حقيقة مؤامرة «المليار الذهبي»

أعضاء نادى المليار الذهبى
أعضاء نادى المليار الذهبى

كتبت: دينا توفيق

"المليار الذهبى" حقيقة أم مؤامرة، أم نظرية يمكن أن تثبت صحتها مع مضى الأيام، بعد أن ينكشف المستور، وتعلن الأسرار وتنشر الوثائق؟!.. بين كل ذلك، يدخل العالم فى متاهة، وسط صراع شرس بين القوى الكبرى على إدارة العالم؛ ألاعيب نخبة الأثرياء وتصريحات زعماء.. يظل سكان هذا الكوكب حائرين بين الأحداث التى تتحقق على أرض الواقع وما يتم وصفه بالشائعات.. أخبار تنشر مدعومة بوثائق ومعلومات ولكن ما مدى صحتها، أين الحقيقة لا أحد يعلم.. ما يزيد من علامات الاستفهام ويكتنف الأمر غموضًا.. ونبدأ فى البحث عن أى خيط يمكن أن يرشد نحو الحقيقة الضائعة أو يزيد الأمر تعقيدًا.

تمويل أمريكى لأبحاث مسببات الأمراض بأوكرانيا.. وأنشطة بيولوجية فى 30 دولة

وثائق سرية عثر عليها الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" فى أوكرانيا وأزاح عنها الستار وكشف خطة "المليار الذهبى"، حيث يُزعم أن نخبة الأثرياء فى الدول الصناعية المتقدمة هيمنت على العالم وفرضت إرادتها عليه؛ ولكن هل الأمر مجرد نظرية كما يراها الأغلبية أم أن معالم خطة المليار الذهبى بدأت تتضح منذ تفشى جائحة "كوفيد-19"، والحرب الأوكرانية، والعثور على المختبرات الأمريكية فى كييف، وتمويلها لأبحاث مسببات الأمراض هناك، بالإضافة إلى أنشطة المختبرات الأمريكية فى 30 دولة التى كانت سببًا فى إثارة القلق داخل الكونجرس وفقًا لتصريح وكيلة وزارة الخارجية للشئون السياسية "فيكتوريا نولاند" خلال شهادتها فى الكونجرس أن "أوكرانيا لديها مرافق أبحاث بيولوجية.. والولايات المتحدة قلقة من أن هذه المواد البحثية قد تقع فى أيدى الروس"، وفقًا لمجلة «Covertaction» الأمريكية.

بالنسبة إلى الرئيس الروسى، تلخص عبارة "المليار الذهبى" الوضع الحالى للجغرافيا السياسية فى العالم، وتقسيمه إلى أُناس من الدرجة الأولى والثانية، وبالتالى فهى عنصرية واستعمارية جديدة فى الأساس، حيث أصبحت الأيديولوجية العالمية والليبرالية الزائفة أكثر شبهًا بالشمولية. وتنص هذه النظرية على أن عدد سكان الأرض يصل إلى حوالى 7 مليارات نسمة، والموارد التى تنتجها الأرض سنويًا لا تكفى هؤلاء، ومن هنا نشأت نظرية المليار الذهبى.

وتساءل بوتين كيف أن لهيمنة الغرب تسمح لهم بـ "سرقة الشعوب الأخرى فى كل من آسيا وأفريقيا"؟ وخص بالذكر الهند على وجه الخصوص بأنها "تعرضت للسرقة" فى انتقاداته للقوى الاستعمارية، ومع مواجهة روسيا لعقوبات من الغرب بسبب الغزو، تعززت العلاقات التجارية بين نيودلهى وموسكو منذ بداية الحرب الأوكرانية وتحولت روسيا نحو دول مثل الصين وإيران، وأضاف قائلًا: "لكن بغض النظر عن مدى سعى النخب الغربية للحفاظ على النظام الحالى، فحقبة جديدة قادمة ومرحلة جديدة فى تاريخ العالم".

إقرأ أيضًا

أوكرانيا: خطر وقوع كارثة فى محطة زابوريجيا النووية «يزداد يوميـًا»

وبعد خمسة أشهر من الحرب الدائرة بين موسكو وكييف، لا يزال هناك سوء إدراك من قبل العديد من صانعى السياسة الغربيين للأبعاد الاقتصادية لتلك الحرب وما يعنيه ذلك لوضع روسيا الاقتصادى على الصعيدين المحلى والعالمى.

بالنسبة لمعظم المحللين والمتابعين فى الولايات المتحدة أو أوروبا، فإن "المليار الذهبى" ربما لا يعنى شيئًا، لكن فى روسيا، كانت هذه العبارة موجودة منذ عقود باعتبارها اختصارًا للتعبير عن الهلاك لوصف معركة مستقبلية على الموارد بين النخبة العالمية والروس، ومنذ فبراير، ينشر الكرملين النظرية لتقول إن عزلة روسيا بعد غزوها لأوكرانيا لم تكن بسبب أفعالها؛ ولكن بسبب مؤامرة عالمية حتمية ضدها، وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.

إن تلميحات بوتين الغامضة إلى وجود مليار ذهبى خلال الأشهر الأخيرة تحجب تاريخًا أكثر تآمرًا. هذه العبارة مأخوذة من كتاب عن نهاية العالم نُشر عام 1990، فى الوقت الذى انهار فيه الاتحاد السوفيتى؛ بعنوان "مؤامرة الحكومة العالمية: روسيا والمليار الذهبى"، الذى ألفه كاتب روسى يُدعى "أناتولى تسيكونوف" تحت اسم مستعار "كوزميتش".

بوتين يحذر: النظام العالمى الحالى للغرب انتهى.. وعصر جديد قادم

وصف تسيكونوف مؤامرة نهاية العصر ضد روسيا، حيث أدركت النخبة الغربية الثرية أن التغيير البيئى سيشهد مزيدًا من المنافسة على موارد العالم، مما يجعل العالم فى النهاية غير صالح للسكن للجميع باستثناء مليار منهم. تدرك هذه النخبة أن روسيا، بمواردها الطبيعية وكتلتها الهائلة وموقعها الشمالى، يجب أن تخضع لسيطرتها بأى وسيلة ضرورية لبقائها.

كانت هذه الأطروحة بمثابة تطور للمخاوف المتنازع عليها بشأن الزيادة السكانية العالمية التى طورها الاقتصادى البريطانى "توماس روبرت مالتوس" فى أواخر القرن الثامن عشر، ومع ذلك، فقد تم تحديثها مؤخرًا ليكون التركيز على روسيا؛ فى كتاب صادر عام 2019 بعنوان "المؤامرات ضد روسيا: المؤامرة والخيال بعد الاشتراكية"، كتب الباحث فى جامعة نيويورك "إليوت بورنشتاين" أن الفكرة تتناسب مع تاريخ مذعور بجنون العظمة.

حظيت فكرة تسيكونوف بشعبية من قبل المثقف الروسى المناهض لليبرالية "سيرجى كارا مورزا"، الذى جرد أطرافها الغريبة وكتب فى أواخر التسعينيات أن المليار الذهبى يعنى سكان الديمقراطيات ذات الدخل المرتفع مثل تلك الموجودة فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية أو دول G7 الذين يستهلكون نسبة غير عادلة من موارد العالم.

وبدأت نظرية المليار الذهبى فى الظهور فى روسيا ودول أوروبا الشرقية التى أرادت الدول الغربية أن تجعل عدد سكانها يصل إلى مليار نسمة فى العالم بأسره؛ أى أن هناك مليار شخص يستحقون العيش على الأرض ويستهلكون من خيراتهم وينتجون ويتزاوجون فيها، أما الستة مليارات الآخرون فلا فائدة منهم ويجب التخلص منهم لمجرد استهلاكهم من موارد الطبيعة وبالطبع المليار الذين يستحقون العيش على الأرض كما نصت عليه نظرية المليار الذهبى هم من العرق الأبيض فى أوروبا الغربية والولايات المتحدة، والجنس الذى يجب القضاء عليه هو الطبقة الثالثة من المجتمع مثل الأفارقة وأمريكا اللاتينية.

ووفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، كشف تقرير عام 2009 عن مخطط  المليارديرات حول العالم يحاولون تقليص عدد سكان العالم، بعد أن شعروا بالتهديدات التى باتت تشكلها الأزمة المالية العالمية والكثافة السكانية المتصاعدة، اجتمع هؤلاء سراً فى نيويورك بمبادرة من الرئيس التنفيذى السابق لشركة مايكروسوفت "بيل جيتس"، و"وارين بافيت" وآخرين.

وتحت عنوان تقرير "نادى الملياردير فى محاولة لكبح جماح سكان العالم" الذى نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية، فإن القضايا التى تمت مناقشتها فى الاجتماع السرى شملت الرعاية الصحية والتعليم وإبطاء النمو السكانى العالمى واتفقوا على أن يكون أولوية، فى مثل هذه الخطط يكون حضور وزير الخارجية الأمريكى السابق "هنرى كيسنجر" ملحوظًا، بسبب تصريحاته التى صرح بها قائلًا: "يجب أن يكون خفض عدد السكان الأولوية القصوى للسياسة الخارجية تجاه العالم الثالث، لأن الاقتصاد الأمريكى سيتطلب كميات كبيرة ومتزايدة من المعادن من الخارج، خاصة من البلدان الأقل تقدمًا"، يقودنا هذا إلى جيتس ورفاقه فى المنتدى الاقتصادى العالمي، قد يرى الملياردير الأمريكى نفسه على عاتقه مهمة تزويد كيسنجر بـ "الابتكارات التكنولوجية" التى قد تقلل من عدد سكان العالم.

ومنذ أكثر من 70 عامًا، فإن المفهوم العام لخطة جيتس و"ديفيد روكفلر" وآخرين، مثل "جورج سوروس" ومجموعة بلدربيرج والمنتدى الاقتصادى العالمى (WEF)، وغيرهم من المنظمات شبه الغامضة التى تهدف إلى تقليل عدد سكان العالم بشكل كبير، وبالعودة إلى الصورة الكبيرة للانخفاض الهائل فى عدد السكان والسيطرة الرقمية الكاملة على بقية السكان فى ظل نظام عالمى واحد، كما أعلن عنها الرئيس التنفيذى للمنتدى الاقتصادى العالمى "كلاوس شواب"، إعادة التعيين الكبرى فإن المرحلة النهائية هى "لا تملك شيئًا ولكنك سعيدًا"، والتى يجب تحققها خلال عقد من الزمن بداية من 2020.

وفى محاضرة عامة عام 2010، أرجع جيتس ظاهرة الاحتباس الحرارى إلى الزيادة السكانية ووصف النمو السكانى الصفرى كحل يمكن تحقيقه، إذا كان هناك برنامج جاد وناجح فى مجال اللقاحات الجديدة والرعاية الصحية وخدمات الصحة الإنجابية، وأوضح الخبير الاقتصادى "أوتسا باتنايك"، أن جيتس يعلم جيدًا أن الفقراء الذين تستهدفهم حملاته مع النخبة تمثل نسبة ضئيلة من الضرر البيئى الذى يكمن وراء تغير المناخ، وأضاف باتنايك، أنه عندما يتم تعديل أرقام السكان لمراعاة نصيب الفرد من الطلب الفعلى على الموارد، على سبيل المثال، الوقود الأحفورى والغذاء، فإن أكبر "ضغط سكانى حقيقى" لا ينبع من الهند أو أفريقيا، ولكن من البلدان المتقدمة.

والآن هناك مساعٍ لنخبة الأثرياء للسيطرة على القضايا التى تهم البشر أو حتى البشر أنفسهم، وفى النهاية، فإن القصة الحقيقية تدور حول عالم يتسم بعدم المساواة التى تزداد سوءًا عامًا بعد عام.