كيف واجهت السينما الأمريكية التضخم دون أن ترفع أسعار التذاكر ؟

لقطة من فيلم الخيال العلمى «Jurassic World Dominion»
لقطة من فيلم الخيال العلمى «Jurassic World Dominion»

لم تنج أمريكا بكل إمكاناتها الهائلة من الأزمة الاقتصادية التى تعصف بالعالم الآن بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ، لتضاعف أثر التضخم الذى بدأ مع وباء كورونا ، يهدد البشرية بعنف ،وبشكل متواز مع أزمات المناخ ينذر بنقص شديد فى الغذاء وانتشار الأمراض .. فاتورة مأساوية يدفعها العالم كله ثمناً لمعارك وشطط الكبار ، وكالعادة يتحمل الجانب الأضعف من العالم الثمن الأكبر،لكن للكل نصيباً مفروضاً من هذه الفاتورة القاسية .


 مع بداية العام ، ضرب الغلاء كل مفردات الحياة فى أمريكا ، زيادة تجاوزت ثلاثين وأربعين فى المائة ، جعلت من مواصلة الحياة بالشكل المعتاد أمرًا مستحيلاً ، الكل يراجع أوراقه وفواتيره ويعيد ترتيب أولوياته ، ولأن لصناعة الترفيه هنا خبراء وقوانين ، تم عمل دراسات اقتصادية سريعة ، وكان القرار الأصوب فى صالح الجمهور وبالتالى لصالح الصناعة .. لا مساس بأسعار تذاكر دور العرض أو أسعار خدمات البث ، بل قامت بعض المنصات بتقديم عروض ترويجية لجذب مشتركين جدد وضمان بقاء عملائها القدامى، وهو فى حد ذاته تحدٍ كبير .. ففى الأزمات الاقتصادية قد يصبح الاستغناء عن تكاليف الترفيه المرهقة هو الحل الأسهل لإنقاذ ميزانية الأسرة ، وهو ما لا يريده بالتأكيد عمالقة صناعة الترفيه .. هنا ورغم أنهم يتكبدون أعباء إضافية لا تقل عن ثلاثين فى المائة زيادة فى ميزانية إنتاج فيلم أو برنامج تأثرا بارتفاع فواتير الطاقة أو أسعار خامات الديكور ومدخلات الصناعة ، إلا أنهم يدركون جيدا أن عليهم تحمل الأعباء والتعامل بذكاء مع الأزمة حتى يحولون الخسارة لأرباح بعيداً عن ميزانية المواطن .. معادلة صعبة لكنها لم تكن مستحيلة .


هوليوود والمعادلة الصعبة


أول رموز المعادلة كان الاكتفاء بصالات العرض الموجودة وعدم زيادتها كالمعتاد كل عام ،فتكاليف إنشاء وتجهيز قاعات العرض تأثرت بالتضخم وزادت بصورة مذهلة ،خاصة بعد زيادة فوائد القروض عدة مرات هذا العام .. الأمر الثانى كان الاستغناء عن أى تجهيزات لا يمكن تدبيرها محلياً ، فكل المستورد مرفوض ،خاصة مع الأزمات فى سلاسل التوريد منذ جائحة كورونا ، ثالثا ، كان الاستغناء عن أى مشهد غير مهم يلزمه بناء ديكور وذلك ضغطا للتكاليف ، وهو ما  تؤكده « هوليوود ريبورترز «على لسان  مارك بينكى نائب الرئيس التنفيذى للإنتاج فى شركة NBC Universal :«نحاول الآن تجميع مواقع التصوير لتقليل أيام العمل ، ونلجأ أحيانا لتحويل المشاهد التى تمت كتابتها للتصوير فى مواقع مختلفة لموقع واحد فقط ، ولأول مرة نراعى تقليل نفقات الوقود بعد ارتفاع تكلفة الغاز»!


لكن الجميع اتفق على عدم تقليص حجم البناء أو إجراء تخفيض يؤثر على العملية الإنتاجية بالسلب ، فى وقت تؤكد فيه شركات الإنتاج والتوزيع بأن الطلب على المحتوى فى أعلى مستوياته وقد زاد هذا العام أكثر من أربعين فى المائة ،والكل يحاول التغلب على العوائق بشتى الطرق للفوز بالجمهور، وترصد الشركات العملاقة ميزانيات ضخمة للإنتاج هذا العام ، فتخطط ديزنى لإنفاق ٣٣ مليار دولار وترصد وارنر بروس ٢٣ ملياراً ،فى حين رصدت نتفليكس ١٧ مليار دولار .


تخفيض أسعار التذاكر !


أهم ما جاء بالمعادلة كان تطوير المحتوى وتنوعه لجذب كل الفئات الجماهيرية ، وهو ما تحرص عليه الشركات الأمريكية عادة ، لكن خريطة عروض موسم الصيف هذا العام  تم وضعها بدقة و بحسابات خاصة ، والنتيجة كانت مبهرة ، افتتح موسم الصيف فيلم الأكشن «Top Gun :Maverick» لچوزيف كوزينسكى بطولة توم كروز، فحقق إيرادات ضخمة منذ انطلاقه ٦٤٧ مليون دولار فى أمريكا الشمالية فى تسعة أسابيع فقط ، لتتجاوز إيراداته العالمية مليار و٣٠٠ مليون دولار، ومازال يحصد الملايين حول العالم.


ولحق به فيلم المغامرات والخيال العلمى  «Jurassic World Dominion» لكولين تريڤورو ،بطولة كريس برات وقد حقق فى سبعة أسابيع ٥٥٥ مليون دولار فى أمريكا الشمالية لتصل إيراداته العالمية 920 مليون دولار !.. بعده عُرض فيلم السيرة الذاتية «Elvis» لعشاق أسطورة الروك إلڤيس بريسلى لباز لورمان بطولة أوستين باتلر وتوم هانكس ، فحقق 100 مليون دولار فى أمريكا  لتصل إلى 170 مليون حول العالم، وهى إيرادات جيدة لكن لا تقارن بأفلام الأكشن والمغامرات التى أشعلت موسم الصيف الأمريكى والتى تتوالى فى خطة محكمة لتعويض خسائر الصناعة خلال العام الماضى .. ولحق بماراثون الصيف فيلم الانيميشن «Minions:The Rise of Gru» ليكمل تنوع خريطة العروض ، فحقق فى أربعة أسابيع فقط 342  مليوناً فى أمريكا الشمالية لتصبح إيراداته العالمية 640 مليون دولار .. ثم طرحت ديزنى الكارت الرابح جماهيرياً «Thor:Love And Thunder» لتايكا وايتيتى بطولة كريس هيمسورث وناتالى بورتمان فحقق فى ثلاثة أسابيع فقط 322 مليون دولار ، لتقترب إيراداته عالميا من600 مليون دولار..  ثلاثة مليارات و٦٠٠ مليون دولار تقريبا  لخمسة أفلام فقط  فى شهرين ،وهناك أفلام أخرى تعرض فى نفس الوقت وتحقق أرقاماً ضخمة أيضاً ، ومازال موسم الصيف لم يشتعل بأفلام أغسطس .


 أرقام خيالية حققها المنتجون دون أن تتحرك أسعار تذاكر السينما سنتا واحدا ، وبلا أى شكوى أو ضجيج عن ارتفاع أسعار الخامات والفواتير وكل توابع التضخم .. لم يضع المنتجون أيديهم فى جيوب الجمهور ولم تتبرم شركات دور العرض والتى عانت بشدة من الإغلاق ما يقرب من عامين، ولم تحاول تعويض خسارتها برفع قيمة التذاكر بل طورت وحدثت قاعاتها (الفاخرة أصلا) ، وللعلم متوسط سعر تذكرة السينما فى أمريكا ثمانية دولارات ، وفى منتصف الأسبوع لا تتجاوز خمسة دولارات ، ولعشاق السينما متاح اشتراك شهرى مقابل ٢٣ دولاراً لمشاهدة الأفلام بلا حدود .. هكذا يكون التخطيط  والإدارة عندما يكون لديك من يدير.