مصر وألمانيا .. تاريخ طويل من التعاون والتنسيق

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


العلاقات المصرية الألمانية قوية فى شتى المجالات، ولها تاريخ طويل، فكل من مصر وألمانيا  يتمتعوا بثقل سياسى لا يستهان به فى شتى المحافل الدولية، وهذا ماجعل ألمانيا صارت بمثابة المحرك الرئيسى للوحدة الأوروبية، وإحدى القوى الاقتصادية الكبرى فى العالم، ومصر تُعد من كبرى الدول العربية من حيث عدد السكان والمكانة والموقع، فينظر إليها الأوروبيون دائماً كمفتاح رئيسى لاستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط.

تعود العلاقات الدبلوماسية بين مصر وألمانيا إلى ديسمبر 1957، وتتسم العلاقات بين الدولتين بأن كل دولة منهما لها ثقلها ووزنها داخل المنطقة الإقليمية والجغرافية التى تنتمى إليها وبشهادة معظم المراقبين السياسيين يربط بين الدولتين تاريخ من التقارب الشديد فى المواقف والأحداث فقد سبق أن تبنت مصر وألمانيا مواقف سياسية موحدة تجاه قضايا عالمية هامة مثل حرب العراق ومكافحة الإرهاب. 

وأدى التفاهم السائد بين القيادات السياسية إلى تعزيز التبادل الثقافي والعلمى بين البلدين وانطلاقاً من تقدير ألمانيا لقيمة مصر الاستراتيجية كان لمصر نصيب الأسد في حصة المعونات الألمانية المقدمة لدول العالم العربي، وتحولت علاقة الصداقة القوية إلى شراكة استراتيجية يتبادل فيها الطرفان مشاعر الاحترام والثقة رغم اختلاف الثقافات والأديان، وفى السنوات الأخيرة تربط بين البلدين اهتمامات ومصالح مشتركة ثنائياً ودولياً منها عملية السلام بالشرق الأوسط، والعلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى والتعاون الأورومتوسطي.

اقرأ أيضاً: وكالة الفضاء المصرية تستقبل سفير المانيا في مصر

الموقع الإستراتيجى والدور الريادي، الذى تلعبه مصر فى العالم العربي، من الأسباب التى جعلت العلاقات المصرية الألمانية تشهد تطورات كبيرة خلال السنوات الأربع الماضية يساعد على نموها رغبة البلدين لبناء علاقات وثيقة ومتنوعة وحرص من الحكومة الاتحادية فى  ألمانيا لدعم الجهود المصرية فى بناء دولة حديثة وديمقراطية وحرص القاهرة على تنويع التعاون مع دول كبرى مثل المانيا حيث ترى مصر فى ألمانيا شريكا كبيرا وهاما فى أوروبا يعمل معها لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى والدولى ومكافحة الإرهاب.

 حالة جمود
كانت هناك فترة من الفترات تعرضت العلاقات بين البلدين لحالة من الجمود فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، حيث كانت ألمانيا  من بين الدول التى تحفظت على ما شهدته مصر من تغييرات، ولكن بعد ذلك تغير هذا الوضع وعادت العلاقات إلى طبيعتها، والتى تمثلت فى علاقات تعاون بناء بين البلدين تأكدت فى ملف الزيارات المتبادلة بين الجانبين والتى كانت نقطة فارقة فى مستقبل العلاقات بين مصر وألمانيا وفتحت صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات الراسخة والقوية بين البلدين، إذ التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل 6 مرات منذ توليه رئاسة الجمهورية، كما زار وزير الخارجية المصرى سامح شكرى برلين فى يوليو الماضى وعقد جلسة مشاورات ثنائية مع نظيره الألماني هايكو ماس.

الزيارة الأولى
خلال الزيارة الأولى التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى لألمانيا فى الثانى من 2 يونيو 2015 تم تعزيز التعاون فى مختلف المجالات، خصوصا الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وقد نجحت زيارات الرئيس ولقاءاته المتعددة مع المستشارة أنجيلا ميركل فى توثيق العلاقات بين البلدين وفى جذب الاستثمارات والسياحة الألمانية لدعم الاقتصاد المصرى.

وفى 11 يونيو 2017 زار الرئيس عبد الفتاح السيسى ألمانيا للمشاركة فى القمة التى تنظمها ألمانيا لمجموعة العشرين للشراكة مع أفريقيا تحت شعار «الاستثمار فى مستقبل مشترك»، والمشاركة فى الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادى المصرى الألمانى. 

وعقد الرئيس مباحثات ثنائية مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل وعدد من الوزراء الألمان وبحث الجانبان القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصة مكافحة الإرهاب، والتطورات الراهنة المتعلقة بقطر، فضلاً عن بحث سبل التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات القائمة بالمنطقة، وخاصةً بالنسبة للأزمة الليبية وقبيل هذا اللقاء قامت المستشارة الألمانية ميركل بزيارة للقاهرة فى مارس 2017، وكانت المباحثات المصرية- الألمانية ناجحة فيما يخص العلاقات الثنائية، والتطورات التى شهدتها على جميع الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والثقافية.

كما تم التشاور حول الملفات والقضايا الإقليمية والدولية التى تهم القاهرة وبرلين، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة، والأوضاع فى كل من سوريا وليبيا والعراق واليمن وغيرها من دول الشرق الأوسط، وتفاقم ظاهرتى الإرهاب والهجرة غير المشروعة، وهو ما يفرض ضرورة السعى المشترك من أجل إيجاد حلول سلمية للنزاعات فى المنطقة.

العمل المشترك
وفى 28 يوليو 2017 وقعت كل من مصر وألمانيا اتفاقا سياسيا للعمل المشترك فى مجال الهجرة، حيث ينص الاتفاق من بين ما ينص عليه على مجموعة من التدابير لمكافحة أسباب الهجرة، وعلى العمل المشترك فى مجال إعادة المهاجرين المصريين إلى وطنهم والعودة الطوعية لهم وكذا مساندة اللاجئين والمجتمعات التى تستضيفهم فى مصر. وتتركز محادثات الرئيس السيسى مع المستشارة الألمانية بعد غد على سبل دعم العلاقات الثنائية، فضلا عن القضايا الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى قضايا الاتحاد الإفريقى.


وسوف يلتقى مع الرئيس الالمانى فرانك فالتر شتاينماير، ورئيس البرلمان الألمانى فولفجانج شويبله على هامش مؤتمر الاستثمار فى افريقيا الذى يعقد فى برلين للعام الثانى على التوالى تحت رئاسة ميركل التى وضعت الشراكة مع دول إفريقيا على رأس أولويات اجتماع قمة العشرين العام الماضى وأعلنت تخصيص 300 مليون دولار إضافى لمساعدة الدول الإفريقية الراغبة فى الإصلاح، وذلك فى إطار مشروع «مارشال» لتنمية إفريقيا بهدف تجفيف منابع الهجرة..

وتهدف ألمانيا من خلال خطة مارشال إلى حماية المصالح المشتركة بينها وبين الدول الأفريقية وإيجاد المساواة فى إطار التعاون الأوروبى الإفريقي، فيما يخص الحفاظ على مصالح الطرفين، من خلال ثلاث ركائز أساسية، هى الاقتصاد والتجارة وخلق الوظائف، إلى جانب إحلال الأمن والسلم والديمقراطية ودولة القانون.

الدور الريادى
يُعد الموقع الاستراتيجى والدور الريادى، الذى تلعبه مصر فى منطقة الشرق الأوسط، من الأسباب التى جعلت العلاقات المصرية الألمانية تشهد تطورات كبيرة خلال السنوات الماضية، فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى.

كما يساعد على نمو العلاقات المصرية الألمانية، رغبة البلدين فى بناء علاقات وثيقة ومتنوعة وحرص الحكومة الاتحادية فى ألمانيا لدعم الجهود المصرية فى بناء دولة حديثة وديمقراطية، كما تحرص القاهرة بدورها على تنويع التعاون مع الدول الكبرى مثل ألمانيا، والتى ترى فيها شريكا كبيرا ومهما فى أوروبا، لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى والدولى ومكافحة الإرهاب.

أبرز تطورات هذه العلاقة المصرية الألمانية، عندما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى خالص التقدير والشكر للمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، على تعاونها وجهودها خلال توليها المسؤولية، مما أحدث تحولا نوعيا فى الشراكة بين مصر وألمانيا على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية، متمنيا لها خالص التوفيق والسداد فى كافة خطواتها ومشروعاتها المستقبلية.

التعاون الثنائى
واتسع نطاق التعاون الثنائى بشكل لا يقتصر على تعزيز الشراكات الاقتصادية والتنموية والعلمية والثقافية فحسب، بل امتد ليشمل قطاعات جديدة، مثل صناعة السيارات والطاقة وإدارة وتدوير المخلفات والتحول الرقمى والإنتاج الحيوانى، وذلك إلى جانب تكثيف التنسيق والمشاورات الدورية السياسية إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. 

ويعد هذا التطور الذى تشهده العلاقات بين البلدين نتيجة مباشرة لتكثيف التشاور واللقاءات بين الرئيس السيسى والمستشارة الألمانية، خلال السنوات الأربع الأخيرة، وقام السيسى بأربع زيارات لألمانيا أعوام 2015 و2017 و2018 و2019. 

كما قامت المستشارة "ميركل" بزيارتين إلى مصر الأولى فى مارس 2017، والثانية فى فبراير 2019، كما التقى الرئيس والمستشارة الألمانية مؤخرا مرتين على هامش أعمال قمة العشرين فى اليابان، ولاحقا فى فرنسا على هامش أعمال قمة السبع الصناعية. 

وللمرة الأولى فى تاريخ العلاقات بين البلدين، يقوم رئيس الوزراء بزيارة ألمانيا مرتين فى مدة أقل من ستة أشهر، وذلك فى يناير 2019، ثم يونيو 2019، على رأس وفد كبير من الوزراء ورجال الأعمال.

كما قام وزير خارجية ألمانيا "هايكو ماس" بزيارة إلى القاهرة يومى 29 و30 أكتوبر 2019، حيث التقى برئيس الجمهورية، فضلا عن إجراء مباحثات مع وزير الخارجية المصرى تناولت العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية.

التعاون السياحى
على الصعيد التعاون السياحى، لا زالت السياحة الألمانية إلى مصر تحتل المركز الأول من إجمالى السياحة الأجنبية الوافدة للبلاد وذلك للعام الرابع على التوالى.

وقفز عدد السائحين الألمان الذين زاروا مصر إلى 2.5 مليون سائح خلال 2019، لتحتل بذلك المركز الأول فى قائمة الدول التى ترسل سائحيها إلى مصر، مقارنة بحوالى 1.8 مليون سائح خلال 2018، وهو ما يمثل زيادة بنحو 38.8% على أساس سنوى.

التعاون الثقافى
وفيما يتعلق بالتعاون الثقافى والآثار، زار وزير الآثار ألمانيا فى الفترة من 12 إلى 14 مايو 2019، تم خلالها مناقشة الإجراءات التنفيذية لتأثيث متحف "إخناتون" بالمنيا بعد موافقة البوندستاج على تقديم تمويل مبدئى بقيمة مليونى يورو، خلال موازنة عام 2019 مع توفير تمويل إجمالى بقيمة 10 مليون يورو لإتمام عملية التأثيث خلال السنوات المقبلة.

وبناء على جهود مكثفة من قبل السفارة فى برلين بالتنسيق مع الجهات الوطنية، قام وزير الخارجية الألمانى "هايكو ماس" خلال زيارته للقاهرة يومى 28 و29 أكتوبر 2019، بتسليم الكتاب الأثرى "أطلس رائف أفندى" لوزير الخارجية، بحضور وزيرة الثقافة، حيث كان قد تمت سرقة "الأطلس" من دار الكتب والوثائق القومية.

ومنذ أيام استعرض الدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار، مع السفير فرانك هارتمان سفير دولة المانيا بالقاهرة، والذى تولى حديثا مهام منصبه كسفير لبلاده بالقاهرة، الإجراءات الوقائية والاحترازية وضوابط السلامة الصحية التى اتخذتها مصر منذ استئناف الحركة السياحية الوافدة إليها فى يوليو 2020، لمواجهة تداعيات أزمة فيروس كورونا، والتى يتم تطبيقها بدقة وصرامة، مما أدى إلى ثقة السائحين فى المقصد السياحى المصرى.

مجال التعليم
فى مجال التعليم العالى والجامعة الألمانية التطبيقية الجديدة، وقع وزير التعليم العالى والبحث العلمى، على هامش زيارة الرئيس السيسى لبرلين فى أكتوبر 2018، اتفاقية إنشاء الجامعة الألمانية الدولية GIU فى العاصمة الإدارية الجديدة كأول جامعة للعلوم التطبيقية فى مصر، بالاشتراك مع تحالف الجامعات التطبيقية الألمانية والجامعة الألمانية بالقاهرة، وقد بدأت الدراسة بالفعل فى مقر مؤقت لها بالجامعة الألمانية بالتجمع الخامس GUC.

وبالنسبة لعلاقات التعاون الاقتصادى والتجارى، ترتبط مصر وألمانيا بلجنة اقتصادية مشتركة تعقد اجتماعاتها بشكل سنوى بالتناوب بين البلدين.

أكبر شريك تجارى
وتعد مصر ثالث أكبر شريك تجارى لألمانيا فى الشرق الأوسط، وسجل حجم التبادل التجارى بين البلدين فى 2017 أعلى مستوياته بقيمة 5،8 مليار يورو، وعلى الرغم من انخفاض حجم التبادل التجارى عام 2018 إلى 4.48 مليار يورو بنسبة انخفاض 21.7%، إلا أن ذلك حمل بطياته مؤشرات إيجابية للجانب المصرى، حيث يرجع لانخفاض الواردات المصرية من ألمانيا بنسبة 29% مقابل زيادة ملحوظة فى الصادرات المصرية غير البترولية للسوق الألمانى للعام الثالث على التوالى بنسبة 9.4%.

وارتفع حجم التبادل التجارى فى الفترة من يناير- يوليو 2019 إلى 3.012 مليار يورو بزيادة 15% مقارنة بنفس الفترة العام الماضى. 

تحتل ألمانيا المرتبة العشرين ضمن قائمة أهم الدول المستثمرة فى مصر، حيث يوجد فى مصر حوالى 900 شركة ألمانية تعمل فى جميع أنحاء الجمهورية، ودائما ما يسعى المسئولون المصريون إلى جذب استثمارات المزيد من الشركات والمؤسسات إلى السوق المحلية.

وخلال عام 2015، وقعت وزارة الكهرباء عقدا لإنشاء 3 محطات لتوليد الكهرباء فى مصر بالتعاون مع شركة سيمنز الألمانية، فى حين توصلت وزارة التعاون الدولى فى نوفمبر 2019 إلى اتفاقية تعاون مع الجانب الألمانى لتمويل عدة مشروعات فى مجالات كفاءة الطاقة وتأهيل المدارس المهنية والتعليم وتطوير البنية الأساسية فى المناطق الحضرية. 

استثمارات ألمانية
ووفقا لبيانات الهيئة العامة للاستثمار، يبلغ إجمالى حجم الاستثمارات الألمانية فى مصر 640.6 مليون دولار حتى نهاية سبتمبر 2019، تتركز فى حوالى 1183 شركة بمجالات متنوعة "الصناعة، والسياحة، والانشاءات، والقطاع الخدمى، والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات".

وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ خمس مليارات يورو تقريبا في عام 2020، وفقا لتصريحات السفير الألمانى بالقاهرة .
وتعد ألمانيا ثان أكبر شريك تجاري لمصر بين دول الاتحاد الأوروبي.

وشهدت القاهرة استثمارات ألمانية عام 2021 تقدر قيمتها بحوالي 1.5 مليار يورو في2021. 

كما يعمل في مصر حوالي 1180 شركة تساهم فيها رؤوس أموال ألمانية في كافة القطاعات الاقتصادية، ويتعين ألا ننسى أنه يكمن خلف هذا الرقم قوة عاملة قوامها 25000 موظفا وعاملا مصريا يعملون في هذه الشركات التي تساهم بأغلبية الحصص في رأس المال، وحوالي 175000 موظفا وعاملا مصريا يعملون في شركات تساهم فيها بصفة عامة رؤوس أموال ألمانية.

فيما بلغ حجم مشاريع التعاون التنموي الجارية في مصر يبلغ حوالي ٦,١ مليار يورو. 

كما جاءت ألمانيا فى المرتبة الأولى بأعلى واردات لمصر من دول أوروبا والتى بلغت قيمتها 3.3 مليار دولار خلال أول 10 أشهر من عام 2021 مقابل 3.2 مليار دولار خلال الأشهر المناظرة من العام السابق عليه، بزيادة قدرها 67.7 مليون دولار.