أدلة خطيرة تحاصر الغنوشي في قضية «نماء».. واتهامه بالإرهاب وغسل الأموال

نهاية عصر إخوان تونس.. تفاصيل

صورة لراشد الغنوشي مع ممثلي "جمعية نماء" الإخوانية
صورة لراشد الغنوشي مع ممثلي "جمعية نماء" الإخوانية

كتب: أيمن فاروق

..ما أشبه الليلة بالبارحة، سقط القناع وانتفض الشعب المصري على الجماعة الإرهابية منذ تسع سنوات مضت، قبل أن تُدخل الجماعة الإرهابية البلاد في دوامة وفتن وحروب طائفية، وجاءت ثورة 30 يونيو لتكتب نهاية الإخوان في مصر، وهاهم اليوم، على شفا حفرة من نفس المصير إن لم تكن البداية، بعد أزمات عدة شهدتها تونس في عهد سيطرة حركة النهضة الإخوانية على زمام الأمور في البلاد، والتي لحقتها كوارث وأزمات اقتصادية وسياسية، ولم تفلت وتخرج تونس من عنق الزجاجة إلا بعد قرارات يوليو العام الماضي، وما أعقبها من حل البرلمان والحكومة التي كانت تحت قبضة الحركة الإرهابية وحرمانها من المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة، لتلتقط تونس أنفاسها وتدخل مرحلة جديدة، وعهد جديدة، من إجراء انتخابات جديدة والدعوة لحوار وطني وإعداد لدستور جديد وحالة من الإصلاح السياسي والاجتماعي.

 

السؤال الذي يفرض نفسه بقوة وسط الأوساط السياسية التونسية والمواطنين أيضا هو، هل تنهي محاكمة الغنوشي وقيادات النهضة عصر إخوان تونس؟، خاصة  بعد أن سيطرت حالة من الهلع والخوف الشديد على تنظيم الإخوان في تونس وعلى رأسه الغنوشي الرجل الثمانيني، بعد أوامر استدعائه من قبل السلطات القضائية لاستجوابه بصفته متهما في القضية المرتبطة بالتمويلات المشبوهة لجمعية «نماء الخيرية» مع أكثر من 30 إخوانيًا آخرين والمثول للتحقيق، في قضية الجهاز السري للنهضة والتي تفجرت منذ شهر أكتوبر عام 2018، عندما كشف فريق هيئة الدفاع عن ملف اغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد، وجود وثائق وأدلة تفيد بامتلاك النهضة لجهاز سري أمني مواز للأجهزة التونسية، تورط في اغتيال المعارضين، وأعمال التجسس واختراق مؤسسات البلاد، فضلا عن ملاحقة خصوم الإخوان، لكن القضاء التونسي لم يحسم بعد تلك القضية، ومن ثم فإن المخاوف التي تسيطر علي الحركة الإرهابية وزعيمها الثمانيني مرده وفقًا لخبراء وسياسيين تونسيين، أن الغنوشي تيقن بأن مف الجهاز السري المالي «قضية نماء» موضوع الشكوى والمرفقة بادلة خطيرة تدين زعيم الإخوان وتنظيمه الإرهابي في قضايا مرتبطة بالتمويلات المشبوهة لجمعية نماء الخيرية، حيث يواجه ثلاث قضايا منها شبهة غسيل الموال والاعتداء علي أمن الدولة التونسية إضافة إلى ملف الاغتيالات السياسية، إضافة إلى أنه منذ أيام مضت جمد القضاء التونسي الحسابات البنكية لرئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي واثنين من عائلته، كما أذنت اللجنة التونسية للتحاليل المالية «حكومية»، للبنوك التونسية والديوان الوطني للبريد «حكومي» بتجميد أموال الغنوشي وابنه معاذ وصهره رفيق عبدالسلام «وزير الخارجية الأسبق»، والأمين العام السابق لحركة النهضة ورئيس الحكومة الأسبق للحركة حمادي الجبالي وابنتيه.

 

في نفس السياق، فشل قيادات حركة النهضة التونسية في تبرئة زعيمهم، وذلك لامتلاك الأجهزة التونسية أدلة قاطعة وقوية على ممارسة الغنوشي لأعمال الإرهاب، مما جعلهم يلجأون إلى استعطاف الرأي العام، لكن كل ذلك باء بالفشل.

 

نماء تونس

وفي تصريحات لرضا الرداوي، عضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، إن الجمعية تأسست في 2011 تحت اسم «نماء تونس» وكان هدفها تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتورطت في جرائم تسفير شباب تونسي للقتال بمناطق النزاع والحروب، وتم فتح تحقيقات أولية سرعان ما لاحقتها يد حركة «النهضة» الإخوانية عبر ذراعها في القضاء، وتم وقف ذلك التحقيق وقتها، مشيرًا إلى أن الجمعية كانت تتخذ من «تشجيع الاستثمار» غطاءً لها، فيما «كان دورها الباطني إدارة ملف تسفير الشباب إلى بؤر الإرهاب مقابل مبالغ مالية يتم تحويلها إلى حساباتها البنكية».

وكشف الرداوي في تصريحاته، أن «أحد الأطراف المتهمة هو شخص  يعمل مدير أعمال راشد الغنوشي، وأحد أذرعه الخفية، وكان وكيلا لشركة تنشط في مجال «النسيج» بتونس، وهذه الشركة بريطانية في الأصل وتم طرده منها، لكنه خلال إدارته للشركة، كان يستغل الحساب الإلكتروني للشركة الثانية في إدارة الأعمال الإدارية والمالية المشبوهة مع حركة النهضة».

إقرأ أيضًا

القضاء التونسي يستدعي الغنوشي للاستماع لإفادته على ذمة قضايا إرهاب

منير أديب: انكشفت عورات الجماعة الإرهابية وسقوطهم بات حتميًا

وفي هذا الشأن يقول منير أديب، الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهاب الدولي؛ تنظيم الإخوان الإرهابي كما هو ومنذ تأسس على يد مرشده الأول حسن البنا وحتى كتابة هذه السطور، رغم مرور قرابة قرن على النشأة، وقضية الشبه هذه مثار اهتمام التنظيم، فهو لا يرضى بأي تغيير في ملامح التنظيم ولا المنتسبين إليه، ولذلك يطمئن في البدء عند تصعيد أتباعه من أنهم تشرّبوا أفكاره، وأنهم يتبنون وجهة نظر القيادة في كل القضايا السياسية وغير السياسية، ومع هذا الوضع نشير إلى أن التنظيم عبارة عن قوالب متماثله، وبما سبق نحاول أن نثبت من خلال هذه المقدمة حالة التشابه بين «إخوان» مصر و»إخوان» تونس وبين كل «الإخوان» في أي دولة حتى ولو كانت أوروبية على وقع التشابك أو الصراع السياسي الذي تمر من خلاله تونس الخضراء من عنق الزجاجة، صحيح أن هناك تباينات، ولكنً هناك خيطا واحدا يجمع المنتمين للتنظيم، فكل هؤلاء يفكرون بطريقة واحدة، ولعل مخرجات العقل «الإخواني» في كل مكان يصل أيضا إلى نتيجة واحدة، وهنا نستطيع أن نفهم «الإخوان» وأن نتوقع سلوكهم لأننا في الأساس نمتلك قراءة جيدة ودقيقة للتنظيم، قراءة واعية ربما تحصلنا عليها من قراءة كل أدبيات التنظيم الإرهابي المروية والمجهوله، قراءة واعية ودقيقة، سمحت لنا بالتوقع الصحيح لسلوك التنظيم أكثر من مرة.

 

وأضاف أديب؛ أن الجماعة الإرهابية في تونس وقياداتها هي مجرد فرع للتنظيم الأم في مصر، «وما شابه آباه فما ظلم» كما يقولون في المثل العربي. قد لا يكون هناك شبه بين الأب والابناء والأحفاد، ولكن الشبه في فروع التنظيم مع قيادته العامة حتمي، وإذا ولد فرع للتنظيم لا يوجد شبه بينه والتنظيم الأم، فقد ولد ميتًا أو مشوهًا. في النهاية إما أن يعود لصوابه ويعدّل من سلوكه أو أن يكون مصيره خارج التنظيم، ولكن المؤكد أن قيادة التنظيم لا ترضى بوجوده على هذا الحال من الاختلاف.

 

وأوضح، أن ما يجري من محاكمة الغنوشي وقيادات التنظيم كان ضروريا، ولن تعود «حركة النهضة» إلى ما كانت عليه بل نقولها إنها اقتراب الأجل والنهاية للتنظيم، ربما لسببين رئيسيين، أولهما أن الشعب التونسي قال كلمته بعد ثماني سنوات من قفز هؤلاء للسلطة ولن يعود إلى الوراء ولن يتخلوا عن مطالبهم، بل يشهد التاريخ أن سقف هذه المطالب يزداد مع الوقت، طالما ارتبط بفكرة الرفض السياسي والثورة، والسبب الثاني، يرتبط برد فعل «إخوان» تونس، وهو ما ندركه جيداً، ونؤكد أنه لن يختلف كثيرًا عن رد فعل «الإخوان» في مصر، ولذلك نتوقع أن مآلات الأمور ونتائجها سوف تتشابه كثيرًا، قد تكون هناك مناورة لـ»حركة النهضة»، وقد تغيب المحاسبة بعض الوقت، ولكن حتمًا سوف تحدث من دون جدال، وهاهو حان الوقت للمحاسبة.

 

ونوه منير أديب؛ أن الإخوان يرون خصومهم والمختلفين معهم من عدسة واحدة، غير قادرة على قراءة الملامح الدقيقة، وقد تكون حجبت عنه الرؤية في الأساس، وصف حركة «الإخوان» قرارات الرئيس التونسي بأنها انقلاب رغم أن الفصل 80 من الدستور يعطيه الحق فيما اتخذه من قرارات وهو الفقيه الدستوري والخبير القانوني قبل أن يكون رئيساً للجمهورية، بل هو قاضٍ يزن الكلمة الواحدة بميزان العقل والقلب، فلا يخرج منه إلا ما أراده ولا يقول إلا ما يستلزم قوله.

 

وأوضح، أن دأب الجماعة الإرهابية، في وقت أنهم إذا خرجوا على حاكم ما سموا ذلك ثورة وباركوها، بينما إذا خرج الناس عليهم سموها انقلاباً على الشرعية التي لا تعيش إلا في عقول وخيال قيادات التنظيم، وبطبيعة الحال لا علاقة لها بالشرعية الدستورية أو بالدستور، تنظيم «الإخوان» برجماتي لا علاقة له بالقيم التي يرفعها ولا تمثل جزءاً من تفكيرة ولا تشكل جزءاً من حياته، فهذا التنظيم البرجماتي كثيراً ما يلجأ للغرب أو يقيم معه الغرب علاقات بهدف مناكفة النظام السياسي الذي ينتمي إليه التنظيم الإرهابي، وهنا يقيم الحكام أنفسهم علاقات مع هذا الغرب، كون هذه العلاقات طبيعية وتتسق مع مفهوم السياسة الخارجية للدولة، فلا توجد دولة تعيش منعزلة، وضعها «الإخوان» في وصف ظلم الحكام وطغيانهم وفسادهم.

 

فسقوط التنظيم الإرهابي في تونس وفي غير تونس حتمي، وهنا أقصد سقوط التنظيم، ولا أقصد خسارة مقعد سياسي أو حتى جولة سياسية، وإنما خسارة قلوب النّاس، هؤلاء هم من لفظوهم في تظاهرات الشارع الأخيرة، وطالبوا أولاً بعزلهم، وثانيًا بمحاكمتهم، قد تتسارع الأحداث وقد تتباطأ ولكن لن يتأخر السقوط بأي حال من الأحوال، فقد قالت الجماهير كلمتها، وكلمة السر هنا في انكشاف عورة التنظيم حتى بات كيوم ولادته، أو كما وضع بذرته المؤسس الأول حسن البنا من دون أي رتوش، قد تتعامل التنظيمات المتطرفة بذكاء ودهاء مع حركة الشارع وتكتسب جماهيرية ولكنها تكون مزيفة وغالباً ما تسقط سريعاً، وهذا ما دفعنا للحكم بيقين على سقوط «إخوان» تونس، وهنا نقول سقوط لا فشل، سقوط للتنظيم ولأفكاره وسط الجماهير التي يتحصن التنظيم بها.