بوتين وأردوغان .. علاقات معقدة ومنافع متبادلة

الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره التركى رجب طيب أردوغان
الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره التركى رجب طيب أردوغان

بقلم : مروى حسن حسين

حافظت تركيا على علاقات دبلوماسية وثيقة مع موسكو وتعمل كوسيط رئيسى بين روسيا وأوكرانيا لتوصيل الحبوب ومحادثات السلام المحتملة، ويتحدث أردوغان أو كبار مساعديه مع بوتين والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى عدة مرات فى الأسبوع.


قبل أسبوع اختتم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره التركى رجب طيب أردوغان، محادثات ثنائية، فى منتجع سوتشى المطل على البحر الأسود بروسيا. وتعد هذه تاسع زيارة لأردوغان إلى روسيا منذ 2019، والثانية إلى «سوتشي» منذ شهر سبتمبر 2021، بينما يعتبر الزعيم الوحيد فى حلف شمال الأطلسى (الناتو) الذى يلتقى بوتين وجها لوجه. للمرة الثانية، منذ اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا.


وخلال الاجتماع الثنائي، اتفق الزعيمان على الانتقال إلى العملات الوطنية، حيث ستبدأ تركيا دفع جزء من أموال استيراد الغاز الروسى ب الروبل الروسى، فى خطوة جديدة لتطوير علاقتهما التجارية.

وتسعى روسيا منذ أشهر إلى فرض عملتها الوطنية فى الصفقات الدولية فى وجه اليورو والدولار، فى ظلّ عقوبات اقتصادية غربية غير مسبوقة تطالها بسبب الحرب على أوكرانيا. كما توصل الجانبان إلى اتفاقات بشأن إنشاء الكتلة المصرفية المالية «لتمكين الشركات التجارية، والمواطنين الروس.

من دفع الأموال خلال الرحلات السياحية»، وعلى اتخاذ خطوات ملموسة بشأن زيادة حجم التجارة بين البلدين فى مجالى الاقتصاد والطاقة، وتعزيز التعاون فى قطاعات المواصلات والتجارة والزراعة والصناعة والتمويل والسياحة والمقاولات. وتطرق الرئيسان إلى التطورات فى سوريا، مؤكدين الأهمية الكبيرة لدفع العملية السياسية من أجل التوصل إلى حل دائم فى البلاد.


وبشأن ليبيا، أكد الرئيسان التزامهما الراسخ بسيادة ليبيا ووحدة أراضيها ووحدتها الوطنية، وأشارا إلى أهمية إجراء انتخابات حرة وعادلة وذات مصداقية.تثار تساؤلات عديدة عن الأسباب التى دفعت الزعيمين للقاء للمرة الثانية فى هذه المدة الزمنية القليلة، وما إذا كان ذلك مرتبطا بالقمة الأخيرة التى استضافتها طهران، حيث يرى مراقبون أنها لم تفض عن قواسم مشتركة بين الأطراف الثلاثة بوتين، أردوغان،رئيسي.


لدى الرجلين أسباب وجيهة للحفاظ على علاقة عمل جيدة، ترى صحيفة «نيويورك تايمز» أنها معقدة، ومدفوعة بالمصالح.فأردوغان يريد تدفق المال والتجارة والغاز الطبيعى ويتطلع لانتخابات حاسمة فى العام المقبل، فى ظل اقتصاد منهار، وبنك مركزى بدون عملة أجنبية تقريبا.

وتضخم عال بنسبة 80% سنويا. أما بوتين فيواجه مشاكله الخاصة، فهو يبحث عن أصدقاء مع تعثر الحرب فى أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية القاسية التى تضر بالصناعة والاقتصاد فى روسيا.


دفعت تلك التحديات المتبادلة الزعيمين للتعاون بشكل وثيق، للتخلص من نقاط الضعف وتوسيع ملامح الاتفاق فى الشراكة بينهما فى المجال الاقتصادى والتى يأمل أردوغان أن تصل إلى 100 مليار دولار. وهذا يثير غضب حلفاء أردوغان فى الناتو الذين حاولوا زيادة سقف العقوبات ضد بوتين، وبناء إجماع يوقف حربه فى أوكرانيا.


بالنسبة لبوتين، فالمنافع تشمل الطاقة وصفقات السلاح ورابطة مع دولة عضو فى الناتو، التحالف الذى يحاول عزله وهزيمته فى أوكرانيا. أما تركيا التى ليست عضوا فى الاتحاد الأوروبي، فقد رفضت فرض العقوبات الغربية ضد روسيا. وهى تحاول البحث عن طرق للعمل مع البنوك الروسية التى فُرضت عليها العقوبات وقبول مدفوعات من خلال القروض الائتمانية الروسية.


ولم يتوقف الغاز الروسى عبر أنبوب «ترك ستريم». وهناك تقارير عن محاولات روسية للحصول على دعم تركى من خلال «أنظمة فرعية» لأسلحتها التى لم تعد قادرة على الحصول على المكونات الغربية مباشرة.


وتعتمد تركيا بشكل كبير على روسيا وأوكرانيا لتأمين احتياجاتها من الحبوب.لكن هذه الجهود تعقدها تهديدات أنقرة المتكررة بعملية عسكرية فى سوريا حيث تتعارض المصالح الروسية والتركية.


من جهة أخرى، لعبت طائرات بيرقدار التركية المسيرة التى بيعت لأوكرانيا دوراً بارزاً فى إبطاء تقدم القوات الروسية عندما توغلت فى الأراضى الأوكرانية فى فبراير الماضي.


ولكن تركيا لديها أيضاً علاقات دفاعية متنامية مع روسيا. واشترت بطاريات منظومة الدفاع الصاروخى الروسية من طراز «إس-400» عام 2019، مما أغضب واشنطن التى ألغت بيع طائرات مقاتلة أمريكية من طراز «إف-35» وفرضت عقوبات على الصناعات الدفاعية التركية.


فى سوريا، تدعم تركيا مقاتلى المعارضة التى كانت على وشك الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لولا التدخل الروسى الذى ساعد على تراجع المعارضة المسلحة إلى جيب صغير فى شمال غربى سوريا على الحدود التركية.


فى ليبيا، أدى التدخل العسكرى التركى إلى صد هجوم على الحكومة فى طرابلس شنته قوات متمركزة فى الشرق «بدعم من مقاتلين ينتمون لمجموعة فاغنر الروسية» وفقاً لخبراء الأمم المتحدة.


فى أذربيجان، دعمت تركيا هجوماً عسكرياً لطرد القوات العرقية الأرمنية من جزء كبير من منطقة ناغورنو قرة باغ الجبلية فى جنوب القوقاز، وهى منطقة تعتبرها روسيا جزءاً من مجال نفوذها. على جانب آخر، شكل الغاز الطبيعى الروسى 45 فى المائة من مشتريات الغاز التركية المعتمدة على الاستيراد العام الماضي.


كما تشيد شركة «روساتوم» الروسية العملاقة المتخصصة فى الطاقة النووية محطة نووية فى أكويو جنوب تركيا التى قال بوتين إنها ستبدأ العمل العام المقبل.


والسؤال الذى يطرح نفسه ، هل استطاع أردوغان خلال لقائه بوتين انتزاع غطاء لتنفيذ عملية محدودة فى شمال سوريا؟ وماذا يمكن أن تحصل روسيا عليه فى المقابل؟
 

اقرأ ايضا | «غازبروم» الروسية تضخ 41 مليون متر مكعب من الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا