فى ذكراه الـ 35: توفيق الحكيم يكتب لإبنه رسالة خاصة جداً

فى ذكراه الـ ٣٥: توفيق الحكيم يتذكر  ابنه فى رسالة خاصة جداً
فى ذكراه الـ ٣٥: توفيق الحكيم يتذكر ابنه فى رسالة خاصة جداً

تمر هذه الأيام الذكرى الــ 35 على رحيل الكاتب المسرحى الكبير توفيق الحكيم (١٨٩٨ ــ ١٩٨٧) وبهذه المناسبة نستعيد فى هذا الملف بعضاً من معاركه وذكرياته وأفكاره.

25 أكتوبر 1979ابنتى العزيزة هايدى
أمس 24 أكتوبر فى الساعة 12.30 الظهر، ساعة وفاته دخلت الحجرة التى مات فيها ووقفت أمام السرير الذى كان ممدداً عليه ولفظ النفس الأخير ونظرت إلى صورته المعلقة على الحائط أمامى وأغمضت عينى وقرأت الفاتحة على روحه الطاهرة.

وأنا اتصل بك روحياً وأتصورك تقرئين له الفاتحة أنت أيضاً فى تلك اللحظة، كما أننى تصورته فى العالم الآخر يتصل بنا روحياً كذلك، أى نحن الثلاثة فى لحظة واحدة هو فى السماء وأنت فى لندن وأنا فى مصر، قد اتصلنا معاً بالروح فى تلك الساعة، ولم يكن فى الشقة عندى أحد، فنحن لم نعمل سنوية ولم يعرف أحد بهذا اليوم وهذه اللحظة حتى ولا منصورة فلم تفطن إلى شىء.


وأنا لم أنبهها إلى شىء.. نحن الثلاثة فقط فى هذا الكون الواسع هو فى أعلى السماء وأنت وأنا بيننا بحار ولكننا عرفنا اليوم والساعة واجتمعنا بالروح ثلاثتنا وعملنا له السنوية فى قلوبنا الصامتة الخاشعة فى حب وصمت، ثم دخلت حجرتكم لم يكن بها شىء حتى ولا صورة له، ولكنى وجدت على الحائط فوق رأس سريركم مكتوب بالقلم الأسود العريض هذه العبارة بالإنجليزية: We do not lose the ones we love they only go be fore.


ثم التفت إلى الجهة الأخرى المقابلة للسرير حيث كانت توجد الركوردرات والأسطوانات فوجدت على الحائط أيضاً مرسوماً بالقلم الأسود العريض صورة قلب كبير داخله مكتوب بالإنجليزية LoveTwins وفوق ذلك كله كلمة الله أكبر بخط كبير.


وكان البيت كله غارقاً فى السكون التام، فصوره فى المطبخ ولا تدرى بشىء ورينو ذهب، وكأنه هو أيضاً لم يجد له مبرراً لوجوده بعدكم، فقد استلمته منذ أيام قليلة أكاديمية الشرطة بتوصية من وزير الداخلية بالعناية به.

وسلمونى بالفعل خطاباً بخط مدير أكاديمية الشرطة يطمئننى على استلام الكلب ويؤكد لى أنه سيكون فى الحفظ والصون.. وأنا وحدى أعيش وحيداً لأتألم وأتعذب، وبكيت، لم يحدث أنى بكيت يوم وفاته.. أتذكرين فاكره قد إيه كنت متماسك.. لماذا تحملت الصدمة فى وقتها: لأنك موجودة جنبى كنت ساندانى وأنا ساندك.

ولذلك لم يحدث انهيار لأى واحد منا، ومرت اللحظة الرهيبة فى أسرع وقت، ولم نشعر بآلامها كثيراً فى هذه الشقة بمصر كنت فيها يا هيدى أغلى ما بقى لى بعده فى تلك اللحظة الفظيعة، كنت الوحيدة الملازمة لى بالقاهرة بالشقة طول الوقت.

وكان حنانك الذى يحيط بى نعمة من الله لن أنساها أبداً وأشكر الله عليها، إنى أدخل وأخرج الآن من حجرات الشقة الخالية وأمسح دمعتى، لاشك أنك تتصورى مقدار ما أنا فيه من ألم، ولكن عزائى الآن فى خطاباتك وحنانك الذى أقرأ سطوره وخصوصاً فى خطابك الأخير المملوء بالحنان والقبلات، كما أنا فى حاجة إلى حنانك.. اكتبى لى دائماً ولو سطرين.. لا أريد أن أحزنك أكثر من ذلك.. لا أريد لك الحزن.. اضحكى وابتسمى قليلاً لأن ما يسعدنى الآن هو سعادتك أنت.. والدك الحزين الأكمد وما عليهش.


وقع نظرى على ألبومات الصور التى نشرتها كافة الصحف، وتذكرت إسماعيل لما قال لك: «أنت شاغلة نفسك بعمل الألبومات علشان بابا وانا نسيانى»، ثم قوله لك: «لو كان بابا يرضى ياخدنا باريس معاه»!! ومات ابنى المسكين ولم أحقق له مرة رغبته!!
 

اقرأ ايضا | هدى حمد تكتب: الكتابة ليست سباقاً بين الرجال والنساء