العلاج يبدأ من محاضر الشرطة .. وتعميم استخدام الكمبيوتر فى التحقيقات والمحاكمات

رفعت الجلسة| الطريق إلى «العدالة الناجزة» (1-2)

المستشار بشير عبد العال رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق
المستشار بشير عبد العال رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق

فتحت «رفعت الجلسة» النقاش حول «العدالة الناجزة» وآليات تحقيقها، وتم التواصل مع قضاة وقانونيين ومحامين وأساتذة حقوق لطرح وجهات نظرهم فى مقالات تنشر أسبوعيا على صدر الصفحة تضع الخطوط العريضة وآليات تسريع بطء العدالة.

ولا يجب وسط كل ذلك أن نغفل الدور الكبير الذى تقوم به وزارة العدل لتسريع أمد التقاضى، والمجهود الواضح الذى يقوم به المستشار عمر مروان.

وزير العدل وحرصه على نجاح المشروع العملاق «عدالة مصر الرقمية» تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، والذى ظهرت ثماره فى التقاضى الإلكترونى عن بعد، وميكنة العمل فى المحاكم، وإنشاء مدينة العدالة وإحداث ثورة تشريعية كبيرة ساهمت فى تسريع الفصل فى القضايا.

ونبدأ أولى المقالات بالمستشار بشير عبد العال رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق والذى سرد رؤيته حول طرق الوصول للعدالة الناجزة بواقع خبرته القضائية الطويلة فى المحاكم.

العدالة الناجزة .. مصطلح جامع مانع ينطوى تحت لوائه العديد من المفردات التى لابد من توافرها لكى نصل فى النهاية إلى ما ننشده ونبتغيه من عدالة ناجزة سريعة، والتى إذا غربت قد تضيع معها حقوق كثيرة، وحقوق يتوفى أجيال من أصحابها قبل وصول الحق إليهم.


ولكى نصل إلى هذه العدالة الناجزة لابد من أن تكون لها منظومة تحدد بداءة السبل (شد وضم السين، وضم الباء) التى لو اتبعناها وطبقناها لوجدنا أنفسنا أمام عدالة ناجزة نباهى بها بين دول العالم.

ولا مراء فى أن العدالة مطلقا .. ومنذ وقت ليس بقصير تعانى من أعراض الهرم (بكسر الهاء وفتح الراء) ..

لا لعيب فيها وإنما لعدم التجديد والتطوير فيها بالقدر الذى يواكب التطور السريع فى القضايا وتنوعها والمشاكل التى تحملها بين جنباتها ..

وبعيدا عما يقال دائما، ويكرر تكرارا قد يصل إلى درجة الملل من أن العدالة الناجزة تحتاج إلى تطوير منظومة العمل فى المحاكم وتطوير التشريعات وتحسين الخدمات فى كل المجالات .. من مقار وآليات واستخدام التكنولجيا وتطوير معلومات العاملين فى هذا الحقل .. وللأسف لم أر..

ولم أسمع ترجمة واقعية فعلية لهذه الشعارات .. اللهم إلا النذر اليسير الذى يضيع فى خضم المشاكل الجسام التى تزداد يوما تلو الآخر.

وبادئ ذى بدء .. أود الإشارة إلى أن جل القوانين قد صدرت منذ عقود عدة ومازال العمل بها ساريا حتى اليوم .. ولا مراء فى أن بعضها قد طاله التعديل ورغم ذلك ففيها أو فى جلها ثغرات إذا أسىء استخدامها، فإن أمد التقاضى قد يطول بطريقة قد يموت خلاله بعض الخصوم.

ورغم أن هذه النصوص كانت موجودة منذ وضع هذه القوانين التى تحتويها إلا أنه قديما كان جل البشر يتميز بتقوى القلوب التى لم تكن تلجأ إلى التضليل إلا النذر اليسير.

ولم يكن هذا الأمر يمثل ظاهرة بل حالات فردية.

وفى هذا السياق تبدو بوضوح ما يسمى ببطء العدالة .. وليست العدالة البطيئة .. لأنها لا تمت إلى العدالة إلا فى التسمية فقط، حيث يستغل فيها الخصوم ذوو الضمائر الميتة والقلوب المتحجرة سلبيات عدة موجودة منذ القدم على السبل (بضم وشد السين) التى تؤدى إلى العدالة إن وجدت.

ونبدؤها بمحاضر الشرطة حيث نجد أن جلها من محضر ضبط وجمع استدلالات، أو جزء منها ليس بالقليل يستغرق وقتا طويلا حتى يتم عرضها على النيابة العامة ..

بحجة أن الطرف المشكو فى حقه أو المتهم لم يحضر ولم يتم الاستدلال عليه، رغم أنه فى أحيان كثيرة يكون هؤلاء المطلوبون فى بيوتهم ويسرحون ويمرحون فى الشوارع ..

ويصل الأمر بالبعض أن يغيظ بل ويخرج لسانه للمتضرر كيدا ونحرا.. فضلا عن، أن هذه المحاضر تحرر بخط ردىء أحيانا كثيرة، وفى الغالب الأعم لا يقرأ، ويدون المحضر أحيانا على ورق نسميه فى المحاكم «ورق دشت» يتعرض للتلف السريع لا بفعل بفاعل وإنما من العوامل الجوية والمحيطة به لرداءة تصنيعه ..

وتمر الأيام ولا يستوفى المحضر .. ويظل فى نوبتجية القسم أو المركز أياما وإذا لم يستوفه المختص يرسله مبتورا إلى النيابة العامة ويدون فيه العبارة الشهيرة حيث أرسلنا فى طلبه عدة مرات ولم يحضر ..

ويتم قفل المحضر وإرساله إلى النيابة قاصرا .. ولو سألت من لم يحضر وكان صادقا وامينا يقول لك لم يحضر إلى أحد ولم تطلبنى الشرطة، ولو تمت متابعة هذا الإجراء من رئاسة محرر المحضر ومراجعته أو من جهة أعلى منها لما تأخر .. ولما تأخرت العدالة بسببه.

وأرى دائما .. أعمال مبدأ الثواب والعقاب مع كل من يوكل إليه قطرة فى بحر العدالة فمن أنجز عمله بضمير وعناية يثاب ويشار إلى ذلك فى تقارير كفايته ومن لم ينجز عمله دون عذر مقبول يؤاخذ على ذلك، ويوضع مأخذه فى ملفه.

إذن فمحاضر الشرطة هى أول درجة فى سلم العدالة والسرعة مطلوبة فيها ولا يتعلل محررها بعدم حضور الطرف الآخر لأنه يتعين على مأمور الضبط القضائى أن يحضره إما رضاء أو يعرض الأم على النيابة العامة لاتخاذ ما تراه فى شأن إحضاره.

وأى رجل إدارة لا يتعاون فى ذلك ولا يرشد عن المطلوبين تتم محاسبته ..

محاسبة قد تكلفه فقد وظيفته ..

وبعد ذلك تذهب المحاضر إلى النيابة العامة التى تؤدى رسالتها على التو، فتحقق ما يتعين تحقيقه فى الوقت الذى يتعين فيه على الشرطة أن تقوم بإحضار الشهود الذين وردت أسماؤهم فى الأوراق حتى لا يضيع الوقت فى طلبهم، ومن يرفض يعرض الأمر فورا على النيابة العامة لإعمال القانون فى حقهم والذى يصل أحيانا بعد توافر شرائطه إلى ضبط الشاهد وإحضاره.

أيضا يتم ذلك بالنسبة الى المتهم الذين يجب على مأمور الضبط القضائى ان يحضره مع المحضر الى النيابة العامة او يطلب من النيابة اصدار امر بضبطة واحضاره ..

ويتم تنفيذ أمر الضبط والإحضار بسرعة وبأمانة شديدة وكل من أهمل فى ذلك يعاقب طبقا للمادة 141 من قانون العقوبات بالعقوبة المنصوص عليها فى المادة 140 من ذات القانون.

وتود الإشارة إلى أنه من دواعى الإسراع بالتصرف فى قضايا الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر التى يوجب القانون فيها حضور محام مع المتهم ..

وطبقا للمادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية يتعين على المحامين الحاضرين مع المتهمين أو الذين يرغبون فى الحضور معهم أن يتقدموا فورا للنيابة العامة ودون تأخير للحضور مع ذلك المتهم الذى سيعرض على النيابة العامة.. وإن تعذر عليه الحضور فعليه أن ينيب عنه من يحضر بدلا منه دون أن يترتب على ذلك ثمة تعطيل وإلا فعلى النيابة العامة ندب أحد المحامين للحضور مع المتهم.


ولا مجال هنا إلى القول بأن المتهم يتمسك بمحاميه ..

وأن حقه مقدم على حق ندب محام غيره ..لأننا بصدد عدالة ناجزة لا تعرف حلولا وسطا.


ومن المعلوم أنه ونحن ننشد عدالة ناجزة فلابد من عمد (بضم العين والميم) تقوم عليها تساعد وتؤثر فى تحقيقها .. فلابد من تعميم استخدام الكمبيوتر فى التحقيقات والمحاكمات وهو مطبق بالفعل فى بعض المحاكم.

وذلك لكى نتخلص من تدخل العنصر البشرى والخط الردىء والأخطاء الإملائية والنحوية وإغفال بعض الأقوال عن عمد أو عن جهل.