العلاقات اليابانية الإفريقية .. تربة خصبة للمصالح المشتركة

«تيكاد 8» فرص واعدة وتعزيز للعلاقات اليابانية - الإفريقية

الرئيس عبدالفتاح السيسى ورؤساء الدول الإفريقية ورئيس وزراء اليابان خلال مؤتمر «تيكاد ٧»
الرئيس عبدالفتاح السيسى ورؤساء الدول الإفريقية ورئيس وزراء اليابان خلال مؤتمر «تيكاد ٧»

كتب: محمد رياض - إيمان مصيلحي - أماني عبدالرحيم

بدأ اهتمام اليابان بإفريقيا فى مطلع التسعينيات، فى ظل انهماك دولى بتداعيات سقوط الاتحاد السوفيتي، ونهاية الحرب الباردة، حيث بدأ بروز إفريقيا فى سياسات اليابان الخارجية بشكل أكبر.

وتسعى طوكيو لتعزيز علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع دول القرن الإفريقي، بهدف تأمين موطئ قدم لها فى المنطقة، وفتح آفاق جديدة للتعاون فى مجالات مثل الاقتصاد والاستثمارات والأمن، أضف إلى ذلك لعب دور على المستوى الدولى وكسب المكانة الدولية إلى جانب الحصول على دعم الدول الإفريقية ومساندتها فى بعض القضايا التى تطرحها طوكيو على الصعيد الدولى مثل إصلاح مجلس الأمن الدولي.

وتدرك طوكيو أهمية فتح قنوات اتصال مع دول القرن الإفريقى من أجل بناء علاقات قوية تمثل مدخلاً مهماً لنفوذ يابانى قوى فى المنطقة، وتوسيع حضورها السياسى والدبلوماسى فى المنطقة.

وهو ما عبرت عنه الدبلوماسية السياسية والاقتصادية لإدارة رئيس الوزراء اليابانى السابق، شينزو آبي، تجاه القرن الإفريقى والتى اختلفت عن سياسات الحكومات اليابانية السابقة، فهناك بعض البلدان فى المنطقة التى تستهدفها طوكيو كوجهات سياسية واستثمارية مثل مصر وكينيا وإثيوبيا وتنزانيا إلى جانب موزمبيق. وقد تضمت الجولتان اللتان أجراهما وزير الخارجية اليابانى إلى عدد من الدول الإفريقية بين شهرى ديسمبر2020 ويناير 2021 دولة كينيا التى استضافت مؤتمر طوكيو الدولى السادس للتنمية فى إفريقيا تيكاد، أغسطس 2016، إلى جانب دول موزمبيق وموريشيوس وجنوب إفريقيا والسنغال وتونس ، وذلك بهدف تعزيز التعاون المستقبلى معها، خاصة مع اقتراب موعد انعقاد قمة دول تيكاد – TICAD التى من المقرر أن تستضيفها تونس نهاية هذا الشهر.

ويكتسب القرن الإفريقى أهمية استراتيجية خاصة نتيجة اعتبارات عدة على رأسها العامل الجغرافى الذى منح المنطقة مميزات جيو سياسية أسهمت فى جعلها محط أنظار واهتمام القوى الدولية الساعية لتعزيز نفوذها واستثماراتها هناك، حيث ترتبط المنطقة بعدد من الممرات المائية الحيوية التى تعد حلقة الوصل بالنسبة للتجارة الدولية بين قارات العالم مثل البحر الأحمر الذى تتزايد أهميته كونه يمر عبره 13% - 15% من حجم التجارة العالمية . كما تمثل المنطقة امتداداً لمنطقة المحيط الهندى وما تشهده من سباق محتدم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين على الهيمنة والنفوذ، وهو ما يزيد من اهتمام طوكيو بالمنطقة فى إطار منافستها المستمرة مع بكين التى يتوسع نفوذها بشكل متسارع.

اقرأ أيضًا| العلاقات الإفريقية اليابانية.. 600 مليون دولار مساعدات ومؤتمر «تيكاد» للتنمية

وتتعلق المصالح اليابانية بشكل أساسى فى القرن الإفريقى بالجوانب الاقتصادية والتنموية؛ فقد لعب ضعف الموارد الطبيعية فى اليابان دوراً فى توسيع نطاق بحثها عنها فى مناطق أخرى مثل إفريقيا، والسعى نحو تأمين تلك الموارد والثروات الإفريقية. كما تعتبر طوكيو دول المنطقة بمثابة سوق مهم من أسواق النمو الرئيسية فى إفريقيا يمكن الاستفادة منها، خاصة فيما يتعلق بمشروعات البنية التحتية ومجال التكنولوجيا والتقنيات التى تحتاج إليها الدول الإفريقية. وتعزز اليابان التعاون مع بعض الأطراف الدولية مثل الهند من أجل تأسيس ممر النمو الآسيوى الإفريقى الذى يركز بشكل أساسى على المجالات ذات الأهمية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فى إفريقيا؛ مثل الزراعة والأمن الغذائى والرعاية الصحية وإدارة الكوارث الطبيعية. وترتبط الدبلوماسية التنموية لطوكيو فى إفريقيا بالحصول على دعم الشركاء الأفارقة فى قضاياها الدولية على الصعيد الدولي.

وتتركز الدبلوماسية الاقتصادية اليابانية فى القرن الإفريقى على الاستثمار فى عدد من القطاعات المهمة التى تسهم فى تعظيم مصالحها الاستراتيجية هناك ومن أبرزها البنية التحتية. والذى يأتى ضمن أولويات طوكيو لدعم التنمية الاقتصادية فى تلك الدول باعتباره أمراً ضرورياً لربط الاقتصادات الناشئة فى شرق إفريقيا، وهو الذى يرتبط بشكل أساسى بتزايد الاهتمام اليابانى بالممرات البحرية ولا سيما البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذى يربط بين إفريقيا وآسيا عبر بحار آسيا والمحيط الهندي.

السياسة اليابانية تجاه إفريقيا.. من المساعدات إلى الاستثمارات

يقول نيل فورد الخبير الاقتصادى فى التجارة والاستثمار فى تقرير نشرته مجلة «أفريكان بيزنس» المتخصصة فى الشأن الإفريقى إن معظم القوى العالمية تسعى للعب دور كبير فى الحياة السياسية والاقتصادية فى افريقيا منذ نهاية الحرب الباردة.. ولقد حاولت اليابان خلال العقود الماضية تغيير من سياستها الاقتصادية تجاه القارة السمراء من المساعدات الى الاستثمار.

ووفقاً لمجلة «افريقان بيزنس» سعى البعض لتصوير سياسة طوكيو على أنها محاولة لمواجهة النفوذ الصينى فى القارة، لكن القيمة النقدية لقروضها واستثماراتها لا تزال ضئيلة مقارنة ببكين، حيث اعتمدت الحكومة اليابانية سياسة «الكيف وليس الكم»، ولكن الحكومة الحالية لرئيس الوزراء فوميو كيشيدا تعهدت بالحفاظ على سياسة سلفه شينزو آبى لتوسيع الاستثمارات فى أفريقيا.

ولفتت المجلة الأفريقية إلى تمويل طوكيو لمجموعة من المشاريع المختلفة، من بينها تمويل يابانى لمحطة حاويات جديدة فى ميناء ناكالا الموزمبيقى وأيضًا محطة الحاويات الثانية فى ميناء مومباسا الرئيسى فى كينيا، بالإضافة إلى دعم مصادر الطاقة المتجددة كوسيلة لتعزيز التنمية، مع تواجد الخبرة اليابانية.

وأضافت أن اليابان مولت وحدة 6 بقدرة 83 ميجاوات فى موقع أولكاريا للطاقة الحرارية الأرضية فى كينيا، وقدمت قرضًا منخفض الفائدة بقيمة 99.6 مليار ين (746 مليون دولار) لتمويل المشروع الجديد وكذلك خطوط النقل المطلوبة لربط المحطة ببقية البلاد.

وتقوم الشركات اليابانية بتزويد المزيد من التوربينات الحرارية الأرضية. كما قدمت قرضا ب29 مليار ين (217 مليون دولار) فى مجال توليد الطاقة بفائدة تيسيرية بنسبة 0.2٪ قابلة للسداد على مدى 30 عامًا.. وارتفع عدد الشركات اليابانية العاملة فى إفريقيا من 520 فى عام 2010 إلى 796 فى عام 2019.

اتفاقيات دولية واستثمارات بأكثر من 40 مليار دولار  

يعد مؤتمر طوكيو الدولى للتنمية فى أفريقيا «التيكاد» أحد أهم وأبرز المحافل الدولية للتعاون التنموى بين الدول الإفريقية واليابان والمؤسسات الدولية.. وكانت اخر دورات هذا المؤتمر وهى الدورة السابعة والتى عقدت فى طوكيو بمشاركة مصرية، وتم التركيز فيها على موضوعات التحول الاقتصادي، وتحسين بيئة الأعمال والمؤسسات بالقارة الافريقية خاصة من خلال اشراك القطاع الخاص، وبناء مجتمع مستدام للأمن البشرى.
أما عن مؤتمر «التيكاد 1» والذى اعتبر نواة وبداية جذب الاستثمارات للقارة السمراء ، فقد عقد فى العاصمة اليابانية طوكيو، فى الفترة من 5 إلى 6 أكتوبر عام 1993، بمشاركة حوالى 50 دولة إفريقية وآسيوية.

عقبه مؤتمر «التيكاد 2».. وكان مؤتمر بدء تنفيذ الأهداف، واستضافته العاصمة اليابانية، فى الفترة من 19 إلى 20 أكتوبر 1998. وتكلل المؤتمر بالتزام الحكومة اليابانية بالأهداف التى تم الاتفاق عليها خلاله، والبدء فى تنفيذها.

أما مؤتمر «التيكاد 3» والذى عقد فى الفترة 29 سبتمبر إلى 1 ديسمبر 2003 بالعاصمة اليابانية، بحضور حوالى 90 دولة إفريقية وآسيوية، وأسفرت جهوده عن قرار رئيس الوزراء اليابان بتخصيص مبلغ وصل إلى مليار دولار كمساعدات وامدادات لتنمية وإعانة بلدان القارة.

وفى مؤتمر « التيكاد 4» الذى بدأ من يوم 28 وحتى 30 مايو 2008. والذى أقيم بمشاركة ما يتخطى الـ50 دولة إفريقية، وبحضور ممثلى 30 دولة آسيوية تكلل فى نهاية فعالياته بتخصيص حوالى 4 مليارات دولار من المساعدات لتطوير البنية التحتية للدول الأكثر معاناة.

مؤتمر «التيكاد 5» والذى انعقد بمدينة يوكوهاما اليابانية، فى الفترة من 31 مايو إلى 3 يونيو 2013، تحت عنوان «يدا بيد مع إفريقيا أكثر ديناميكية».
وأسفرت مناقشات وجلسات المؤتمر الذى شارك فيه ممثلو 60 دولة إفريقية وآسيوية، وممثلو المنظمات الدولية والإقليمية، عن تخصيص وكالة اليابان للتعاون الدولى «جايكا» مبلغ وصل إلى 6.5 مليار دولار، لدعم وتسريع تطوير البنية التحتية فى بلدان القارة، وتعزيز الموارد البشرية من خلال تدريب 30 ألف مواطن إفريقى فى مجال التنمية الصناعية، وتحسين بيئة التعلم لـ20 مليون طفل إفريقي.
ولم يختلف مؤتمر «التيكاد 6» كثيرا حيث نجح المؤتمر فى تخصيص استثمارات بقيمة 30 مليار دولار للقارة الافريقية.