في قمة جدة للأمن والتنمية.. العرب يعيدون صياغة العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن

الرؤساء والملوك والقادة المشاركون فى قمة جدة للأمن والتنمية
الرؤساء والملوك والقادة المشاركون فى قمة جدة للأمن والتنمية

كتب: أحمد جمال

بخلاف الزيارات السابقة التى قام بها رؤساء الإدارات الأمريكية المتعاقبة جاءت الجولة الأخيرة للرئيس الديمقراطى جو بايدن معبرة عن حاجة أمريكية ملحة للدعم العربى وليس العكس فى ظل ظروف وأجواء دولية ملبدة بالغيوم وأوضاع اقتصادية غير مسبوقة تواجهها الولايات المتحدة لأول مرة منذ عقود، ما يجعل الظرف الراهن بحاجة لإعادة صياغة العلاقات الاستراتيجية وفقًا لجملة من التحولات الإقليمية الأخيرة.

عبّر البيان الختامى لقمة جدة للأمن والتنمية التى انعقدت السبت الماضى بالمملكة العربية السعودية فى حضور دول مجلس التعاون الخليجى ومصر والأردن والعراق عن حاجة الولايات المتحدة لشراكة عربية فى ملفات أمنية واقتصادية عديدة، وبدا أن تأثيرات الحرب الأوكرانية عليها وعلى حلفائها الغربيين اقتضت الضرورة لإعادة الزخم إلى علاقاتها مع الدول العربية، تحديداً وأنها قد تضطر لتوقيع اتفاق نووى مع إيران يكون مقدمة لضخها النفط فى الأسواق الأوروبية كبديل عن روسيا.

وتطرق البيان الختامى إلى زيادة الإنتاج الشهرى لمنظمة «أوبك» خلال يوليو وأغسطس، وحمل إشادة بدور المملكة العربية السعودية فى تحقيق التوافق بين أعضاء المنظمة، ما يؤكد أن ملف الطاقة جاء على رأس الموضوعات التى دفعت الولايات المتحدة لإنهاء ما يمكن وصفه بالقطيعة مع المنطقة منذ تولى بايدن مهام منصبه قبل عام ونصف تقريبًا.

البيان المشترك تحدث أيضًا عن رغبة أمريكية فى استعادة حضورها الذى فقدته فى المنطقة لصالح قوى إقليمية أخرى على رأسها روسيا والصين، وجاء فيه «ترحيب القادة بتأكيد الرئيس بايدن على الأهمية التى توليها الولايات المتحدة لشراكاتها الاستراتيجية الممتدة لعقود فى الشرق الأوسط، والتزام الولايات المتحدة الدائم بأمن شركاء الولايات المتحدة والدفاع عن أراضيهم، وإدراكها للدور المركزى للمنطقة فى ربط المحيطين الهندى والهادى بأوروبا وإفريقيا والأمريكيتين».

وبدا من الواضح أن الرئيس الأمريكى يحاول تصويب الأخطاء التى وقع فيها سلفه الديمقراطى باراك أوباما والذى دخل فى عداء مع غالبية الأنظمة العربية القادرة على حماية الأمن الإقليمى للمنطقة، وبدا أن هناك إدراكاً أمريكياً بأن الشرق الأوسط مازال يشكل مفتاح الأمن والسلم الدوليين، فى ظل استمرار الصراع العربى الإسرائيلى والتهرب الدائم من إقرار مبدأ حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967.

ولكن العودة الأمريكية الحالية إلى المنطقة تأتى وسط متغيرات عديدة أبرزها عودة دور مصر القوى إلى الإقليم وتزايد الأهمية النسبية للدول العربية المنتجة والمصدرة للطاقة، والتى انضمت إليها مصر حديثاً بفعل اكتشافات غاز شرق المتوسط والبنية التحتية لتسييل الغاز، وحسابات الصراع الأمريكى مع روسيا والصين.

يأتى الرجوع الأمريكى إلى المنطقة فى ظل عدد من التحولات العربية على مستوى التعاون المشترك وانتهاء الأزمة المصرية الخليجية مع قطر، وكذلك اتجاه اليمن الذى يشكل القدر الأكبر من التهديدات على ساحل البحر الأحمر نحو التهدئة مع إحداث قدر من التقارب بين الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية مع إيران.

إقرأ أيضًا

الجامعة العربية ترحب بنتائج تقرير لجنة التحقيق الأممية المعنية بفلسطين

وتركت القمة الأخيرة انطباعاً بأن الدول العربية تبنى علاقتها الجديدة مع الولايات المتحدة على أساس التعاون الاستراتيجى والأمنى لتقويض أى محاولات من شأنها إدخال المنطقة فى حالة من الفوضى على أن يتجه الجزء الأكبر من التعاون الاقتصادى والاستثمارى مع الصين وروسيا واللتان لديهما استثمارات ضخمة فى دول الخليج والدول العربية القابعة فى شمال إفريقيا.

رخا أحمد: احتياجات العرب من أمريكا تغيرت مع التمدد الروسى الصينى

وقال السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصرى للشؤون الخارجية، إن الولايات المتحدة وجدت نفسها بحاجة إلى حلفائها العرب فى مواجهة روسيا والصين، وأن الموقف العربى المحايد من الحرب الأوكرانية أقلقها كثيراً، فى حين أن هذا الموقف كان بمثابة أولى خطوات إعادة صياغة العلاقة بين الطرفين وجاء نتيجة الاهتمام الغربى المبالغ فيه بالنزاع بين روسيا وأوكرانيا فى حين إهمال النزاعات العربية المشتعلة منذ عقد من الزمان.

وأضاف أن احتياجات الدول العربية من الولايات المتحدة تغيرت مع التمدد الروسى الصينى بالمنطقة وأصبح هناك بديل تجارى واستثمارى للولايات المتحدة، وأضحى هناك استثمارات صينية ضخمة فى دول الخليج وهناك تعاون بين روسيا وعدد من الدول المنطقة فى مجال تطوير القدرات النووية فى الاستخدامات السلمية كما الحال بالنسبة إلى مصر وفى طريقها لتدشين اتفاقات مماثلة مع دول الخليج، وهناك تعاون عربى مع روسيا وإيران فى مجال تصدير الغاز.

وقال أنور قرشاش، المستشار الدبلوماسى لرئيس دولة الإمارات، إن فكرة وجود تحالف فى الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسى صعبة وإن التعاون الثنائى أسرع وأكثر فاعلية، مضيفاً: «إن الإمارات لن تدعم نهج المواجهة «نحن منفتحون على التعاون لكن ليس التعاون الذى يستهدف أى دولة أخرى فى المنطقة وأذكر على وجه الخصوص إيران».

ويتفق العديد من الدبلوماسيين على أن الدول العربية تجاوبت مع الحد الأدنى من المطالب التى سبق وأن أعلنها بايدن ضمن أهداف زيارته إلى المنطقة، وأن الإعلان عن زيادة ضخ البترول خلال الشهرين المقبلين بمقدار محدد إلى جانب فتح الأجواء الجوية السعودية أمام الطيران المدنى الإسرائيلى بما يشكله ذلك من هدف اقتصادى سعت الولايات المتحدة لتحقيقه جاء على رأس تلك المطالب.

وعبّر ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، فى افتتاح قمة جدة للأمن والتنمية، عن أمله فى أن تؤسس قمة «جدة للأمن والتنمية» لـ»عهد جديد فى ترسيخ علاقة دولنا مع الولايات المتحدة».

وقال: «نأمل أن تؤسس قمتنا هذه لعهد جديد من التعاون المشترك لتعميق الشراكة الاستراتيجية بين دولنا والولايات المتحدة الأمريكية لخدمة مصالحنا المشتركة وتعزيز الأمن والتنمية فى هذه المنطقة الحيوية للعالم أجمع»، وكشف: «قررنا زيادة إنتاجنا من النفط إلى 13 مليون برميل يوميا وبعد ذلك لن تكون لدى المملكة أى قدرة إضافية على زيادة الإنتاج».

محمد حجازى: حرص على تأمين ردود الأفعال حال توقيع الاتفاق النووى

وأشار السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى إن القمة جاءت لتعكس رؤيتين متقابلتين الأولى عبرت عنها الدول العربية التى أجمعت على ضرورة حل القضية الفلسطينية وإحلال السلام فى المنطقة والوقوف أمام أى محاولات لاستمرار وضعية المليشيات الإرهابية والعناصر المسلحة فى تهديد الأمن القومى العربى وبين أخرى قادها بادين تصدر فيها أمن الطاقة ومضاعفة إمدادات النفط ومساعيه نحو طمأنة دول الخليج بشأن أى قرار متوقع بشأن الذهاب إلى توقيع اتفاق نووى مع إيران.

وشدد على أن بايدن حرص على تأمين ردود الأفعال الخليجية فى حال توقيع اتفاق نووى وذلك بتأكيده على حماية أمن الخليج والتعاون الإقليمى فى المجال الاستراتيجى لمجابهة أى أخطار داهمة تتعرض لها المنطقة، ما يؤشر إلى أن الاتفاق بات وشيكاً لكنه يحاول فى الوقت ذاته تلافى الأخطاء التى وقعت فيها إدارة أوباما التى وقعت على اتفاق مع طهران وانسحبت من المنطقة دون أن تقدم تطمينات للحلفاء.

ولفت إلى أن حديث الرئيس الأمريكى عن الشراكات الاستثمارية مع دول الخليج والقضايا التنموية والربط الكهربائى وغيرها من صفقات التعاون المشترك ستكون أبرز المكاسب التى حققها حين عودته إلى بلاده، فى حين أن الدول العربية استفادت من حديث بايدن عن الأمن الإقليمى وطرح إطار مساند لأمن الخليج تتوافق فيه مصالح الولايات المتحدة مع دول الخليج ومصر والأردن.

وشدد بايدن فى كلمته أثناء القمة على أن الولايات المتحدة ستواصل عملها «فى مكافحة الإرهاب بالتعاون مع دول المنطقة»، مضيفاً: «نركز على إيجاد حلول كفيلة ببناء الثقة وتحقيق نتائج أفضل وترسيخ شراكات جديدة»، وتابع: «لن نسمح بتهديد الملاحة البحرية فى مضيق هرمز وباب المندب.. ونسعى لتخفيف التوترات كما يجرى الآن فى اليمن الذى يعيش هدنة للأسبوع الخامس عشر على التوالي».

جهاد عودة: العلاقات العربية الأمريكية فى مفترق طرق

وأعتبر الدكتور جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، أن العلاقات العربية الأمريكية فى مفترق طرق لأن الطرفين بحاجة لصياغة جديدة فى علاقتهما ويسيران بنفس السرعة التى تقود لتحقيق ذلك، كلاً حسب مصلحته، وإن كانت الرؤية العربية للصياغة الجديدة تشهد تبايناً فى مواقف الدول لكنها فى النهاية تخدم فكرة واحدة وهى ضرورة أن تكون هناك علاقة قوية مع الولايات المتحدة قائمة على الندية والمنفعة المشتركة.

وأضاف أن صياغة التعاون الاستراتيجى فى ملفات حيوية بين الطرفين أمر بحاجة لمزيد من الوقت ومن المتوقع عقد مزيد من اللقاءات والمشاورات خلال الفترة المقبلة للتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية، وعلاقات الإقليم مع القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

هانى إبراهيم: موقف العرب أكثر قوة

وذهب الدكتور هانى إبراهيم رئيس مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، إلى إن زيارة بايدن تأتى فى وقت شديد التعقيد على مستوى العلاقات الدولية، فمنطقة الشرق الأوسط تم إهمالها فى بداية حكمه وتم توجيه الاتهامات إلى دولها.

وأوضح أن الولايات المتحدة - منذ بدء العمليات الروسية فى أوكرانيا - تراجع موقفها من الدول الحليفة لها ووجدت أنها خسرت الكثير بتعاملها غير الدبلوماسى مع قادة منطقة الشرق الأوسط واليوم تتراجع وتعود إلى مسارها الذى اعتادت عليه بالتعاون مع الدول العربية كشركاء استراتيجيين لها ولكن فى ظل مستجدات ومواقف جديدة يتبناها قادة المنطقة خاصة فى كل من السعودية والإمارات ومصر.

وتابع: «فى الوضع الراهن موقف الدول العربية أكثر قوة حيث مستوى المناورة والتفاوض أكبر ولصالحهم، ويرجع ذلك لأكثر من سبب، أولا هناك سباق بين الدول الكبرى لاسترضاء دول المنطقة لاتخاذ مواقف داعمة لأى منها، ثانيا عوامل القوة الذاتية التى تتمتع بها دول منطقة الشرق الأوسط تمكنها من الاعتماد على نفسها فى ظل التنافس الدولى والصراعات المستعرة بين الدول الكبرى، ثالثا نمط القيادة الجديد فى كل من مصر والسعودية والإمارات يعزز من مفهوم استقلال القرار الوطنى ورفض الهيمنة الأمريكية على طريقة التعاطى مع الملفات الدولية».

ولفت إلى أن الدول العربية تنشد من الولايات المتحدة وقف دعمها ومساندتها للتيارات الدينية المتطرفة التى تهدد استقرار المنطقة، واحترام استقلالية القرار العربى فى التعامل مع الدول الكبري، والضغط على الجانب الإسرائيلى للبدء فى تبنى قرارات حقيقية لتأسيس الدولة الفلسطينية على حدود 67 المتفق عليها سابقا.