حياة « البلوجرز » تحت رقابة الدراما.. تفاصيل

البلوجرز
البلوجرز

كتب: مؤمن حيدة

قال سقراط الدراما محاكاة لفعل الإنسان، أي أنها إنعكاس للواقع المعايش, تتلاحم معه، فيتم ترجمته من خلال حكايات تصاغ في شكل حدثي متسلسل, تتغير اهتمامات الفن وفقا لتغير لغة العصر حتى تتواءم مع مفرداته الجديده, وفي عصر السوشيال ميديا والسموات المفتوحة, فرض واقعا جديدا بقضايا مختلفة شكلت مادة درامية ثرية لصناع الفن يتم ترجمتها ومعالجتها من خلال أعمال فنية مختلفة, بعد أن أصبحت حياة الكثير أشبه بالـلايف شو، بعضها تحول لـكدبة كبيرة، وحتى نتخطى المنعطف الخطر لعب الفن دوره في رصد تلك القضايا وحياة البلوجرز والإنفلونسرز واليوتيوبرز وغيرها من مسميات العالم الإفتراضي وخباياه, في محاولة لتحليل تهافت الناس على تلك التجارب وما يترتب عليها من سلبيات وإيجابيات.. عن أهمية دور الفن في القاء الضوء على تلك القضايا, وهل استطاع أن يتلاحم مع الواقع الذي يفرضه العالم الافتراضي بشكل متوازن؟.. نتحدث في السطور التالية.. 

 

جريمة قتل مروعة تثير الرأي العام, بعد العثور على جثة فتاة في مقتبل العمر داخل سيارة لرجل أعمال مشهور, ويتضح من تحريات المباحث أنها جثة “سلمى الوكيل” إنفلونسر تملك مئات الآلاف من المتابعين على تطبيق “تيك توك”، وتشير أصابع الإتهام إلى ذلك العالم الإفتراضي، إلى أن تكشف الحقائق, هذه هي قصة مسلسل “منعطف خطر” بطولة باسم سمرة, ريهام عبد الغفور والسوري باسل الخياط, وإخراج سدير مسعود وتأليف محمد المصري.

 

لكن هذا ليس العمل الوحيد الذي يرصد بالسلب حياة صناع المحتوى على السوشيال ميديا، حيث هناك حلقات “عائلة جيجي”، وهي حكاية من حكايات مسلسل “ورا كل باب”، وشارك في بطولتها نادين, إسلام جمال, ليلى عز العرب وهند عبد الحليم, وتأليف محمد الشواف وإخراج منال الصيفي.

كما ناقش مسلسل “ورا كل باب” أيضا من خلال حكاية “كدبة كبيرة”, خطورة استخدام مواقع التواصل الإجتماعي وصناعة التريند ومشاهير السوشيال ميديا والبحث عن الشهرة والربح السريع, والعمل كان من  بطولة أحمد زاهر وهنادى مهنى, وتأليف إسلام حافظ وإخراج سميح النقاش، أيضا يرصد مسلسل “لايف شو” حياة صناع المحتوى على الإنترنت وتأثير العالم الإفتراضي على حياتهم, والمسلسل تجربة مستقلة لمجموعة من الشباب، وعرض عبر “يوتيوب”. 

 

تطهير الذات

يقول المؤلف والسيناريست أيمن سلامة عن نقد الدراما للسوشيال ميديا وصانع المحتوى عليها بالقول: “من مهام الفن القاء الضوء على القضايا الإجتماعية الملحة, ومن ضمن تلك القضايا المثارة حاليا، والتي أصبحت جزء من حياة معظم الناس, هو مايفرضه العالم الإفتراضي من واقع وأسلوب حياة جديد ومختلف، ومتعلق بنجوم السوشيال ميديا من (تيك توك) و(يوتيوب) وخلافه, فهذه النوعية من الأعمال الفنية مهمة جدا، لأنها تحاول تنوير المجتمع تجاه خطورة السوشيال ميديا، خاصة على فئة الشباب، وما تحققه من إغراء لهم كالشهرة والربح السريع, دون الإكتراث بالمبادئ والأخلاق, لتقديم محتوى بغض النظر عن مضمونه في سبيل تحقيق مزيدا من المتابعين، حتى وإن كان المضمون هو أدق تفاصيل حياتهم الشخصية, فالدراما بمثابة جرس إنذار لكل أسرة مصرية، حتى تتمكن من التعامل مع المسألة بشيء من الحكمة وحماية الأبناء من المخاطر والاستفادة من المميزات”.

 

ويضيف قائلا: “لقد تطرقت لهذه القضايا في أعمالي, على سبيل المثال مسلسل (يوتيرن)، الذي قدمت فيه خط درامي خاص عن السوشيال ميديا, وفي فيلم (بنات ثانوي) قدمت معالجة لهوس البنات بالشهرة، من خلال عرض تفاصيل حياتهن على مواقع التواصل الإجتماعي, فالفن حلقة ضمن سلسلة تكتمل حلقاتها بدور الأسرة ومنظومة التعليم والإعلام لتحقيق التوعية اللازمة, وأعتقد أنه من أسمى مهام الفن إلى جانب وظيفته الترفيهية, أنه ممر للثقافة, وقال عنه أرسطو منذ أكثر من 2500 عام، أن أهداف الفن سامية، فهو يسعى إلى تطهير الذات من انفعالاتها الداخلية، وله قدرة على تغيير العقول والمجتمعات والارتقاء بها”.

 

ويرى سلامة أنه من الضرورى تكثيف الأعمال التي تناقش تلك القضايا, فصناع الفن قضيتهم واحدة، وهي التحذير من مخاطر السوشيال ميديا والإندماج أو التماس مع هذا الواقع لغربلته, كما يرى أن هناك حالة استنكار من الفن بشكل عام لما يقدم من محتوى على السوشيال ميديا، ويستكمل سلامة حديثه قائلا: “المشهد عبثي, وعلاقة الفن والسوشيال ميديا سيئة، لأن بعض الفنانين يستخدمونها كوسيلة للهجوم على البعض الآخر، والضرب من تحت الحزام, وفي المقابل هناك من يسيء إستخدامها للتطاول على الفنانين وتشكيل لجان إلكترونية في حرب تكسير العظام وتزييف الحقائق”.

 

تلاحم مع الواقع

من جانبها أكدت الناقدة د. عزة هيكل، على أهمية التناول الدرامي لقضايا السوشيال ميديا التي باتت تشكل هوس وإدمان لدى الكثيرين, وتقول: “الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الإجتماعي, قد يتسبب في العزلة الإجتماعية والإنطواء, كما له أثر كبير في سحق القيم والأخلاقيات، مما قد يعكس صورة مشوهة عن المجتمع, وتلعب الدراما دور مهم في الاشتباك مع الواقع, فتضع تلك المشاكل تحت المجهر حتى تتلاحم مع المشاهد برصد قضايا مهمة تمس كل الفئات وشرائح المجتمع, والأهم من طرح القضية هو محاولة الوصول للحلول أو حتى لفت النظر لمخاطرها, فلا يمكن فصل الأعمال الفنية الدارمية عن قضايا المجتمع وكشف الصورة كاملة وبصدق حتى يتشكل وعي ودراية لدى المتلقي بكل ما يدور حوله”.

 

وتتابع قائلة: “الدراما حاولت نقل هذا الواقع ومواكبة التطور والتعبير عنه في بعض الأعمال, لكن معظم تلك الأعمال يكتبها الشباب من وجهة نظرهم, فتتم المعالجة لجانب واحد منها، وبالطبع يكون الجانب السلبي, وكما نعلم للسوشيال ميديا كما لها سلبيات، لها أيضا إيجابيات, ورغم أنه عالم مليء بالكذب، إلا أنه يتيح مساحات من الحرية وله تأثير على المجتمع وقدرة على كشف حالات الاستقطاب والتعصب والإنحلال, بمعنى أنها تساهم في كشف المجتمع وتعرية ما يصعب على الإعلام الرسمي القيام به, لذلك على الصناع محاولة تحقيق التوازن في رصد القضية بكافة جوانبها, دون الاهتمام فقط برصد المخالفات من الأخبار الكاذبة والشخصيات الوهمية والتهديد والإبتزاز والفضائح, وإقحام خط درامي في بعض الأعمال دون هدف أو تأثير, فمن شأن ذلك التقليل من تأثير الفن وقدرته على التلاحم مع ذلك الواقع, فالمهم هو مناقشة تلك القضايا بشكل واضح وصريح وكشف خبايا مواقع التواصل الإجتماعي وكيف يسيء البعض استخدامها لتحقيق شهرة كبيرة في وقت قصير, وأن يكون ذلك بهدف التوعية، فهناك أسر قد تجهل كيفية التعامل مع المسألة أو تقبل الفكره نفسها”.

 

لغة العصر

وترى الناقدة ماجدة خير الله أن السوشيال ميديا أصبحت لغة العصر، ولا يمكن محاربتها, وباتت تشكل مساحة كبيرة من اهتمام الجمهور، لذلك من الطبيعي أن ينعكس ذلك على الفن برصد وتحليل تلك التجارب, وتقول: “هناك أعمال نجحت في معالجة القضية بأبعادها النفسية والإجتماعية, وحققت عنصر الجذب، وفي نفس الوقت قدمت محتوى فني هادف يناقش قضية إجتماعية معاصرة, فمواقع التواصل تعتبر من أهم الأسباب التي أدت إلى خلل في العلاقات الأسرية، بالإضافة إلى تعدي القيم الأخلاقية والمتاجرة بالحياة الشخصية في سبيل الشهرة والأرباح المالية الكبيرة, ويلعب الفن دور مهم جدا في رصد تلك القضايا, لكن مع ذلك أرفض تقديم النماذج السلبية التي تتخطى حدود الأدب، ولا تتناسب مع المرحلة العمرية للفئة التي تخاطبها، أو تقديم محتوى فارغ أجوف يفتقر للمعلومة”.

 

وتضيف: “الدراما غير مطالبة بالهجوم طوال الوقت، ولا بالتركيز على السلبيات فقط, لأن معظم تلك الأنشطة في الحقيقة ليست مشينة أو سيئة, لكنه عالم جديد ومختلف وعلينا تقبله، وأن نقدر على مجابهته.

واختتمت ماجدة حديثها بالقول: “الفن ليس منابر للمواعظ، ولا من وظيفته تربية الناس, هو فقط يرصد الواقع دون افتعال خط درامي، أو إقحام شخصيات معينة من أجل أن نزيد معرفة الناس بها, لأن الناس على دراية كافية بهذا الواقع, والمطلوب منا فن هادف دون إنعزال عن الواقع”.