الصومال.. تصفير المشاكل وإنهاء سياسة المحاور الإقليمية

الرئيس الصومالى أثناء استقباله للأمين العام للجامعةالعربية أحمد أبوالغيط بحضور السفير حسام زكى
الرئيس الصومالى أثناء استقباله للأمين العام للجامعةالعربية أحمد أبوالغيط بحضور السفير حسام زكى

لعل القراءة الدقيقة للزيارة التى قام بها الرئيس الصومالى الجديد حسين شيخ محمود إلى القاهرة تكشف للمتابع للشأن الصومالى أنها تندرج ضمن رؤى وسياسات جديدة داخليًا وخارجيًا ألزم بها الرئيس نفسه وعمل على تنفيذها منذ اليوم الأول لانتخابه فى منتصف مايو الماضى متفوقًا على غريمه الرئيس السابق محمد عبدالله محمد فرماجو، عقب ثلاث جولات من المنافسة اقترع فيها نواب غرفتى البرلمان وهما مجلس الشعب والشيوخ بعد حصوله على ٢١٤ صوتًا من بين ٢٣٨، بينما حصل منافسه على ١١٠ أصوات فقط فى نهاية لأزمة دستورية استمرت منذ مطلع ٢٠٢٠ عندما أراد  الرئيس المنتهى ولايته إجراء تعديلات على قانون الانتخابات، ولما فشل سعى إلى تمديد ولايته عامين فى أبريل من العام الماضى ونجح الرفض الشعبى والتدخلات الإقليمية والدولية فى إجراء الانتخابات فى منتصف مايو وفقًا للقانون القديم مع تعديلات متوافق عليها من الجميع.


ولعل الحضور العربى الرفيع لحفل تنصيب الرئيس الجديد كان مؤشرًا عن قراءة صحيحة لحجم التغييرات المتوقعة  فى السياسية الخارجية للصومال مع حسين شيخ محمود اعتمادًا على الفترة التى قضاها حسين شيخ محمود فى الرئاسة فى الفترة من عام ٢٠١٢ وحتى ٢٠١٧، بالإضافة الى حجم المشاكل والتحديات التى تواجه الصومال خلال فترة الرئيس السابق على مستوى إقليمى ودولى ولعلنا نتوقف عند النموذج المصرى، حيث حرصت القاهرة على أن تشارك فى الاحتفال بوفد يرأسه الدكتور مصطفى مدبولى مندوبًا على الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث أكد رئيس الوزراء عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وهو ما فعلته دول أخرى منها على سبيل المثال لا الحصر الإمارات العربية المتحدة، خاصة أن فترة الرئيس السابق شهدت استقطاباً صومالياً شديداً وانحيازًا واضحاً أثناء الأزمة الخماسية مع قطر ووصلت إلى مصادرة السلطات الصومالية أموالًا إماراتية وقامت بفسخ عقد إدارة شركة دبى لبعض الموانئ الصومالية، كما وصلت سياسة الاستقطاب الصومالى إلى تحفظه فى الجامعة العربية على قرارات تتعلق بالدعم العربى لموقف مصر والسودان العادل فى سد النهضة ودعوة إثيوبيا إلى الامتناع عن أى إجراءات أحادية دول التوصل إلى حل عادل ومنصف للأزمة، كما رفض قرارات من وزراء الخارجية العرب فى إدانة تركيا فى التدخل فى الشأن العراقى والسورى.    


وقد بدأ الرئيس الصومالى الجديد وخلال أيام بعد توليه المسئولية على التحرك سريعاً باتجاه سياسة (تصفير المشاكل وفك الارتباط بسياسة المحاور) التى رسخها الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو وفقاً لما أعلنه صراحة عن سعيه إلى تعاونه فى الحرب ضد الإرهاب وتعزيز علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة، وأشار إلى أن الصومال سيبقى صديقاً مع كل دولة تحترم سيادة ووحدة بلاده وفقاً للقوانين الدولية، وخلال تلك الفترة المحدودة زار كلاً من الإمارات وتركيا وكينيا وجيبوتى وتنزانيا ومصر، ولعل قائمة تلك الدول تقول إن هناك جديدًا فى الدبلوماسية الصومالية، وهى الحرص على تعزيز علاقاتها مع دول داعمة لبلاده خلال الفترة الماضية على أسس جديدة تضمن استقلالية القرار الصومالى ونموذجاً لذلك تركيا وإريتريا والتى كانت المحطة الثالثة فى جولاته الخارجية والأولى بين دول القرن الأفريقى، تأكيدًا على تبنى الإدارة الجديدة سياسات خارجية تعاونية منفتحة على المحيط الإقليمى والجوار الجغرافى، كما أن زيارته لدول مثل الإمارات دليل جديد على رغبتها فى تجاوز خلافات الماضى وما سببته من صراعات متشابكة وهو سعى إليه الرئيس الصومالى أيضاً بزيارته إلى القاهرة، إحدى العواصم المحورية على الصعيد العربى والأفريقى، ولعل ذكاء السياسة الصومالية الخارجية الجديدة تنبع من قراءتها للتغيير فى المنطقة التى تشهد الكثير من الجهود باتجاه المزيد من المصالحات بين دول حاول الرئيس السابق اللعب على خلافاتها، بالإضافة إلى ذلك فإن نجاح تلك السياسة سينعكس إيجاباً على التعاطى مع حجم التحديات التى يواجهها الصومال وفى مقدمتها الوضع الاقتصادى،

حيث تشهد البلاد أسوأ موجة جفاف تمر بها ويهدد أكثر ثلاثة ملايين مواطن بالمجاعة وتداعيات أزمة الحرب فى أوكرانيا، وقد بدأت المؤشرات الإيجابية على هذا الصعيد عندما أعلن صندوق النقد الدولى عن استئناف منحة بـ٤٠٠ مليون دولار كانت مجمدة نتيجة الأزمة السياسية بعد انتخاب الرئيس الجديد مع وعود من العديد من الدول التى زارها الرئيس على دعم الصومال اقتصادياً وزيادة حجم المعونات، ناهيك عن المساعدات لمواجهة التحديات التى تواجه الصومال فى مجالات أخرى مثل مقاومة الإرهاب ووضع دستور جديد للبلاد وإعادة فتح الحوار مع إقليم صوماليلاند، وذلك لتعزيز الاستقرار والتنمية والدفع نحو تحول ديمقراطى كامل.