بيد الدولة المصرية تساعدها على تطويق بؤر النزاعات كلما أخذت فى التصاعد.

يمكن قياس ذلك على نجاح الجهود المصرية مجدداً فى إخماد نيران الحرب الأخيرة على قطاع غزة، بعد أن تمكنت فى غضون ساعات من وقف العدوان الإسرائيلى والوصول إلى قرار بوقف إطلاق النار، وتمضى فى جهودها لتثبيت التهدئة بما لا يفتح مجالا للعودة مرة أخرى لحالة الحرب، وهو أمر تكرر قبل عام وثلاثة أشهر فى حرب الـ 11 يومًا التى أعقبها إطلاق مصر بشكل عملى جهود إعادة إعمار قطاع غزة.

يتفق الخبراء والسياسيون الذين تواصلت معهم «آخرساعة»، على أن فعالية الدور المصرى وقدرته على وقف إطلاق النار والوصول إلى تهدئة طويلة الأمد يضع بذور الحل السياسى للقضية الفلسطينية، وأن التحركات المصرية تستهدف تفكيك التعقيدات التى تقود لاستمرار حالة الانقسام الفلسطينى وتدعم تجاهل إسرائيل لعقد مباحثات سلام منذ العام 2014، وأن الأمر بحاجة أيضَا إلى دعم أكبر من المجتمع الدولى الذى سيكون عليه ممارسة مزيد من الضغط على الأطراف المختلفة للوصول إلى تسوية سياسية.

وأثبتت النجاحات الدبلوماسية المصرية فى الملف الفلسطينى أن مصر تشكل الرئة الوحيدة القادرة على حل تعقيداته سواء كان ذلك على مستوى تفكيك الخلافات بين الفصائل الفلسطينية أو من جهة فض الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي، هذا بالإضافة إلى محورية الدور المصرى فى إعادة الإعمار والتى تمنح الدور المصرى ثقلاً إضافيا يدفع باتجاه وقف العدوان للسير إلى الأمام بناء ما تهدم من مساكن وبنايات.

وبعد 3 أيام من القصف، نجح اتفاق لوقف إطلاق النار رعته القاهرة، فى وقف المواجهات الشرسة بين الاحتلال الإسرائيلى والفصائل الفلسطينية، ودخل حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، لينهى نزيف الدم فى صفوف الفلسطينيين، بعد أن قتل أكثر من 40 شخصا فى قطاع غزة.

أيمن سمير: القاهرة انتهجت خطوات كبيرة لتهدئة التوترات

وأكد الدكتور أيمن سمير، الباحث فى شئون العلاقات الدولية، أن مصر تنتهج سياسية تقوم على مجموعة من المبادئ على رأسها تبريد الصراعات وتهدئة التوترات وتفضيل الحلول السلمية بدلاً من لغة البندقية والرصاص، وعلى هذا الأساس جرى العمل لوقف العدوان الإسرائيلى عبر مسارات مختلفة بدأت بالتوقع المستقبلى لإمكانية اشتعال الحرب وحاولت عبر الجهود الدبلوماسية والسياسية أن تصل لحل بين الجهاد الإسلامى وإسرائيل، وهو ما ساعدها على وقف القصف فى فترة وجيزة.

وأوضح أن الجهود المصرية لا تقتصر فقط على جهود وقف إطلاق النار بل إن القاهرة تعمل بكل جد لتسهيل حياة المواطنين فى غزة بحيث تخلق بيئة مواتية للحوار والنقاش والوصول للحلول السياسية بعيداً عن بيئة الحروب والعنف، وأن القاهرة لعبت دوراً كبيراً فى منع إسرائيل من استهداف القادة السياسيين والميدانيين للفصائل الفلسطينية، وتقوم بدور فاعل فى إعادة الإعمار عبر مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى لضخ 500 مليون دولار وتحرك الشركات المصرية بشكل سريع عقب انتهاء حرب العام الماضى لبناء العمارات وتهيئة الطرق والمدن التى تم تدميرها.

وأشار إلى أن المسار الثالث يتمثل فى تحقيق اللحمة وإنهاء الشقاق الفلسطينى بين الفصائل المختلفة وعلى رأسها الفصيلان البارزان فتح وحماس، ونهاية بالعمل الدءوب لاستئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والبحث عن حل شامل ونهائى للقضية الفلسطينية يقوم على مبدأ حل الدولتين وقيام دولة فلسطين على حدود عام 1967.

عبدالعليم محمد: الدور المصرى يتطور ولا يتوقف عند مجرد الوساطة

وقال الدكتور عبدالعليم محمد، الخبير فى الشأن الفلسطيني، إن الدور المصرى يتطور ولا يتوقف على مجرد الوساطة بين الأطراف المختلفة ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية، وأن تخصيص 500 مليون دولار لإعادة الإعمار يعنى أن هناك تغييرا فى طبيعة الدور المصري، وعبر ذلك عن انتقال الجهود المصرية من المساندة السياسية لإحداث التهدئة ووقف إطلاق النار إلى دور عملى على الأرض يستهدف وضع بذور الحل السياسي، وأن المشكلة تكمن فى الممارسات الإسرائيلية التى تشكل عائقًا أمام تحقيق الاستقرار بشكل كامل فى القطاع الذى يشكل جوارا تاريخيا وجغرافيا مهما للدولة المصرية.

ولفت إلى أن الجهود المصرية لوقف العدوان الإسرائيلى على القطاع تاريخية وحدث ذلك فى حروب عديدة من قبل، كما أن الاحتفاظ بقطاع غزة تحت الإدارة المصرية حتى العام 67 أبعده عن بؤر الاحتلال الإسرائيلى وساهم ذلك فى تدشين المنظمات الفدائية التى انطلقت من مصر وغزة ووقفت فى وجه المشاريع العدائية الإسرائيلية فى خمسينيات القرن الماضي.

إقرأ أيضًا

«اشتية»: مجزرة الأطفال في جباليا تضاف إلى سجل إسرائيل الإجرامي دوليا

وأشار إلى أن الدور المصرى رغم حيويته وحمايته للفلسطينيين من العدوان المتكرر لكنه بحاجة إلى مزيد المساهمات الدولية التى تدفع نحو الحل الشامل فى حين أن الإدارة الأمريكية الحالية غير مكترثة بذلك وجاءت تصريحات الرئيس جو بايدن أثناء زيارته للمنطقة مخيبة للآمال، كما أن مجلس الأمن الدولى لا يمارس ضغوطاً على إسرائيل لإرغامها على الانخراط فى المفاوضات لحفظ الأمن والسلم الدوليين.

وشدد على أن الخلافات بين حركة حماس والجهاد الإسلامى فى قطاع غزة ألقت بظلال سلبية على المقاومة ككل بشكل ملموس وهو ما يمنح فرصة للاحتلال بالتأكيد على تحقيق أهدافه من العدوان الأخير، كما أن ترك الجهاد بمفردها بمقاومة الاحتلال ساهم فى ضعف فعالية الرد على الضربات الإسرائيلية.

أيمن الرقب: الجهود المصرية توقيتها مناسب.. والفلسطينيون يقدرون دورها

ومن جانبه أكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن الشعب الفلسطينى يقدر الدور المصرى الذى دائما ما تأتى تدخلاته الفاعلة فى التوقيت المناسب، وهناك تعويل كبير فى أن تعود الحياة لطبيعتها فى القطاع كنتيجة مباشرة للجهود المصرية، وسط مخاوف من أن تذهب إسرائيل مرة أخرى باتجاه التصعيد لتحقيق أهداف سياسية ترتبط بالاستعداد للانتخابات.

وأضاف أنه من المتوقع أن يصل وفد أمنى مصرى إلى قطاع غزة وتل أبيب لتثبيت التهدئة ومعالجة الملفات العالقة ويعد أبرزها إطلاق سلاح الأسيرين بسام السعدى وخليل العواودة والأخير فى حالة صحية حرجة، وأن مصر تسعى لمنع مسببات الانفجار من جديد وأن تظل التهدئة قائمة لأطول فترة ممكنة.

وتوالت الإشادات العربية والدولية بالجهود المصرية منذ وقف إطلاق النار، وأكد عادل بن عبدالرحمن العسومي، رئيس البرلمان العربي، أن المساعى والجهود الكبيرة التى بذلتها مصر تعكس ثقل الدبلوماسية المصرية ودورها الرائد والمحورى لضمان أمن واستقرار المنطقة، مضيفاً: «إنها تجسد المكانة التى تحظى بها القضية الفلسطينية ضمن أولويات الدولة المصرية، وحرصها على ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية».

واعتبر رئيس البرلمان العربى أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير فى غزة يعد خطوة على طريق حقن دماء الشعب الفلسطينى وإنهاء العنف، مؤكداً أن تحقيق سلام واستقرار دائمين فى المنطقة يتطلب المزيد من تضافر الجهود الدولية لاستئناف عملية السلام فى الشرق الأوسط، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها مدينة القدس وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

وحظى نجاح المصرى فى التوصل لهدنة بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامى فى غزة، إشادات واسعة خلال جلسة لمجلس الأمن، الأسبوع الماضي، لمناقشة التطورات فى القطاع، وأشاد المنسق الأممى لعملية السلام فى الشرق الأوسط تور وينسلاند، بدور مصر فى التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ودعا وينسلاند منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام فى الشرق الأوسط خلال كلمته فى جلسة مجلس الأمن بشأن غزة، جميع الأطراف للحفاظ على الهدنة فى قطاع غزة والابتعاد عن التصعيد، مشيرا إلى أن التوتر فى الضفة الغربية لا يزال مرتفعًا، ووقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين مازال هشًا.

وأعرب مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير رياض منصور عن امتنان بلاده للجهود المصرية فى التوصل إلى هدنة، مؤكدا أن الهجوم الإسرائيلى على قطاع غزة غير مبرر.

وقال خلال كلمته فى جلسة بمجلس الأمن، نعبر عن امتناننا لجهود مصر فى التوصل إلى هدنة، ونشكر المسئولين المصريين وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسى الذين أعادوا الهدوء إلى المنطقة.