فى غياب «الوزير»: 6 أوكرانيات يختطفن جمهور مسرح الفن

مسرحية مانجة هندي
مسرحية مانجة هندي

عبد الصبور بدر

في تمام العاشرة مساء الأحد الماضي، تسللت 6 أوكرانيات هربن من الحرب في بلادهن، إلى مسرح الفن بوسط البلد، للقيام بعملية سطو غير مسلح نجحن من خلاله في اختطاف الجمهور لمدة ساعتين كاملتين هما مدة عرض مسرحية مانجة هندي التي أدت فيها الفرقة الأوكرانية لوحات راقصة من تصميم د. عماد سعيد، أبهرت المتفرجين في العرض الأول للمسرحية التي يقوم بإخراجها حسام الدين صلاح.

 

دفع صناع العمل بالفرقة الأوكرانية في بداية العرض من أجل إحداث تأثير مبكر لدى الجمهور خاصة مع تمكن الراقصات في الاستعراضات المطلوبة بدقة شديدة، لتظهر أجساد الفتيات الأوروبيات”ملبوسة” بالروح المصرية، ما دفع الجمهور إلى التفاعل معهن من خلال تصفيق متناغم مع الإيقاع، في حالة من الألفة، والبهجة مهدت لدخول الممثلين بارتياح.

 

6 شقراوات، بعيون ملونة، وشعر أصفر يشبهن أميرات العصور الوسطى في الأفلام الإنجليزية، لم ينطقن كلمة واحدة طيلة العرض، اعتمدن في توصيل الرسالة المطلوبة على الرقص – فقط - باعتباره لغة إنسانية لا تحتاج إلى كلمات، ومفهومة لجميع الأعمار، وهي الفلسفة التي يؤمن بها د. عماد سعيد الذي يرى أن الاستعراض فن قائم بذاته، يمنح العروض التي يشارك فيها، ولا يأخذ منها، بمعنى أنه يمكنك الفرجة على الاستعراض منفردا دون الحاجة إلى مشاهدة العمل.

 

أما الشيء العجيب الذي أخبرني به د. عماد أن مدرسته في تصميم الرقصات لا تستند على الإيقاع في البداية وتلجأ إليه كخطوة تالية بعد الانتهاء من التدريب عليه بالكامل، على اعتبار أن الإيقاع ينبع في الأساس من داخل الراقصة أو الراقص، ما يعني إخراج حركة درامية استعراضية تعبر عن الحدث المطلوب تقديمه (التغبير الحركي) وهو ما يؤثر على الحدث أو يصبح مكملا له، أو يكثف فترة درامية زمنية طويلة في دقائق معدودة. 

غياب الوزير وحضور إدريس 

غيّب المرض الفنان الكبير حمدي الوزير عن المسرحية باعتباره أحد أهم أبطالها، ليلعب دوره الموهوب جدا رضا إدريس، والذي استطاع بخبرته الطويلة في المسرح، أن يتقمص الشخصية– كالعادة – ويؤديها بطريقته الخاصة التي تراعي الأبعاد النفسية،وتوظف اللزمات التي تميزها، ما جعل الجمهور يصدقها على الفور، لأنه يصادفها كثيرا في حياته.

 

بخفة ظل نجح إدريس في أداء شخصية “البلطجي” الذي يفرض إتاوات على أهل الحارة وزوارها، مستغلا جمال شقيقة زوجته (دارين حداد) في تقليب الجيوب، وساعده على ذلك براعته في الحركة على خشبة المسرح، واستخدام كل جزء في جسده، بجانب المقامات الصوتية في لغته المسرحية المميزة.

 

تشعر دائما مع رضا إدريس أنه طالب يؤدي امتحان القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية أمام لجنة تحكيم قاسية، يذاكر الدور جيدا، ويستعرض كل مهاراته وإمكانياته، في حين أن نسبة الخطأ لديه - دائما - لا تتجاوز صفر%، في الوقت الذي يبدع قدر المستطاع في الأداء ليحقق معادلة الإتقان والتفوق. 

 

سلامة في خير 

جسد الفنان أحمد سلامة في المسرحية شخصيته الحقيقية في الواقع، باعتباره فنانا معروفا، يصادف المعجبين في الشارع، ويتعاطف مع خادمته (دارين)التي تحلم بأن تصبح هي الأخرى فنانة لها “شنة ورنة”.

 

ربما هي المرة الأولى التي يلعب فيها سلامة دورا كوميديا، إلا أن قدرته على الأداء الجيد وثقته في نفسه، وخبرته في جذب الجمهور، بجانب اعتماد المؤلف على كوميديا الموقف، من العوامل التي جعلته يفلت من الوقوع في فخ “السماجة”، وينتزع الضحكات بسهولة من القلوب.

مروى جودة

لا تستطيع أن تفهم بالضبط لماذا اختار المؤلف هذا الاسم لبطلة المسرحية (دارين)، بالرغم من أنها تعيش في حارة شعبية فقيرة، وتعمل خادمة، كان من الممكن أن يختار أسماء أخرى مرتبطة بحالتها الاجتماعية مثل: توحة، أو شوق، أو يخترع اسما جديدا مثلما فعل بديع خيري حين اختار اسم “لعبة” للفنانة تحية كاريوكا في فيلم “لعبة الست”.

لكن الاسم وحده لم يكن العائق الوحيد أمام دارين التي لم تستطع أن تتخلى عن لكنتها التونسية رغم أنها تؤدي دور فتاة في حارة شعبية مصرية، وهو الخطأ الذي يسأل عنه المخرج، إلا أن الملحن عصام إسماعيل لم يسمح بتكرار الخطأ في الأغنيات التي قامت بأدائها، للدرجة التي جعلتني أبحث عنه عقب انتهاء العرض لأسأله عن اسم المطربة التي تغني وأنا لا أصدق أنها دارين نفسها!

ابتسم الموسيقار عصام إسماعيل وهو يشرح لي كيف يبحث داخل الفنان عن الإحساس المميز في أسلوبه الصوتي، وكيف يوظف اللحن في المساحات التي تصل إليها طبقات الصوت، بجانب اللعب على المقامات، والمحسنات داخل الاستديو، ما يجعل المتلقي يستمتع بحنجرة جديدة، تضئ روحه بصدق المعاني وعذوبة الأداء.

محمود عزب

لا يسأل محمود عزب عن حالة “التوهان” التي ظهر عليها، خاصة في الفصل الأول وهو يلعب دور “معلم اللغة الهندية”. ضعف النص، وتدوير القصص التي يحكيها، وعدم رسم أبعاد الشخصية التي يؤديها، لم تسمح له بالقبض على الدور بالشكل المطلوب، ولكنه عاد وتماسك في الفصل الثاني، بينما كان يمكن استغلاله بطريقة جيدة، خاصة وأنه يستطيع تجسيد “كاراكترات” مختلفة.

وائل ورفيق وحامد ونادية

هل تذكرون “وائل العوني” الذي حبسه أشرف عبد الباقي على مسرح مصر في جملة استفهامية واحدة “ أنا هعمل أيه؟”، وكان يؤديها في كل مرة بشكل مختلف، ويحصد ضحكات الجمهور وينتزع إعجابهم، وصنع من خلالها نجوميته، لقد جلبه المخرج حسام الدين صلاح إلى المسرحية ليؤدي شخصية مخرج هندي ويمنحه مساحة كبيرة.

صال العوني وجال على المسرح، أشبع موهبته كما يجب، وحقق حضورا طاغيا، وهو يقدم أفضل ما لديه، ويبرز إمكانياته الهائلة كفنان مسرحي يتحسس طريقه إلى البطولة في المستقبل بما يمتلكه من كاريزما عالية، وقبول لدى الجمهور بحيث يمكن المراهنة عليه دائما.

أما زميله – في مسرح مصر – رفيق القاضي فقد تسبب في كريزة ضحك للجمهور وهو يؤدي دور منتج هندي ويتحدث بطريقة غير مفهومة، لدرجة أن الممثلين من حوله أيضا لم يتمالكوا أنفسهم وأصيبوا بعدوى الضحك. 

في المقابل كان حامد مرزوق واثقا في نفسه أكثر مما يجب، وكأنه لا يدرك الشعرة التي تفصل بين الثقة والغرور، لعب دور “مترجم هندي”، ولم يلتزم بالحدود المتعارف عليها، تمرد على البقاء داخل الشخصية على المسرح، وكان يخاطب الجمهور باعتباره الفنان، وليس الشخصية التي يؤديها. 

أما نادية سلامة التي لعبت دور زوجة البلطجي، فإن دورها الصغير داخل المسرحية لم يمكنها من بسط نفوذها، أو اختبار قدرتها الحقيقية كممثلة، وفي المقابل لم تبذل مجهودا في تطويع ملامحها أو تغير صوتها للتعبير عن حالة الغضب والدلال، ظهرت أشبه بتلميذة تحفظ النص وتسمعه بنبرة صوت فاترة، في حين كان يمكن الاستفادة منها في رقصات منفردة، خاصة وأن إمكانيتها في الرقص الشرقي معقولة.

ملاحظات أخيرة

• اختار المؤلف أيمن العوضي فكرة الهوس بالأفلام الهندية، وحلم الفنانين المصريين بالعمل في “بوليود”، كانت ستبدو مقنعة إذا جاءت في فترة التسعينات من القرن الماضي، حيث رواج هذه العينة من الأفلام والإقبال على مشاهدتها في السينما والتلفزيون، أما العجيب هو أن المسرحية جاءت بعنوان “مانجة هندي” إلا أن كلمة “مانجة” لم ترد في حوار الممثلين ولو مرة واحدة!

• لم يلجأ صناع العمل إلى استخدام إمكانية الإضاءة داخل المسرح، إلا قليلا، ونفس الشيء في الموسيقى التصويرية التي غابت تماما في وقت كانت فيه الأحداث في حاجة ماسة إليها.

• يستحق المسئول عن ملابس الممثلين تحية خاصة، لأنه فهم طبيعة كل شخصية، وتعامل مع المسألة باحترافية يستحق الإشادة عليها.

• عدة وجوه جديدة استطاعت أن تلمع وسط باقة من النجوم، وتثبت موهبتها وكان لها تأثرا في نجاح العمل وفي مقدمتهم محمود معوض الذي قام بدور “المزيكا التصويرية”،بجانب الأطفال الذين شاركوا في المسرحية. 

• في نهاية العرض خرج الجمهور سعيدا، واستمر التصفيق للممثلين أكثر من 10 دقائق.