قصة « خارج الدنيا ».. أسامة أنور عكاشة يبدأ عالمه الدرامى الممتد

أسامة أنور عكاشة
أسامة أنور عكاشة

يحيى وجدي

ثمة مفارقة مدهشة في أن أسامة أنور عكاشة بدأ حياته الإبداعية كاتبا للقصة القصيرة.. صاحب الحكايات الطويلة، المتقاطعة المتشابكة والتي تفضي بعضها إلى بعض.. الحكايات التي صنع منها عالما كاملا وممتدا في الزمان، بدأ مسيرته الأدبية، كاتبا للقصة القصيرة على ما تتطلبه من تكثيف ورمزية وضغط لزمن الحكي، قبل أن يصبح أحد أهم أعمدة الدراما العربية إن لم يكن عمودها الوحيد والأهم.

في عام 1967 كانت هزيمة يونيو قد وقعت، وخيمت روحها الثقيلة على مصر كلها، وانهارت معها أحلاما كثيرة، حينما أصدر الكاتب الشاب أسامة أنور عكاشة وكان في السادسة والعشرين من عمره (مواليد 1941) كتابه الأول.. مجموعة قصصية بعنوان “خارج الدنيا” وصدرت عن “المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية”، الذي يكافئ الآن “المجلس الأعلى للثقافة”.

ولم تكن القصص المنشورة في المجموعة حديثة، أو مكتوبة في نفس العام، فالكاتب الشاب أسامة أنور عكاشة ابن مدينة طنطا بالميلاد وكفر الشيخ بالنشأة والدراسة حيث كان يعمل أبيه، نشر أولى قصصه بنفس العنوان “خارج الدنيا” في سبتمبر عام 1964، بعد أن فازت بالجائزة الثانية في مسابقة “نادي القصة”، والمثير للتأمل أن القصة تبدأ شرارتها في مقهى.. العالم المفضل والمخزن المختار لشخصيات عكاشة في أعماله الدرامية اللاحقة، “وسرعان ما توالت أعماله القصصية في الصحافة الأدبية، أبرزها “حدوث ما لا يحدث” التي نشرت له في 1 يونيو 1971 في مجلة “المجلة”، ثم قصة “رحلة الطائر الخرافي” التي نشرت بتاريخ 1 سبتمبر 1983 في مجلة “إبداع”، ثم نشرت له قصته “الطوفان” بتاريخ 1 يوليو” 1989على ما ذكره الباحث والكاتب حسام الضمراني في مقال له بجريدة “الدستور”.

انتظر أسامة أنور عكاشة 3 سنوات، ليصدر أول مجموعة قصصية له عام 1967، وكانت فترة الستينيات هي العصر الذهبي للقصة القصيرة، مع تعدد الأصوات الأدبية في الوسط الأدبي والثقافي، وظهور نجوما لامعين مثل بهاء طاهر وجمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم ويحيى الطاهر عبد الله ومجيد طوبيا وغيرهم الكثيرين، لكن عكاشة لم ينتظر طويلا ليحسم أمره في أن يكون كاتبا للدراما، ويخرج من سجن القصة القصيرة – مؤقتا - ويحول واحدة من قصص المجموعة إلى سهرة درامية باسم “الإنسان والجبل” عام 1969 بالمشاركة مع المؤلف كرم النجار. 

ويشير موقع “السينما دوت كوم” في تأريخه لأعمال أسامة أنور عكاشة، إلى أن سبق “الإنسان والجبل” سهرة تلفزيونية باسم “العائد.. الحلم وأشياء أخرى”، لكن الموقع لم يذكر لها تاريخا، وتقول الكاتبة الأردنية منى شكري أن الفضل يعود للكاتب والروائي الروائي سليمان فياض في اكتشاف موهبة أسامة أنور عكاشة ككاتب دراما، وذلك عندما وقع على مجموعة قصصية لعكاشة “تقصد خارج الدنيا”، وأعد إحدى قصصها في شكل سهرة تليفزيونية، وربما هذه السهرة هي نفسها “العائد.. وأشياء أخرى” التي سبقت “الإنسان والجبل”.

كانت هزيمة 67 ثقيلة جدا على روح أسامة أنور عكاشة، وكذلك ما أعتبره تجاهلا نقديا لموهبته الأدبية في القصة القصيرة، وظلما لأسمه وسط أسماء الذين تم الاحتفاء بها أدبيا ونقديا، وربما هذا ما جعله يهتم بعمله الحكومي، حيث عمل بعد تخرجه من الجامعة مدرساً خلال عامي 1963 و1964، ثم عضواً فنياً بالعلاقات العامة بديوان محافظة كفر الشيخ حتى عام 1966، ثم أخصائيا إجتماعياً للشباب بجامعة الأزهر، حيث أنه درس بقسم الدراسات الإجتماعية والنفسية بجامعة عين شمس التي تخرج منها عام 1962، وأغلب الظن أن مشروعاته الفنية اللاحقة كلها خططها ووضع بذرتها الأولى في تلك الفترة، فقد انكب على القراءة متنقلا بين القاهرة والإسكندرية اللتين اعتبرهما دائما عاصمتين لمصر، واحدة شمال مسقط رأسه طنطا، والثانية جنوبها.

وفي عام 1967 يقدم مسلسله الأول “الإنسان والحقيقة”، الذي عُد استكمالا للسهرة التلفزيونية “الإنسان والجبل”، ثم مسلسل “الحصار” عام 1977، وفي نفس العام مسلسل “أسوار الحب”، وفي العام الذي يليه يخطو نحو الكتابة الكوميدية في مسلسل “ريش على مفيش” عام 1978، ويقدم بعهده كل عام مسلسلا أو أثنين في نفس السنة، ليصل إلى محطة “الشهد والدموع” عام 1985 ويقرر الاستقالة من الوظيفة الحكومية ليكرس وقته كله للكتابة، ليصبح عميدا بحق ومدرسة للكتابة الدرامية حتى بعد وفاته.