هكذا يراها المؤرخون فى ذكراها الـ70

«70 عام على ثورة يوليو».. أول خطوة نحو الجمهورية..هكذا يراها المؤرخون

الزعيم الراحل جمال عبدالناصر
الزعيم الراحل جمال عبدالناصر

كتب: حسن حافظ

◄حمروش والرافعى وهيكل والبشرى أشهر المشتبكين مع الثورة

 

◄رؤوف عباس حامد قدم واحدة من أهم الدراسات التقييمية ليوليو

 

لم يكن أحد يتوقع أن تشتعل الأوضاع فى مصر فى تلك الليلة من صيف 1952، كان الملك وحاشيته وحكومته فى الإسكندرية، فيما كانت الأجواء هادئة فى القاهرة لا تنبئ بأن البركان تحت السطح على وشك الانفجار، فخلال ساعات الليل تحرك الضباط الأحرار وتمكنوا وقبل أن يولد صباح 23 يوليو من السيطرة على مفاصل الدولة، وإعلان ميلاد عصر جديد انحاز لطموح المصريين فسقطت الملكية ورحل الاستعمار وتحررت البلاد، كان الحدث هو ثورة يوليو التى تحل هذه الأيام ذكراها السبعون.

 

تعد ثورة يوليو بداية فصل جديد من تاريخ مصر الطويل، فصل الجمهورية، الأمر الذى أسال الكثير من حبر المؤرخين والباحثين والكتاب والصحفيين من مختلف التيارات ومن المصريين والعرب والأجانب، لبحث ثورة يوليو فى ميزان التاريخ، وبعد جبال من الكتابات يحق لنا أن نسأل: هل أنصفت الأبحاث التاريخية ثورة يوليو؟ أم أن الأهواء السياسية عصفت بالحكم التاريخى وتلاعبت فيه بحسب الهوى؟!

 أشهر المشتبكين مع الثورة

الكتابات عن ثورة يوليو كثيفة وكثيرة وبكل اللغات تقريبا، وإذا قصرنا الحديث عن اللغة العربية سنجد ثروة هائلة من الكتابات حولها، فالكثير من تنظيم الضباط الأحرار تركوا شهادات عما جرى، ونجد ممثلين لمختلف التيارات الفاعلة كتبوا عن يوليو وأحداثها، وسعوا لدراستها من مختلف الجوانب، ناهيك بالاهتمام الأكاديمى بكل تفاصيل الثورة وأحداثها على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى والعسكرى.. إلخ.

 

فنحن أمام مكتبة ضخمة متعددة المشارب حول حدث يوليو، فإذا أردنا أن نقرأ لشهادة وتأريخ أحد صناع الحدث سنجد عمل عضو الضباط الأحرار، أحمد حمروش، والذى ينظر إليه باعتباره مؤرخ الثورة عبر خماسيته التى حملت عنوان (قصة ثورة 23 يوليو)، بينما نجد الصحفى الأقرب للزعيم جمال عبدالناصر، وهو محمد حسنين هيكل، يقدم رواية شبه رسمية لحدث يوليو فى كتابه (سقوط نظام: لماذا كانت ثورة يوليو 1952 لازمة؟)، ونجد قراءة إسلامية النزعة للثورة فى عمل طارق البشرى (الديمقراطية ونظام 23 يوليو)، كما نجد محاولة لتأريخ الثورة وأحداثها فى عمل المؤرخ المصرى عبدالرحمن الرافعى فى كتابيه (مقدمات ثورة 23 يوليو 1952)، و(ثورة 23 يوليو 1952) وقد صدر الكتابان فى سنة 1957.

 

أبرز الدراسات

وتعد دراسة الدكتور رؤوف عباس حامد، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة سابقا، والتى عنونها بـ(ثورة يوليو: إيجابياتها وسلبياتها) واحدة من أهم الدراسات عن تلك الثورة، وهى دراسة من أحد أهم المؤرخين المصريين صدرت بالتوازى مع الذكرى الخمسين للثورة، وقد اعتمد فيها على مقاربة تحتفى بإيجابيات الثورة مع عدم التغاضى عن إخفاقاتها بما فى ذلك غياب الديمقراطية، وقد سبق لرؤوف عباس أن شارك فى تحرير كتاب (أربعون عاما على ثورة يوليو: دراسة تاريخية)، بمشاركة سبعة مؤرخين آخرين.

 

كما صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، كتاب (ثورة 23 يوليو: حصيلة ودروس)، وهو كتاب صادر بالتوازى مع الذكرى الخمسين للثورة، وما يميز هذا الكتاب أنه يضم مشاركة 15 باحثا من أقطار عربية شتى فمعظمهم من غير المصريين، ما عبر عن رؤية عربية للثورة المصرية ذات التداعيات المعروفة على المستوى العربى خصوصا بعد تبنى زعيم يوليو جمال عبدالناصر للخطاب القومى العروبي، وتتويجه كبطل العروبة الأول.

 

إقرأ أيضًا

رئيس مجلس النواب يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة 23 يوليو

ثورة مكتملة الأركان
على الأرض وبالتوازى مع الذكرى السبعين لثورة يوليو، ذهبنا إلى عدد من المؤرخين المصريين المعاصرين لاستطلاع رأيهم وتقييمهم لثورة يوليو، وكانت البداية مع الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان، إذ أكد أن يوليو ثورة مكتملة الأركان، تنطبق عليها المعايير الاصطلاحية لمفهوم الثورة، وهى تغيير النظام القائم بشكل كامل، وجلوس الثوار على مقعد الحكم لتنفيذ أجندة جديدة فى إدارة الدولة، وهو ما حدث فى 23 يوليو 1952، إذ نجح الضباط الأحرار فى الإطاحة بالنظام القائم وتبنى أجندة وطنية محل إجماع من جموع الشعب المصري، ثم تنفيذ المطلب الشعبى الأول وهو جلاء قوات الاحتلال البريطاني.

 

وأشار الدسوقي، إلى أنه يتضح البعد الثورى فى إصدار يوليو قوانين الإصلاح الزراعى المختلفة وتخفيض إيجارات المساكن ومنع الفصل التعسفي، تحقيقا لمبدأ (الديمقراطية الاجتماعية) فى مواجهة تفاوت طبقى شاسع تبناه النظام الملكي، لافتا إلى أن تقييم ثورة يوليو لا يأخذ هذا المعيار فذلك يعود إلى أن من يفعل ذلك من أعداء الثورة ومن أعداء التجربة المصرية التى صنعها المصريون فى ظل الحقبة الناصرية، لافتا إلى أن الكثير من الكتابات المصرية والعربية والأجنبية أنصفت ثورة يوليو ونظامها، مع فهم الأسباب التاريخية والظروف التى مرت بها، وتربص الكثير من الأعداء بها، فما تحقق من إنجازات أكبر من أى حديث عن السلبيات.

 

أعداء الثورة

بدوره، يُقيم الدكتور نبيل الطوخي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة المنيا، حدث يوليو قائلا: «هناك الكثير من الأقلام التى تناولت ثورة يوليو سواء داخل مصر أو خارجها، على يد مؤرخين مصريين وعرب وغربيين، ومرور فترة 70 عامًا فترة كافية جدًّا لتقييم حدث تاريخي، وعند نظر الباحث التاريخى للحدث فهو ينظر إلى السلبيات والإيجابيات للحدث ويسعى لتقديم تقييم شامل، وفى ضوء هذا التقييم الشامل نستطيع القول إنها كانت ثورة كاملة، فى حين سيقول أعداء الثورة هكذا، لكنها ثورة بالطبع، ومن أهم ثورات مصر فى تاريخها المعاصر، لكن أعداء الثورة سيظلون أعداء للثورة رغم مرور الزمان، ومرور السنوات لن يغير من موقف من ينظر لثورة يوليو بمنظور سلبي، فهى ثورة لأنها حققت الكثير من الأهداف التى قامت من أجلها ومن أجل صالح الشعب المصري».

 

وأشار الطوخى إلى أن «الثورة انحازت للشعب المصرى بشكل واضح والذى كان يعانى الثالوث المرعب؛ الجهل والفقر والمرض، فحققت تنمية اقتصادية ونهضة صناعية وأقرت قانون الإصلاح الزراعي، وأقرت مجانية التعليم فى القطر المصرى كله، ونجحت فى إقرار عدالة اجتماعية وانعشت الطبقة الوسطى بشكل كبير وحققت الاستقرار للمواطن، بل وحققت طفرة ثقافية، فضلا عما تحقق على المستوى السياسى الإقليمى والدولي، وعلى الصعيد العسكرى تم تشكيل جيش قوى، تعرض حقيقة لنكسة فى حرب 1967، إلا أنها استعادت هذا الجيش وأعادت بناءه فى حرب الاستنزاف وقادته لنصر أكتوبر، فعندما نقيم يوليو من كل هذه الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فسنقول إنها ثورة حقيقية».

 

وشدد الدكتور نبيل الطوخى على أن من أهم إنجازات ثورة يوليو، مناصرتها للقضايا المتعلقة بالأمة العربية، فلم تقتصر على الحدود المصرية فقط، بل نراها تناصر القضايا على المستوى الأفريقي، كما هو واضح فى حركة عدم الانحياز والدور الرئيس الذى لعبه فيها الزعيم جمال عبدالناصر، لكنه استدرك: «لا يعنى هذا عدم وجود سلبيات، فالبعض قد يعتبر هزيمة 1967 إحدى السلبيات، لكنها حدث يمكن أن تمر به أى دولة، والسؤال الأهم هو: هل استسلمنا لهذه الهزيمة؟ بالتأكيد لا، فنهضنا ودخلنا حرب الاستنزاف ثم حققنا نصر أكتوبر، كذلك قد يعيب البعض أن الثورة لم تحقق حياة ديمقراطية سليمة، لكن يعوضها وجود عدالة اجتماعية إلى حد ما، صحيح أن الثورة فشلت فى تحقيق نوع من تداول السلطة بأسلوب ديمقراطى أفضل مما كان، لكن أعتقد أن المشاكل والصعاب التى واجهت الثورة أعاقتها عن تحقيق هذا الهدف، بداية من التأميم والعدوان الثلاثى والوحدة مع سورية وحرب اليمن والنكسة ثم حرب الاستنزاف، لكن هذه السلبية لا تنفى عن يوليو مفهوم الثورة».

 

التقييم الشامل

وتابع: «هناك العديد من الرسائل العلمية فى الجامعات المصرية والعربية والدولية التى ناقشت حدث ثورة يوليو، ما يعنى وجود حالة من التقييم الشامل من مختلف الزوايا والاتجاهات، سواء على مستوى ملفات الداخل من تصنيع وزراعة والأوضاع الاجتماعية، أو على مستوى موقف الثورة من المحيط العربى ودعم الثورات العربية، ودورها فى دعم حركة التحرر الأفريقي، فضلاً عن حروب نظام يوليو، أى أن الثورة أخذت حقها من التقييم، ولا تزال هناك دراسات تصدر تباعًا عن هذا الحدث المفصلى فى تاريخ مصر المعاصر».