السينما المصرية في بداية الثمانينات.. أساطير خلف الكاميرا

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كتب: أحمد سيد

في بداية الثمانينات بدأت مصر في العودة إلى العلاقات العربية بعد فترة قطيعة حدثت بسبب إتفاقية السلام نهاية السبعينيات، وهو ما جعل هناك جيل كامل من الشباب يتوجه إلى دول الخليج لتحسين دخله، هذا الأمر رغم أنه حقق بعض الصعود للاقتصاد المصري، لكنه أصابها بالعديد من الآفات الإجتماعية، التي جسدتها السينما المصرية في تلك الفترة، حتى أطلق عليها فترة "السينما الجديدة"، حيث ولدت الواقعية من جديد على يد مجموعة من المخرجين الشباب أمثال محمد خان وعاطف الطيب ورأفت الميهي وداوود عبد السيد وخيري بشارة وعلي عبد الخالق وعمر عبدالعزيز، الذين واجهوا مشاكل المجتمع الجديد المتصاعدة، كما واجهوا "أفلام المقاولات أو الفيديو" الذي حقق طفرة إنتاجية، لكن بأفلام خالية من المضمون، بل وخالية من الفن.

بعيدًا عن "سينما المقاولات" التي كانت تصنع على عجل من أجل خدمة تقنية أجهزة "الفيديو" الذي ظهر في الخليج في السبعينيات وانتقل إلى مصر بشكل واسع في الثمانينات، كان هناك جيل من المخرجين الشباب يصنع المجد، ويؤسس لسينما مصرية تعبر عن واقعها، وذلك بمساندة بعض النجوم وعلى رأسهم نور الشريف، الذي تبنى عدد من المخرجين الشباب ودعم أفلامهم إنتاجيا، وعلى رأسهم محمد خان.

محمد خان
بدأ خان مشواره بدراسة السينما في لندن، وعاد إلى مصر محملا بالعلم والرؤى المختلفة، وارتبط بعدد من المبدعين الذين كون معهم رابطة أو “جماعة الصحبة”، وكان أعضائها المخرج والمؤلف داوود عبد السيد ومدير التصوير سعيد الشيمي والمونتيرة نادية شكري والمخرج عاطف الطيب والمخرج خيري بشارة، وأتفقوا جميعا على إنتاج فيلم يحققوا فيه وجهة نظرهم السينمائية بعيدا عن آليات صناعة السينما في تلك افلترة، وكان “الحريف” باكورة إنتاج هذه الرابطة، والذي يعد أبرز أفلام هذه المرحلة، والذي كان سببا في لقاء خان بـ”الزعيم” عادل إمام، حيث استوحى قصة الفيلم – الذي عرض عام 1983 - من قصة حقيقية لشاب يعشق كرة القدم يسمى “سعيد الحافي”، واستطاع خان في هذا العمل أن يقدم لنا نموذج من الشخصيات المهمشة الحالمة، ليبدأ خان مسيرته مع سينما الشارع، والتي أبتعدت عن الديكورات المصنوعة وأكتفت بالتصوير الخارجي، ليقدم في فترة الثمانينات أحد أبرز أفلامه، وهو “خرج ولم يعد”، الذي عرض عام 1984، الذي قدم فيه نقدا لحياة المدن في مصر، حيث ينسى الإنسان نفسه وحياته وسط بعض المتطلبات المادية، في مقابل حياة الريف التي تزدهر بشكل خفي.  

خان قدم في تلك الفترة ثنائية مع النجم أحمد زكي، كانت قمتها في عملين، “زوجة رجل مهم” و”أحلام هند وكاميليا”، والعملين تم اختيارهما ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، بل أن العمل الأول – الذي عرض عام 1987 -  حصل على الجائزة الثانية “سيف دمشق الفضي” كأفضل فيلم من مهرجان دمشق السينمائي.    

اقرأ أيضا | ورق الكبار.. المرحلة الأفضل في السينما

الميهي
هو المدرسة الأغرب ضمن صناع السينما الجديدة في الثمانينات، حيث اعتمد في عرض مشاكله على الفانتازيا الساخرة، وهي طريقة جعلت بعض أفلامه ناجحة وأيقونية لدى المشاهد حتى البسيط، والبعض الآخر غير مفهوم لديهم وأشبه بأعمال فلسفية لم تحقق نجاحا جماهيريا يذكر، لكن أكثر ما ميز الميهي، أنه كان صانع كامل لأفلامه، حيث كان من أبناء مدرسة “سينما المؤلف”، فكان يؤلف ويخرج بل ويشارك في الإنتاج، وأولى أعماله في تلك الفترة كانت في فيلم “عيون لا تنام” بطولة أحمد زكي ومديحة كامل، المأخوذ عن مسرحية للكاتب يوجين أونيل، وفي عام 1983 تعاون مع “الزعيم” عادل إمام في فيلم “الأفوكاتو”، قصة وسيناريو وحوار وإخراج الميهي، وفي منتصف الثمانينيات قدم فيلم “للحب قصة أخيرة” من تأليفه وإخراجه مع يحيى الفخراني، وفي تلك الفترة قدم عدد من الأعمال الناجحة مع الثنائي المفضل لديه، وهما محمود عبد العزيز ومعالي زايد، حيث قدما ثلاثية “سيداتي انساتي، السادة الرجال، سمك لبن تمر هندي”.

الطيب
العديد من الألقاب أطلقت على عاطف الطيب، منها “مخرج الواقعية الجديدة” و”مخرج سينما البسطاء”، وذلك رغم مسيرته القصيرة التي بدأت مع فترة الثمانينات، وانتهت مع نهاية التسعينيات، وضمت 21 فيلم، بدأ الطيب مسيرته الفنية كمساعد مخرج في عدد من أفلام كبار المخرجين أمثال شادي عبد السلام ويوسف شاهين، إلى جانب مشاركته كمساعد مخرج في أفلام أجنبية صورت بمصر، منها “جيمس بوند.. الجاسوس الذي أحبني” عام 1977، و”جريمة على نهر النيل” عام 1978، و”أبو الهول” عام 1980.

واكتسب الطيب عديد من الخبرات بعد مشاركته في هذه الأفلام، ليبدأ في تقديم باكورة أعماله فيلم “الغيرة القاتلة” عام 1982، وهنا ارتبط اسمه بقضايا المواطن البسيط وحقوقه، والتي بلغت قمتها في فيلم “البريء”، الذي واجه مشاكل رقابية ضخمة قبل عرضه، لدرجة تغيير نهاية الفيلم، رغم أن العمل تنبأ بأحداث مرعبة شهدتها القاهرة لاحقا.

الطيب وجه سهامه في أفلامه إلى رجال الأعمال الفاسدين، وضعف سلطة الدولة على المجتمع في مقابل صعود رأس المال، وتزايد التطرف الديني الذي يظهر على هامش كل مشاهد الشوارع لديه، وهذا ما يظهر بوضوح في أعماله مثل “ملف في الآداب” و”التخشيبة”، لكن يبقى عمله الأبرز في تلك الفترة هو فيلم “سواق الأتوبيس” الذي حصد العديد من الجوائز العالمية، وكان بداية لتعاون طويل مع نور الشريف.   

عبد الخالق
قدم للسينما عديد من الأفلام التي تعتبر من كلاسيكات السينما المصرية على مر عصورها، واستطاع أن يقدم عديد من الثنائيات، ومنها ما قدمه مع محمود عبد العزيز، حيث كان له نصيب الأسد في أفلام عبد الخالق بـ8 أفلام، وكانت البداية بـ”الأبالسة” عام 1980، وهو عمل ميلودرامي لعب فيه دور طاغية في قرية يتصدى له أحد المدرسين – لعب دوره فريد شوقي-، لكن يعد فيلم “العار” الإنطلاقة الحقيقية التي جمعتهما، مع شريك ثالث هو المؤلف محمود أبو زيد، ليكتمل مثلث الأفلام الأخلاقية، ورغم أن تلك الأفلام صنفت كأفلام تجارية، لكنها أيضا عبرت بشكل صادق عن الواقع الإجتماعي المصري في الثمانينات، حيث صعود الرأسمالية، وإرتفاع طبقات جديدة على حساب أخرى، وتراجع قيمة التعليم أمام الحرف.. الثلاثي قدم ما عرف وقتها بـ”ثلاثية الأخلاق”، والتي بدأت بـ”العار”، ثم “الكيف” عام 1985، و”جري الوحوش” عام 1987.    

وصلت رحلة عبد الخالق إلى ذروتها في الأعمال الوطنية، والغريب أنه رغم أن الأعمال الوطنية عادة ما لا تحقق نجاح تجاري كبير، إلا أن عبد الخالق استطاع الجمع بين النجاح التجاري والحس الوطني في أعماله،  وهو ما يتضح في فيلم “إعدام ميت” مع محمود عبد العزيز أيضا.