في الغردقة: المدير ضحية "شادية وحمدان"!

مشهد عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬القصري    ‭ ‭
مشهد عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬القصري ‭ ‭

عبد اللاه محمد

في فيلمه «لو كنت غني» كان مشهد «كتاكيت» لـ عبد الفتاح القصري من أكثر المشاهد الكوميدية في السينما المصرية، وهو - لمن لا يعرفه - ذلك الرجل الذي عندما أراد أن يختلي بسيدة بعد أن دعته لسهرة حمراء وذهب إلى بيتها، فوجئ برجل عندها يدعي الجنون، وسرق ما معه من مال، لكن القصري فطن إلى هذا الأمر مبكرًا، وادعى هو الآخر الجنون واسترد أمواله وهرب..

 

هذا المشهد السينمائي الذي يعد من كلاسيكيات السينما المصرية، في الفيلم الذي عرض عام ١٩٤٢، أي قبل نحو ثمانين عامًا، نُفذ بحذافيره في مدينة الغردقة مع اختلاف في بعض التفاصيل؛ عندما استدرجت امرأة رجلًا بعد أن أغوته بمفاتنها إلى بيتها لقضاء ليلة حمراء، وهناك كان شريكها في انتظاره، مختبئًا تحت السرير، وبالاتفاق بينهما..  تكالبا على الرجل - اللاهث خلف رغباته - وقيداه، وسرقا ما معه. وصوراه عاريًا حتى يهدداه بالفضيحة إن هو فكر أن يُبلّغ عنهما. الفرق الوحيد بين المشهد السينمائي والواقع التي نحن بصدد الحديث عنه أن "القصري" أدرك الأمر، لكن صاحب واقعتنا تلك، جرى استغفاله على النحو الأمثل، ولولا أنه حرر محضرًا بالواقعة وحكى عنها بنفسه لكانت قصته في طي الكتمان.

 

يقال أن الرغبة توقف عمل العقل، وهذه حقيقة، إن كان العقل حاضرًا فمن المستحيل أن ينجرف راغب المتعة في هذه الحفرة، أو بأدق الخدعة المكشوفة، كان صاحب المنصب المرموق، مدير بإحدى شركات البترول برأس غالب، يهوى "شادية"، أو بالأحرى، تلفت نظره إلى الحد الذي معه لا يستطيع أن أن يبتعد عنها..

 

وفي الحقيقة، ومن الوهلة الأولى التي ترى فيها "شادية"؛ تدرك أنها امرأة لعوب، والمقصود باللعوب هنا، هي المرأة التي تحاول أن تغري الرجل الذي أمامها بمفاتنها. ملابس ضيقة، نبرة صوت مثيرة، وهكذا..

كانت كل تحركاتها مريبة، وبالأخص عندما تكون أمام رجل ينصاع لرغباته المجنونة، رجل صاحب منصب مرموق.. تقترب منه بشكل ملفت، وتحكي له عن أشياء من الصعب أن تحكيها امرأة لرجل غير زوجها!

المهم، وقع الرجل في شباكها، أصبح الاثنان يتبادلان الاتصالات يوميا، وفي أوقات متأخرة من الليل، حتى أحكمت المرأة قبضتها عليه، ودعته علانية إلى قضاء ليلة حمراء في شقتها.

الرجل لم يستطع كبح جماح شهوته، وكأنه كان ينتظر ذلك منها فعلا، وبمجرد ما أن تم دعوته حتى لب نداء الدعوى، ووافق، وهذه الموافقة كانت بداية قصة مأساوية لن ينساها طيلة عمره، في الموعد المشؤوم، ارتدى الرجل أفخم ملابسه، وتعطر، وقبل الموعد بدقائق كان يطرق باب شقتها، وما هي إلا لحظات حتى فتحت له "شادية" الباب، وهي ترتدي ملابس النوم، وفي أبهى طلة.

دخل الرجل مسرعًا وهو يلتفت حوله، وما أن تخطت قدماه عتبة شقتها حتى أغلقت الباب خلفه، إغلاقًا محكمًا.. جلسا سويًا بضع دقائق في الصالة، شربا مشروبًا تلو مشروب، ثم هم وخلع بعض ملابسه، ودخل معها إلى غرفة النوم.

إيصالات أمانة

بمجرد ما أن تجرد الرجل من كامل ملابسه، وأثناء ما كان في قمة رغبته لإقامة علاقة محرمة، خرج له شخصٌ من تحت السرير، ماسكًا سكينًا، ووضعها على رقبته، وهدده إن تحرك أو حاول الهرب سيكون مصيره القتل.

كان أثر الصدمة واضحًا على الرجل، لم يصدق ماذا يجرى، وكان هول الموقف في عينيه الزائغتين، وقدميه المرتعشتين، وصمته الذي لا صمت بعده، كان هذا الرجل الذي يدعى "حمدان"، يبلغ من العمر ٤٦ عامًا، يعمل سائقًا، وتربطه علاقة آثمة بـ "شادية"، شريكته.

هذه العلاقة كان يتخللها سرقات عدة بنفس الطريقة، وبطرق أخرى مشابهة، يحترفان هذا الأسلوب، لاعتقادهما أن الرجل الذي سيقع في شباكهما لن يتجرأ ويبلغ عنهما، لأنه بذلك سوف يفضح نفسه. وهذا الاعتقاد كان سببًا في سلوكهما هذه الطريقة في السرقة.

بالعودة إلى الواقعة.. قام "حمدان" وكبل الرجل، وتعدى عليه ضربًا وتعذيبًا، وأخرج هاتفه المحمول وصوره عاريًا، ثم أخذ توقيعه عنوة على بعض إيصالات الأمانة، وكذا عقد بيع سيارته بعد أن أخذ مفاتيحها، وسرق ما معه من أموال، حتى خاتمه الفضي أخذه، ثم أخرجه من البيت وهدده إن هو أبلغ الشرطة سوف يفضحه بهذه الصورة التي التقطها له عاريًا.

فضيحة

أثر على "طه" ما سرق منه أكثر من تأثير الفضحية إن هو بلغ عنها، لذلك دون أن يفكر كثيرًا، خرج من بيت "شادية" - الكائن بمنطقة علام - صوب قسم شرطة الغردقة، وحرر محضرًا يحمل رقم ٣٥ لسنة ٢٠٢٢ جنايات أول الغردقة. وفي المحضر حكى تفاصيل ما تعرض له من البداية إلى النهاية.

على الفور تحركت الأجهزة الامنية من القسم بقيادة الرائد اسلام عبد الحميد رئيس مباحث قسم أول الغردقة إلى محل الواقعة، وتم القبض على "شادية"و"حمدان"وبحوزتهما المضبوطات، وبمواجهتهما أقرا بارتكاب الواقعة على النحو المشار إليه.

وعليه تم إحالة القضية إلى النيابة العامة، التى أمرت بدورها بحبس المتهمين ٤ أيام على ذمة التحقيق، وبعد انتهاء إجراءات التحقيق احيلت القضية بالمتهمين إلى محكمة جنايات البحر الاحمر بدائرة استئناف قنا، لأنهما خطفا المجنى عليه "ط.ح" بالتحايل، وأنه اختمرت فى ذهنهما خطفه واتفقا على ذلك، استغلت المتهمة علاقتها به لايهامه برغبتها فى إقامة علاقة جنسية معه بمنزلهما، فتمكنا بذلك الاحتيال من استدراجه وإتمام جريمتهما، فيما تواجد المتهم الثاني ماكثا داخل المنزل مختبئا لحين دلوفه على النحو المبين بالتحقيقات.

وجاء في التحقيقات ايضا أن المتهمين سرقا هاتفا محمولا ومبلغا ماليا قدره خمسمائة جنيه، وبطاقة تحقيق الشخصية، وخاتم فضة، ومفتاح سيارته الملاكي عن طريق الإكراه، وأنهما تعديا عليه بالضرب لطما، ومحرزا أداة تالية الوصف مشهرًا اياها فى وجهة قاصدين من ذلك سرقته، مما بث الرعب في نفسه، وشل مقاومته، وتمكنا بتلك الوسيلة القهرية من انتزاع الخاتم من يده والاستيلاء على المسروقات.

كما أنهما أرغماه على التوقيع بـ الإمضاء والبصم على سندات عددها ثلاثة إيصالات أمانة، وعقد بيع السيارة خاصته، كما اعتديا على حرمة الحياة الخاصة للمجنى عليه، بأن التقط المتهم بهاتفه المحمول صورًا ومقاطع فيديو اثناء قيامهما بارتكاب الواقعة، وتحصلا بالتهديد الواقع على المجني عليه على اعطائه مبلغ من النقود وذلك بتحويل مبلغ مالي، اربعة آلاف وخمسمائة جنيه من حافظة نقوده الإلكترونية والمملوكة له إلى حافظة النقود الالكترونية بهاتف محمول المتهم.

أدلة الثبوت

كل هذه الاتهامات تضمنتها قائمة أدلة الثبوت التى أعدها كريم احمد وكيل النيابة الكلية، وأشرف عليها المستشار علاء فراج المحامى العام الأول لنيابات البحر الأحمر الكلية، بعد التأكد من صحة الواقعة كما هو مبين في تحريات المباحث التي قام بها الرائد إسلام عبد الحميد رئيس مباحث قسم أول الغردقة.

والتي جاء فيها أنه عندما انتقل إلى مكان الواقعة وتمكن من ضبط المتهمين وبحوزتهما المضبوطات، وبمواجهتهما بها أقرا بارتكابهما  الواقعة على نحو ما شهد به المجنى عليه، إلى جانب شهادته بأن تحرياته السرية توصلت لصحة الواقعة وصحة ما شهد به المجنى عليه، من قيام المتهمين بالاتفاق فيما بينهم على استدراجه لمسكن المتهمة واحتجازه وسرقته بالإكراه، وإكراهه على التوقيع على ايصالات أمانة، وعقد بيع سيارته وتصويره بهاتف المتهم وتهديده بتلك الصور للرضوخ لطلبهما، والاستيلاء على البطاقة والمبلغ المالى وهاتفه ومفتاح السيارة وخاتم فضة بطريق التهديد، وذلك إبان تقييده حريته داخل مسكن المتهمة للحيلولة دون خروجه وإتمام جريمتهما، هذا وقد تضمنت ملاحظات النيابة وتقارير وأبحاث التزييف والتزوير بأن الايصالات التى وقع عليها المتهم بتوقيعه وثبت من تقرير الإدارة العامة للمساعدات الفنية أن التليفون المضبوط عليه صور ومقاطع تخص الواقعة، وبفحص هاتف المتهمة تبين وجود اتصالات بينها والمجنى عليه وتضمنت قائمة أدلة الثبوت إقرار المتهمين بارتكاب الواقعة.